الاقتصادي- آفاق البيئة والتنمية- بثينة سفاريني- في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، وما رافقه من تدمير كلي للبنية التحتية بما يشمل شبكات المياه والكهرباء، يعود الحديث مجدداً عن الطاقة والسيادة على الموارد تحت الاحتلال.
ويزداد هذا الحديث أهمية مع زيادة التوجه عالمياً نحو مصادر الطاقة المتجددة، وما يفرضه الاحتلال من تحديات حول منع استغلال مساحات في هذا المجال، كالمناطق المصنفة "ج"، التي تشكل قرابة 60% من مساحة الضفة الغربية وتقع تحت السيطرة الإسرائيلية أمنياً ومدنياً، أو منع الاستفادة من المصادر المتنوعة للطاقة المتجددة، أو حتى في استقلالية قطاع الطاقة عموماً في الأراضي الفلسطينية.
الطاقة المتجددة.. على ماذا نعتمد؟
فلسطينياً، يوجد أكثر من مصدر للطاقة المتجددة لإنتاج الطاقة، لكن حالياً يتم الاعتماد بصورة شبه كلية على الطاقة الشمسية لأسباب سياسية وفنية، وفق حديث مع المهندس باسل ياسين، المدير العام للمركز الفلسطيني لأبحاث الطاقة والبيئة في سلطة الطاقة والموارد الطبيعية.
وأضاف ياسين أن مشاريع الطاقة الشمسية المنفذة حالياً في الضفة الغربية هي في الأراضي المصنفة "أ" (تابعة أمنياً ومدنياً للسلطة الفلسطينية) ومناطق "ب" (تابعة أمنياً للاحتلال ومدنياً للسلطة الفلسطينية)، وبنسبة ضئيلة في مناطق "ج". هذه التصنيفات للأراضي بموجب اتفاق أوسلو.
وتعد طوباس من أكثر المناطق التي يوجد فيها مشاريع طاقة شمسية سواء على البيوت أو المصانع أو المنشآت، كون شركة كهرباء طوباس هي الأكثر تعاوناً في ملف الطاقة الشمسية، إضافة إلى توفر الإشعاع الشمسي فيها وطبيعة البنيان المساعد، وفق ياسين.
وأشار إلى أن قدرة الطاقة الشمسية العاملة في طوباس بلغت مع نهاية 2023، حوالي 28 ميجا واط، ما نسبته 10% من القدرة الكلية من إجمالي قدرة الطاقة الشمسية في الضفة.
وبالنسبة للأراضي المصنفة "ج"، أوضح ياسين أنها الأفضل من ناحية الإشعاع الشمسي والمساحات المتوفرة لبناء محطات طاقة شمسية بقدرات تجارية. لكن تعقيدات الاحتلال في هذه الأراضي قللت فرص الاستفادة منها في إنتاج الطاقة.
وحول هذه النقطة تحديداً، قال باسل ياسين إن كل كيلو واط ساعة يتم توفيرها أو إنتاجها محليًا من مصادر الطاقة المتجددة هي عبارة عن كيلو واط ساعة يتم الاستغناء عن استيرادها من إسرائيل.
وبلغت كمية الطاقة الكهربائية المستوردة في نهاية 2022 حوالي 8160 جيجا واط، منها نحو 7026 من إسرائيل، بحسب سلطة الطاقة.
وحول إنتاج الطاقة الشمسية في الضفة والقطاع، أشار ياسين إلى أنه وبحسب الإحصائيات، فقد بلغت القدرة من ألواح الطاقة الشمسية في نهاية 2022 ما يقارب 210 ميغا واط في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما نسبته 4% من استهلاك الطاقة الكهربائية في فلسطين.
فيما في 2023، وصلت القدرة إلى 240 ميغا واط في الضفة الغربية وحدها دون القطاع بسبب اندلاع الحرب بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ما نسبته 5% من الاستهلاك في الضفة والقطاع.
مشاريع أخرى للطاقة المتجددة
ما زال الاحتلال يعوق مشاريع طاقة الرياح تحت مبررات أمنية تزعم تأثيرها على الملاحة الإسرائيلية، خصوصاً أن طاقة الرياح تعتمد على توربينات هوائية لتوليد الكهرباء ضمن ارتفاعات عالية تفوق 80 متراً حتى تكون مناسبة للإنتاج، وفق ياسين.
وهناك مشروعان لأنواع أخرى من الطاقة المتجددة، الأول خاص بالكتلة الحيوية، إذ تم تنفيذ مشروع يعمل بغاز الميثان الناتج عن تخمير مخلفات الحيوانات في إحدى المزارع بالضفة.
