الاقتصادي- آفاق البيئة والتنمية- عبد الباسط خلف- تكشف الأمطار الغزيرة "عورة" الطرقات، وتعيد مواسم الشتاء وغرق العديد من الشوارع، خاصة في الأمكنة المنخفضة، طرح تساؤلات حول التخطيط والتنفيذ والرقابة على مشاريع البنية التحتية، وأسباب عدم قدرتها على الصمود في وجه مياه الأمطار، التي تختلط بالصرف الصحي، وتتلف الكثير من الدروب.
تواكب "آفاق البيئة والتنمية" هذا الملف مع جهات الاختصاص، وتتابع مواطن القــــصور في طرقاتنا التي تغرق في الكثير المواسم، وتبحث عن حلول تساهم في تصويب هذا الواقع.
"الأشغال العامة": الاعتداء على الوديان يفاقم الأوضاع
قال الوكيل المساعد للشؤون الفنية في وزارة الأشغال العامة والإسكان، المهندس ذوقان العطاونة، إن الوزارة مسؤولة عن شبكة الطرق الرئيسة الرابطة بين المحافظات والتجمعات بنحو 3900 كيلو متر،67% منها تقع في مناطق "ج"، فيما تختص الهيئات المحلية والحكم المحلي بالطرق الداخلية.
وأضاف أن فيضانات الطرقات سببها الاعتداءات على الوديان وإغلاق مجاري العبارات وقنوات التصريف، فيما تجري الوزارة سنوياً، وقبل الشتاء، حملة تنظيف للوديان والعبارات تستمر نحو 5 أشهر بتكلفة 5 ملايين شيقل، إضافة إلى موازنة طارئة للأحوال الجوية.
وبيّن أنه ومع بدء الشتاء تظهر التحديات مرة أخرى، "بسبب الاعتداءات وإلقاء النفايات والركام في الوديان"، وتؤدي إلى تجمع المياه على بعض الشوارع، وتستمر الوزارة في متابعتها، وخلال الثلوج والهطولات الغزيرة يتم إعلان الطوارئ، وتعمل طواقهما بجانب الدفاع المدني وجهات شريكة على مدار الساعة.
وأكد أنه مع الإبلاغ عن أي فيضان أو انجراف يتم التعامل معه فوراً، وتصريف تجمعات المياه، وفي حالة ظهور تحديات لا يمكن معالجتها يتم التعاقد مع مقاول، وتمتد الصيانة لما بعد الشتاء.
وأشار العطاونة إلى وجود طرق "تؤدي الغرض"، وأخرى "متهالكة" تحتاج إلى تأهيل، لكن الأزمة المالية المستمرة تشكل عقبة.
وأوضح أن الوضع الطبيعي يتطلب إجراء "صيانة سنوية للطرقات"، للحفاظ على ديمومتها، نظراً لطبيعتها وللضغط المروري عليها.
وبنظره فإن جزءاً من مشكلة الطرق يتمثل بعدم استخدامها كما يجب، فهناك طرق مصممة للسيارات الخفيفة تستعملها المعدات الثقيلة، ما يؤدي إلى تقصير عمرها الافتراضي، وتهالكها سريعاً.
وذكر بوجود "ضوابط للجودة" في عطاءات الوزارة تحدد المواد المستخدمة ومواصفاتها، وتفحصها، ويتم اعتمادها من مهندس، ولا يجري الاستلام من المقاول ما لم تلتزم بالمواصفات.
وأشار العطاونة إلى أن الأصل وقف الاعتداءات على الطرقات والوديان وقنوات التصريف، وذلك مسؤولية الهيئات المحلية، والمشكلة الاعتداء على مجاري الوديان، وغياب ثقافة المحافظة على الممتلكات العامة.
وأضاف أن تأهيل الشوارع يخضع لمواصفات بالحد الأدنى؛ لخدمة أكبر عدد من المواطنين بأقل كلفة، وهذا لا يعني عدم جودة الإسفلت والمواد الأخرى، لكن عرض الشوارع وبنيتها التحتية تتم بالحد الأدنى الذي يؤمن السلامة المرورية ويخدم المواطنين، لعدم وجود موازنات كافية.
