الاقتصادي - أصبح تدهور مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا دليلاً واضحاً ومؤلماً على عدم جاهزية السوق للاعتماد على نفسها، ما يُنبه الحكومات إلى ضرورة تقديم مزيد من الدعم حتى تصبح السيارات الكهربائية ذات التكلفة المناسبة حقيقة واقعة.
تكتظ الموانئ بأعداد هائلة من السيارات، وتقوم المصانع بخفض الإنتاج، وهي علامة خطر بالنسبة لأهداف القارة المناخية، وتهديد للعاملين بعد تسريح "تسلا" أعداد كبيرة منهم هذا الأسبوع.
من دون الدعم، لم تعد تكلفة امتلاك سيارة كهربائية مقبولة منطقياً بالنسبة لكثير من قادة السيارات. فتكاليف الإصلاح والتأمين أعلى كثيراً من نظيرتها في سيارات محرك الاحتراق الداخلي، ولم يزل ضعف البنية التحتية لشحن البطاريات يسبب إزعاجاً لكثير من العملاء المحتملين.
في الوقت نفسه، تؤدي سرعة التطور التكنولوجي وحرب الأسعار التي تخوضها "تسلا" إلى تدهور قيمة إعادة بيع السيارة، مما يجعل الإقبال على امتلاكها بعيد المنال.
بعد تدهور المبيعات بنسبة 20% تقريباً خلال الربع الأول في السويد، قال ماتياس بيرغمان، الرئيس التنفيذي لمنظمة صناعة السيارات "موبيليتي سويدن": "نحن نفقد القوة الدافعة. فالسوق لم تعد تنمو، ونصيب السيارات الكهربائية منها يتراجع في الحقيقة".
لقد فات أوان العودة إلى الوضع السابق بالنسبة للقطاع، فقد استثمرت "فولكس واجن" و"مرسيدس بنز" و"ستيلانتس" وغيرها من شركات صناعة السيارات المليارات، وهي تكافح الآن من أجل صناعة طرازات جديدة حتى مع ضعف الطلب.
انهيار المبيعات
في الشهر الماضي، انخفضت المبيعات في أوروبا 11% عن نفس الفترة من العام الماضي، مما دفع السوق بأكملها نحو مسار معاكس، فشهدت ألمانيا والسويد وإيطاليا تدهوراً في مبيعات السيارات الكهربائية بنحو 30%.
كانت التغييرات في الحوافز سبباً في هذا التراجع. ففي إطار سعيها لتوفير النفقات في ظل أزمة غير مسبوقة في الميزانية، سحبت ألمانيا برنامج الدعم الشهير فجأة في أواخر العام الماضي، مما تسبب في انخفاض مبيعات السيارات الكهربائية إلى النصف في ديسمبر.
أما في السويد، وهي من بين أكثر أسواق السيارات الكهربائية تقدماً في أوروبا، حيث كانت 39% من السيارات الجديدة التي بيعت العام الماضي تعمل بالبطاريات، فقد ألغت الحكومة الحوافز ثم خفضت ضرائب الوقود، مما جعل السيارات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي أرخص بالمقارنة مع الكهربائية.
شركات السيارات الأوروبية تدرس تحركات "غير مسبوقة" لمواجهة أزمة وجودية
يقول لوران فافر، الرئيس التنفيذي لشركة "أو بي موبيليتي" (OPmobility) الفرنسية الموردة لقطع غيار السيارات: "لا يكسب الناس ما يكفي لشراء هذه السيارات. فهناك فجوة بين العرض والطلب، ومن الطبيعي ألا يستمر الدعم إلى الأبد. إن الواقع يلاحقنا".
برامج لتحفيز الطلب
تبدأ الحكومات في إنجاز أقصى ما تستطيع من أهدافها بأقل تكلفة ممكنة. وتدرس إيطاليا تقديم منح تصل إلى 13750 يورو (14650 دولاراً) على شراء السيارات الكهربائية للأسر ذات الدخل المنخفض التي تستبدل سياراتها التي مضى عليها عقود من الزمن. وفي فرنسا، حظيت عقود تأجير السيارات الكهربائية بأسعار مخفضة -التي أتاحها الرئيس إيمانويل ماكرون للأسر الفقيرة- بشعبية كبيرة.
في المملكة المتحدة، قال مجلس اللوردات في فبراير إن إلغاء البلاد منحة السيارات الكهربائية للمشترين الأفراد في 2022 كان "سابقاً لأوانه". فمنذ ذلك الحين، توقف نمو مبيعات السيارات الكهربائية كحصة من إجمالي مشتريات السيارات الجديدة. وقال تقرير إنه ينبغي دراسة تقديم منح جديدة بطريقة موجهة.
اقرأ أيضاً: الحرب التجارية على سيارات الصين الكهربائية تدمر القطاع ذاتياً
قال أندي بالمر، الرئيس التنفيذي المؤقت لشركة شحن البطاريات "بود بوينت" (Pod Point) والرئيس السابق لـ"أستون مارتن لاغوندا غلوبال هولدينغز" (Aston Martin Lagonda Global Holdings): "أُلغيت برامج المنح في وقت أسرع مما ينبغي"، وسط تردد المستهلكين في إنفاق مزيد من المال نسبياً على السيارات الكهربائية، لاسيما عندما تكون البنية التحتية لشحن البطاريات متخلفة عن الركب.
وأضاف: "إذا كنت ترغب في تسريع تبني السيارات الكهربائية، فعليك أن تقلل من تكلفة السيارات، وعليك أن تُسعر السيارات في نطاق بين 20 ألفاً إلى 30 ألف دولار".
ضعف البنية التحتية
بعد مرور أشهر على امتلاكه سيارة "مرسيدس EQB"، يقول نعيم بديع الزمان من "ميلتون كينز" بإنجلترا إنه مستعد لاستبدال السيارة، التي حصل عليها بمساعدة برنامج حوافز من الشركة. فقد أدت ندرة محطات الشحن إلى انتظاره لمدة 45 دقيقة بصورة منتظمة، وحتى الرحلات متوسطة المسافة تتطلب منه التوقف لشحن بطاريته حتى النهاية. ويخطط "بديع الزمان" لاستبدال السيارة بأخرى هجينة عندما ينتهي عقد إيجاره الممتد لعامين.