والمشروع الثاني، خاص بالنفايات الصلبة في مكب زهرة الفنجان في جنين، لتوليد الكهرباء عن طريق الاحتراق.
وحول المشروع الأول، أوضح ياسين أن من معوقات تنفيذ هذه المشاريع تتمثل بحاجتها لرأس مال كبير للاستثمار فيها، كما أن التكنولوجيا المستخدمة معقدة وبحاجة إلى خبرات، لذلك لم يكن الاستثمار فيها كبيراً كما حدث مع مشاريع الطاقة الشمسية.
أما مشروع مكب زهرة الفنجان، فقد رسا العطاء على إحدى الشركات، التي تعمل حالياً على أبحاث من أجل إتمام دراسات بيئية وأمور لوجستية متعلقة بها. ومن المتوقع البدء بالتنفيذ خلال السنتين أو الثلاث القادمة، وفق ياسين.
لماذا يعوق الاحتلال تطوير مشاريع الطاقة المتجددة؟
بهذا الخصوص قال د. تامر الخطيب، المحاضر في جامعة النجاح الوطنية في قسم هندسة الطاقة والبيئة، إن الاحتلال عقبة كبيرة في مجال تطور الطاقة المتجددة وبخاصة الطاقة الشمسية.
وأرجع ذلك في حديثه لـ "آفاق"، إلى هدف الاحتلال في تكريس سيطرته على الكهرباء لتحقيق عوائد اقتصادية عبر تصديرها للسلطة الفلسطينية.
وسعت إسرائيل إلى مد الضفة الغربية بالكهرباء بعد فك ارتباطها إدارياً بالأردن في نهاية الثمانينيات. ولاحقاً نفذ الاحتلال خطة الربط الكهربائي عبر مد ناقل كهرباء ضخم ليغذي الضفة الغربية.
وهدفت الخطة، وفق الخطيب، إلى تكريس الاحتلال من خلال تبعية جميع مدن الضفة للكهرباء الإسرائيلية لتحقيق عوائد اقتصادية، إلى جانب السيطرة على الخدمات كنقطة مساومة في قضايا أخرى.
وبخصوص مشاريع الطاقة الشمسية، قال الخطيب إن من أبرز المغالطات حولها هو دورها في الانفكاك اقتصادياً عن الاحتلال، في ظل منعه إنشاء محطات توليد خاصة بالفلسطينيين.
وبين أن هذه الفرضية غير دقيقة، باعتبار أن أنظمة الطاقة الشمسية مصدر للتيار فقط، فيما تزود الشبكة الكهربائية الإسرائيلية بالجهد الكهربائي والتردد الكهربائي. إضافة إلى ذلك، فإن تيار هذه الأنظمة يسري في الشبكات الإسرائيلية، ما يعني الارتباط بالشبكة الإسرائيلية دون القدرة على الانفصال عنها بشكل كامل.
والانفكاك ممكن تقنياً، وفق الخطيب، بالاعتماد على أنظمة خلايا شمسية غير متصلة بالشبكة والمعتمدة على البطاريات.
وتصعب السيطرة الإسرائيلية على مصادر إنتاج الطاقة، في ظل تطور أنظمة الخلايا الشمسية سواء في أراضي "أ" أو "ب" أو "ج".
ويزداد هذا الوضع تعقيداً في الأراضي المصنفة "ج"، بسبب سيطرة الاحتلال عليها أمنياً ومدنياً ومنع الفلسطينيين -لا سيما في المناطق المهمشة أو المهددة بالمصادرة- من الاستفادة من أنظمة الخلايا الشمسية.
وتمنع السيطرة الإسرائيلية على الكهرباء، والحد من تطوير مشاريع الطاقة الشمسية، من تقليل استيراد الكهرباء القادمة من إسرائيل، وتخفيف الأعباء المالية على السلطة الفلسطينية، بنظر الخطيب.
وقد بلغت الأموال التي خصمتها إسرائيل من المقاصة (عائدات الضرائب الفلسطينية) في الأشهر التسعة الأولى من 2023 بدل أثمان الكهرباء، 716.6 مليون شيكل، وذلك وفق بيانات صادرة عن وزارة المالية الفلسطينية.
واقع من شأنه زيادة التبعية للاحتلال الإسرائيلي الذي لا يتوانى عن استخدام معيشة الفلسطينيين -خصوصاً في ملف الطاقة- ورقة ابتزاز ومساومة يصعب معها الانفكاك عن المحتل وتحقيق السيادة على الموارد.