وأكد أن إعادة تأهيل الطرق تتم حسب المواصفات العالمية، وتشمل دراسة كمية التصريف والعبارات، لكن بعد التنفيذ تبدأ الاعتداءات.
وتطرق إلى أن الفيضانات على الإسفلت تؤدي إلى تشققات وهبوط مناسيب الطرق، وتظهر عيوباً، وتحتاج صيانة دورية، لكن الضائقة المالية خلال السنوات الأخيرة وموازنات الطوارئ تحول دون الصيانة الشاملة.
وركز على أن الطرق في المناطق "ج" تحتاج إلى تدخلات وصيانة وفيها تجمعات مياه، لكن العمل فيها يحتاج تنسيقاً مع الاحتلال الذي يرفض ذلك، وهناك طرقات جرت فيها مصادرة معدات المقاول.
"الحكم المحلي": الوديان للدولة ويجب المحافظة عليها
من موقعه، أفاد مدير عام التنظيم والتخطيط العمراني في وزارة الحكم المحلي، هاني نجوم، بأن الوزارة هي المسؤولة عن تنظيم الأراضي الزراعية المتوسطة وعالية القيمة وغالبيتها في مناطق "ج"، كما وضعت المخطط المكاني للمحافظة على الأراضي، ويتم في بعض الحالات وعبر لجنة زراعية، رفع الحماية عن الأراضي متوسطة القيمة وتحويلها إلى منخفضة وفق إجراءات دقيقة، لكن هناك بناء عشوائي غير مُنظم في بعض الحالات ينعكس سلباً.
وقال إن الوديان داخل المخطط الهيكلي مسؤولية الهيئات المحلية، ووضعت الوزارة قيوداً وأبقت عليها حسب مخططات التسوية والأراضي، وهناك حرم للوادي، ففي حال جرى تنفيذ جدران استنادية وأكتاف في المناطق المنخفضة يكون الارتداد 5 أمتار من كل جهة، و10 أمتار من كل جهة في حال غياب الجدران والأكتاف.
وأكد أنه في المناطق غير المُنظّمة تعطي الوزارة حرماً للوادي 20 متراً من كل جانب، لا تسمح بالبناء فيها، وفي حال تنظيم المنطقة ووضع جدران استناديه لها يتغير الارتداد.
وأضاف نجوم بأن "الوديان للدولة ويجب عدم الاعتداء عليها، ومتابعتها مسؤولية الهيئة المحلية، لكن الأراضي المنخفضة للمواطنين لا يمكن التدخل فيها كونها ملكية خاصة".
وأكد عدم وجود وديان تحت صفة "ملكية خاصة"، وفي حال حدوث اعتداءات على الوديان الرئيسة ينبغي معالجتها، مثلما حصل في طولكرم وأريحا.
وتحدث عن "خلل تصنيف" بعض المناطق على أنها وديان في مناطق خاصة، لكنها عمليًا لا تلتزم بمسار الوديان، والأصل أن يجري فتح الوديان الرسمية.
وبيّن نجوم أنه أحياناً تتدفق المياه من أراضٍ خاصة نحو الشوارع، ونعالج ذلك بالتنسيق مع المالكين وإنشاء قنوات تربطها بالوديان، وهو ليس "إجراءً إجباريًا".
نقابة المهندسين: المشاريع غير المُلتزمة بالمواصفات خسارة
بدوره قال عضو الهيئة العامة لنقابة المهندسين، د. سمير أبو عيشة إن "تخطيط الطرقات وتنفيذها وجودة المواد المستخدمة في مشاريعها مرتبط بتكلفتها، فلن نعجز بكوادرنا المحلية عن تصميم أفضل الطرقات، ويستطيع مقاولونا تنفيذها على أكمل وجه، وبمقدورنا تحضير مواد تلبي المواصفات والجودة، لكن ذلك يتطلب ثمنًا مادياً".
وأوضح أن بناء "نظام مثالي لتصريف مياه الأمطار"، إما تحت مستوى سطح الشارع، أو عبر أنابيب، أو بمناهل وفتحات، قد يرفع تكلفة إنشاء الطرقات 20-25%، ونحتاج الى العبارات لنقل المياه التي تعبر أسفل الطرق إلى الوديان.
وأشار إلى أنه بسبب تكلفة المشاريع، فقد لا يؤخذ إنشاء أنظمة تصريف مياه الأمطار بالحسبان، ويكتفى بإنشاء الأجزاء الأساسية من الشوارع.
وبيّن أبو عيشة، ضرورة إتقان التخطيط والتنفيذ للشوارع، كما في عدد محدود من المشاريع التي كان شاهداً عليها في مناطق برام الله ونابلس، وشكلت نموذجاً في تصريف مياه الأمطار.
وذكر أن تصميم نظام تصريف يجب أن يراعي "المخاطر المحتملة"، ويفترض حدوث فيضان ولو مرة كل 10 أو 20 و50 عاماً، إذ يتوقع الأسوأ، حتى لو كانت إمكانية تكراره قليلة.
وأشار إلى تجربته مع إحدى البلديات، التي حصلت على منحة لإنشاء شارع داخلي، واقترح عليها التنفيذ مع نظام لتصريف مياه الامطار، لكنها "تذرعت بعدم كفاية المنحة"، ما تسبب بحدوث انجراف في طبقات الشارع مع أول هطول لأمطار، وأدى إلى إعادة إنشاء المشروع وخسارة الكثير من المال.
واشترط أبو عيشة، الذي سبق أن تولى وزارة التخطيط، أن تراعي المشاريع الاستدامة، وتضع بالاعتبار "خدمة الطريق 20 سنة على الأقل بكفاءة، دون إعادة تأهيل".
وأفاد أن المطلوب "إحداث تغيير في عمل نقابة المهندسين"، بحيث لا تكتفي بختم مشاريع الطرقات والمجاري وتصريف مياه الأمطار، بل تشارك في تدقيقها والمصادقة الفعلية والفنية عليها، وتشترط اقتران أي شارع بنظام للتصريف حسب ما يلزم.
وطالب بإعطاء النقابة، من خلال التنسيق مع جهات الاختصاص، دورها في مشاريع الطرقات والبنى التحتية، وأن تكون شريكة في مراجعتها، حتى لو تسبب ذلك بكلفة عليها لتوظيف مهندسين أصحاب خبرة، وأن تتحمل ذلك مع الأشغال العامة وجهات العلاقة.
وتطرق إلى إهدار المال في مشاريع طرق وبنى تحتية "لا تخدم الغرض المُصمم من أجله" في بعض الاحيان، وأن تداعيات ذلك لا تنعكس على البلديات، بل تطال على الجميع، وفق تعبيره.
وأكد أبو عيشة خلال لقاء سابق في النقابة مع ممثلي جهات حكومية، أهمية تغيير الإجراءات الحالية في المشاريع، واستحداث آليات تضمن "رقابة صارمة" على التنفيذ والجودة.
وزاد "بأننا نخسر مالياً أضعاف كلفة المشاريع المنفذة بطريقة غير ملتزمة بالمواصفات، وأن زيادة أطوال المشاريع المنجزة أحياناً تكون على حساب الجودة، وإذا ما كان هدفنا زيادة الأطوال المنجزة دون الالتزام بالمعايير الصحيحة فسنخسر كل شيء."
وشدّد أبو عيشة، على ضرورة تقييد المشاريع الممولة من جهات مانحة، واشتراط التزامها بمعايير وضوابط الجودة في التصميم والتنفيذ، ولو نتج عن ذلك تقليل الأطوال المنجزة.
"المواصفات والمقاييس": التقيد بالتصاميم هو الحل
أوضح مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس، حيدر حجة، أن المؤسسة تضع المواصفات الفنية والتعليمات الفنية الإلزامية، ووضعت نحو 5 آلاف مواصفة تغطي جميع القطاعات، بما فيها الإنشاءات للبنية التحتية والطرقات، وهناك تعليمات إلزامية للخرسانة (الباطون الجاهز)، والإسفلت يتم استخدامها في العطاءات والمشاريع.
وذكر أن تصميم مشاريع البنية التحتية والطرقات يجب أن يراعي متطلبات "الكود الأردني"، لحين الانتهاء من "كود فلسطيني" للطرق.
وأكد أن "الكود الأردني" في تصميم الطرقات ومشاريع البنية التحتية، يتضمن تصريف مياه الأمطار والصرف الصحي وغيرها، وإذا كان التصميم يراعي من البداية حركة السير وأوزان المركبات والكثافة السكانية والأمطار والصرف الصحي.
وقال حجة إنه في حال التقيد بالتصاميم خلال التنفيذ "يفترض عدم مواجهة أية مشاكل"، ولكن يجب استخدام مواد تحقق متطلبات المواصفات الفلسطينية، وتصمد أمام الظروف الجوية المختلفة، وأن يكون التنفيذ حسب الأصول بشكل متزامن، لأن استعمال مواد بمواصفات عالية دون تنفيذ حسب الأصول لا يحل المشكلة.
وأورد أمثلة على أن المواصفات تحدد الإسفلت ودرجة حرارته، وتتدخل في نظام إدارة خلاطة الإسفلت، والمعايير داخل المصنع، وهناك تعليم فني إلزامي خاص بالإسفلت، وإذا ما جرى التصميم والتنفيذ الصحيح للطرقات، فإنها "ستدوم عشرات السنوات"، لكن وجود أي خلل سينعكس سلباً على العمر الافتراضي لها.
وأكد أن لا دور إشرافياَ لـ "المواصفات والمقاييس" في المشاريع، لكن المؤسسة تواكب ما يردها من ملاحظات، إذ تابعت عدم مطابقة جزء من أغطية مناهل الصرف الصحي للمواصفات وغياب قدرتها على تحمل ضغط الماء أسفلها لانخفاض وزنها، وهو ما ينتج عنه خروجها من أماكنها خلال الهطول، وتسببها بحوادث سير، واختلاط مياهها بالأمطار، ما يؤدي إلى تلوث بيئي، وجرى تغييرها بعد التواصل مع "الحكم المحلي" لعدم مطابقتها للمواصفات، وقد بدأت جهات الاختصاص بفرض قيود ورقابة على المناهل.
وأضاف أن بعض البلديات والمجالس القروية والمشاريع تستخدم مواد غير مطابقة، والمشكلة أن المواصفات "ليست موجودة في العطاءات الإنشائية كلها"، وبمجرد معرفة المؤسسة بذلك، أو تلقيها لملاحظات تتدخل وتطلب تصويب الأوضاع وتغيير شروط العطاءات.
وأكد أن المواد المستخدمة وجودة التنفيذ مرتبطان ببعضهما، فسرعة تشقق الإسفلت في بعض الطرقات سببه التنفيذ، ولا علاقة له بالمواد المستخدمة المطابقة للمواصفات، خاصة مع تسرب مياه الأمطار أسفلها، كما أن وضع إسفلت مطابق للمواصفات مع عدم التقيد بالتصميم الجيد ومراعاة أحمال المركبات الثقيلة، فستتضرر الطرقات.
وتابع حجة بإن مشكلة بعض المشاريع تكمن في محدودية الموازنات، والهبوط بالشروط الفنية لتنفيذ مسافات أطول، ما يؤدي إلى سرعة تلف الشوارع، لكن الأفضل الالتزام بالمواصفات ولو بمسافات أقصر. ودعا إلى الإبلاغ عن أي عطاء لا يلتزم بالشروط الفنية. ورأى بأن مسؤولية مراقبة جودة المشاريع تقع على عاتق الجهات ذات العلاقة.
اتحاد المقاولين: جزء من مشاريع الطرق الحالية هدر للمال العام
من جانبه، أكد أمين سر اتحاد المقاولين، المهندس محمود حمادنة، أن معظم مشاريع الطرقات والبنية التحتية تتم عبر مقاول مُصنف من الاتحاد، وهو الإطار القانوني لعمل أي مقاول، وهناك بعض المشاريع تتم من القطاع الخاص والمطوّرين، الذي يعملون مع مقاولين غير مصنفين وعلى مسؤوليتهم، مثل مشاريع الإسكانات والشقق.
وأشار إلى وجود "تصنيفات" لمقاولي الأبنية، والمياه والمجاري، والكهرباء والميكانيك، والطرق، وأي مقاول يتقدم لعطاء طرق أو شبكات صرف صحي يكون مختصاً ولدية خبرة كافية، ويحتاج مؤهلات وخبرات لتغيير تصنفيه من الدرجة الخامسة إلى الأولى.
وأوضح أن حصول أي مقاول على عطاء، يأتي بناء على "خبراته السابقة، وتنفيذه مشاريع مشابهة"، وأي مشروع ممول محلياً أو دوليا يبدأ بدراسة تنفذها الجهة المستفيدة، تقدم للجهة المانحة، أو تكون ممولة ذاتياً.
ورأى حمادنة، بأن مرحلة تقييم المشاريع هي الأهم، فمثلاً لتنفيذ طريق بطول 3 كيلو متر وفق الأصول، قد يكلف 400 ألف دولار، ثم يتم التقدم لمنحة، وحينما تكون غير كافية "يجري تقليل المواصفة بما يتناسب مع المنحة".
وأوضح أن الأصل تقيد المشاريع بالمواصفات كمعالجة التربة، والاهتمام بحواف الإسفلت، وإنشاء جدران، والمحافظة على طبقة إسفلت سميكة، وعدم التخلي عن المعايير الفنية لزيادة المسافة، وطلب منحة أخرى لإكمال المشروع.
وقال إن تصميم المشاريع "يكون عادة حسب المنحة"، وبما أن أسعار المواد والاحتياجات الأخرى ثابتة والمنحة لا تكفي، فيتم الاختصار من المواصفات والتلاعب بها، كما لا تتم مراعاة البنية التحتية القائمة، ويجري قص الشوارع لاحقاً لتمرير شبكات كهرباء ما يؤدي إلى تضررها وتشققها.
وشدد حمادنة على وجوب مراعاة تصميم الطرقات لطبيعة المركبات التي ستستخدمها، كما أن تنفيذ بعض الهيئات المحلية لوصلات خارج المشاريع تكون عادة دون أصول هندسية.
وتابع أن تصميم مشاريع الطرقات "تقترن بتكلفة تقديرية وجداول كميات"، وغالباً ما تكون التكلفة أقل لأن المقاول لا يمتلك خبرة بالقضايا غير المرئية، ولا ينتبه للكثير من القضايا والمصاريف الإدارية وأجهزة الحماية.
وذكر بأنه عند طرح العطاء حسب قانون الشراء العام، ويتقدم مقاولون مصنفون له، وبافتراض أن التكلفة التقديرية للمشروع مليون دولار، وتبين أن العطاء بمليون و100 دولار يحق للجهة المناحة التفاوض مع المقاول بأقل سعر، وإذا كان بمليون و200 ألف من حق المانح إعادة طرح العطاء، لكن إذا كان المشروع بـ 700 ألف دولار تتم الترسية على السعر الأقل.
وقال إن موافقة بعض المقاولين على مشاريع طرقات بأقل من التكلفة التقديرية تمنحه ثلاث خيارات "فإما أن يغش في المشروع بطريقة أو بأخرى، أو يسرق ويقدم رشوة خلال التنفيذ، أو يتعثر ويوقف المشروع".
ودعا حمادنة، إلى عدم منح مقاولين عطاءات لمشاريع بأقل من تكلفتها التقديرية؛ لضمان الحصول على مواصفات، وهو ما يسعى في الاتحاد مع "الشراء العام" لتغييره.
وتطرق إلى أن مدونة سلوك الاتحاد تنص على أن "تلاعب أي مقاول بالمواصفات أو الغش فيها يُعاقب"، ويطلب منه تصويب المشروع، وإذا لم يستجب يحق للجهة المانحة التوجه لهيئة مكافحة الفساد.
وقدّر أن مشاريع وكالة التنمية الأمريكية يمكنها تنفيذ طريق 500 متر بمليون دولار، لكن في مشاريعنا تمول 5 كيلو مترات، فمثلا نفذت هذه الوكالة شارع حوارة الرئيس، وشارع الجلزون، بطبيعة عمل ومعالجة تربة مختلفة ووضع أكتاف والاهتمام بقنوات تصريف المياه، ووضع 3 طبقات إسفلت، والالتزام بأنواع فحوصات دقيقة.
وتابع حمادنة، أن مختبرات الفحص لدينا مصنفة ومعتمدة من نقابة المهندسين، لكن بعض المختبرات، وهذا ليس اتهامًا لأحد "فحوصاتها غير دقيقة"، إذ ترد شكاوى بفحص لعينة واحدة في 3 مختبرات نجحت في الأول، ورسبت في الثاني، وكانت بين البينين في الثالث، على حد وصفه.
وقال إن الاتحاد بصدد تطبيق "كود للرقابة على الجودة وضبط العمل المختبرات" بالشراكة مع "المواصفات والمقاييس".
وأشترط "التشدد في إعداد الدراسات للمشاريع"؛ للوصول إلى تكلفة حقيقية، للحصول على منحة مساوية لها، وإذا كانت المنحة أقل، يجب العمل بطريقة صحيحة ولو قلت المسافة. كما يجب إعداد مخططات هيكلية للبلديات تراعي البنية التحتية ومعالجة التربة والتقيد بالفحوصات.
وأكد أن مشاريع الطرق في البلدات والقرى تتم بمعايير متوسطة فما دون، أما في المدن فالمواصفات متوسطة، في حين أن المشاريع الممولة معاييرها عالية.
ووصف حمادنة جزءاً من مشاريع الطرق بمواصفاتها الحالية بأنها "هدر للمال العام"، لأننا ننفق مالاً على بنية تحتية سنعيدها بعد سنة أو سنتين، في حين لو كانت المعايير عالية فستصمد 6 - 7 سنوات على الأقل.
وأشار إلى أن بعض الطرقات يتم قشط إسفلتها القديم، ووضع طبقة جديدة لا تتعدى 3 سم، أو يتم جرفها وإنشاء طرق جديدة، أو تجري معالجة تربتها بشكل جيد، ووضع طبقتي إسفلت 7 سم وفق الأصول.
ونوه إلى "غياب تصريف مياه للأمطار في الضفة الغربية وغزة"، وينحصر ذلك في المناطق المنخفضة، وتُعالج بعد اكتشاف تجميعها للمياه، واختلاطها بالمجاري، والكثير من مياه البنايات المفترض أن تسير فوق الشوارع، لكن يتم ربطها بالخفاء مع الصرف الصحي، ما يتسبب بمشاكل كبيرة.
وأوضح أن بعض مشاريع تصريف مياه الأمطار تتم "وفق الموازنات وليس الاحتياج"، فقد تحتاج طرقات لقنوات تصريف مياه بأنابيب إسمنتية بعرض 100 سم، لكنها تنفذ بـ 30 سم ما يؤثر على طاقتها الاستيعابية، كما لا يتم التعامل مع مياه الأمطار بشكل انسيابي حتى تذهب إلى الوديان، ويتم الاكتفاء بتنظيف قنوات المياه قبل الشتاء، والمفروض أن يتم ذلك قبل الأمطار وبعد 3 منخفضات لأن القنوات تحمل فوق طاقتها الاستيعابية، وانهيار التربة والخلل في الإسفلت، وتحميل الطرقات أوزاناً فوق طاقتها من شأنه الضغط على قنوات المياه من أنابيب الإسمنت ويؤدي ذلك إلى كسرها وإقفالها، وتدمير الشارع وفيضان المياه.
"المشكلة غياب تصريف مياه الأمطار"
من موقعه، رأى مدير دائرة الهندسة المدنية والمعمارية في جامعة النجاح، د. عبد الحليم خضر، أن نسبة امتصاص الأرض لمياه الأمطار ترتبط بطبيعتها، وتنعكس على الجريان السطحي الذي يتسبب بفيضانات وغرق لشوارع.
وقال إن ارتفاع حجم الأماكن المسقوفة والطرقات المعبدة يقلل نسبة امتصاص الأرض ويرفع منسوب الجريان في الطرقات، وهو ما لم يكن في السابق، رغم تشابه نسبة الأمطار، لقلة الأبنية وطبيعة الشوارع، وجراء عدم الاعتداء على حرم الوديان بالبناء.
وأشار إلى أن التوسع العمراني العشوائي "تسبب في تغطية جزء من الأراضي الزراعية التي كانت تمتص الأمطار، وضاعف العبء على شبكات الصرف الصحي"، مثلما ضاعف البناء في الوديان المشكلة.
وأوضح أن البناء في الوديان لم يقابله شبكات لتصريف الأمطار، وتضاعف الحال جراء ربط مياه البنايات والساحات وبعض الشوارع بشبكات الصرف الصحي، التي تعجز عن تصريف مياه الأمطار، فتنفجر المناهل ويتضرر الإسفلت والإسمنت حولها، ولذا نرى بعد كل منخفض ما يحدث.
وجزء من الحل برأي خضر، "إجبار الهيئات المحلية لأصحاب المباني بإنشاء آبار لتجميع مياه الأمطار"، لتقليل الفيضانات وللاستفادة من المياه صيفاً، فمدينة مثل نابلس معدل أمطارها 600 ملم سنوياً، تجمع بناية واحدة مساحتها 500 متر مربع 300 متر مكعب.
وأوضح أهمية إنشاء قنوات لمياه الأمطار، منفصلة عن الصرف الصحي، ومراعاة ميول الطرقات ومجرى المياه، وجودة المواد المستخدمة، وعدم الاعتداء على المساحات الخضراء التي تساهم في امتصاص مياه الأمطار.
وتطرق لنموذج مدخل جنين الجنوبي، الذي صممه ونفذه دنماركيون قبل عشرات السنوات واستطاع حل مشكلة مياه الأمطار "بكفاءة وبنظام تصريف".
وتحدث عن حلول جديدة عالمياً مثل "الإسفلت الإسفنجي" الذي يمتص المياه ويصرفها، وخبرة الدول التي تشهد هطولات مطرية عالية تستجيب لذلك في مشاريع بناها التحتية، لكن دولاً كالإمارات تغرق بمياه الأمطار، رغم بنيتها التحتية الجيدة.
وزاد خضر أن التغير المناخي يلعب دوراً في غرق بعض المدن، جراء عدم توزيع الأمطار بشكل جيد، أو تغير أماكن الهطول وظهور حالات متطرفة، وهو ما يستدعي مراعاة مشاريع البنية التحتية.
وذكر أن "طبيعة جريان مياه الأمطار تنسجم مع الجاذبية"، لذا يجب الإبقاء على مجاري الوديان مفتوحة، وعدم السماح بالبناء فيها.
بلدية نابلس: تكلفة تصريف مياه الأمطار مرتفعة جدًا
قالت رئيسة شعبة دراسات الصرف الصحي في بلدية نابلس، المهندسة سناء الصليبي، إن تكلفة مشاريع تصريف مياه الأمطار مرتفعة جداً، وتعجز البلدية عنها، ففي أحد الشوارع بطول 180 متراً تصل تكلفته إلى 700 ألف شيقل، وفي شارع "الكرتون" الذي كان يغرق وفرت البلدية منحة عام 2015 لمعالجته.
وأضافت أن خطوط الصرف الصحي التي تستطيع تحمل مياه الأمطار نضع عليها مصاف، لكن في الخطوط الضعيفة لا نستطيع ربطها "لأنها تختلط بالمجاري وتصل إلى البيوت".
وأكدت أن مسار مياه الأمطار في وادي التفاح موجود، ومن يطلب البناء فيه تشترط البلدية عليه إنشاء عبارة مغلقة.
وبينت إن وقوع نابلس بين جبلين وطبيعة مناسيبها تساهم بانسياب مياه الأمطار من الجبال إلى المناطق المنخفضة شرقًا (وادي الساجور) وغربًا (وادي الزومر)، ولو كانت المدينة تقع في منطقة منخفضة تتجمع فيها مياه الأمطار لحدثت كارثة.
وأوضحت إن التغير المناخي أثر سلباً على شدة الهطول خلال فترة وجيزة في السنوات القليلة الماضية، ما أدى إلى "عدم قدرة خطوط مياه الأمطار والصرف الصحي التي يتم الربط عليها المصافي على استيعاب التدفق العالي".
وبينت أن جزءًا من شوارع المدينة تتوفر فيها شبكة مياه أمطار بطول حوالي 13كم، وتتابع البلدية الخطة الشاملة لنظام الصرف الصحي، وتصريف مياه الأمطار بتنفيذ عدد من المشاريع؛ لإمكانية الفصل بين مياه الأمطار والصرف الصحي وتحسين التشغيل من حيث الكفاءة والكلفة.