الاقتصادي - الأناضول - تلقى أكثر من 140 ألف موظف عمومي في الأراضي الفلسطينية، الأربعاء، نحو 60 بالمئة من قيمة رواتبهم عن ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وسط عجز الحكومة عن صرف أجور كاملة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.
ومع صرف نسبة من أجور الموظفين العموميين، تبقى لهم بذمة الحكومة رواتب قرابة 4 أشهر ونصف تراكمت بسبب الرواتب المنقوصة التي كانت تصرفها لهم.
ومنذ نوفمبر 2023، لم تتسلم الحكومة الفلسطينية أموال الضرائب "المقاصة" من إسرائيل، والتي تعد المصدر الأكبر للإيرادات المالية، بمتوسط شهري يتجاوز 200 مليون دولار.
يعود سبب الخلاف إلى قيام تل أبيب باقتطاع قرابة 270 مليون شيكل (73 مليون دولار)، تمثل مخصصات كانت تحول شهريا من الجانب الفلسطيني إلى قطاع غزة.
واليوم يبدو أن أزمة الحكومة المالية ستصل قاعا جديدا في حال إصرار إسرائيل على إنهاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، ما يعني أن الحكومة الفلسطينية ستكون مطالبة بتولي المسؤولية نيابة عنها، على الأقل في الأراضي الفلسطينية.
أزمة قديمة
تعود الأزمة المالية الفلسطينية إلى أكثر من 5 سنوات، وفي كل عام تأتي أشد من سابقتها بسبب تراجع المنح الخارجية من جهة، وارتفاع النفقات بقيادة فاتورة الرواتب والأجور، من جهة أخرى.
تقول وزارة المالية الفلسطينية، إن فاتورة أجور الموظفين والمتقاعدين والمستفيدين الآخرين (مخصصات الأسرى وذوي الشهداء والمخصصات الاجتماعية)، تتجاوز شهريا 90 بالمئة من مجمل الإيرادات المالية للحكومة.
وتبلغ فاتورة أجور الفئات السابقة مجتمعة قرابة مليار شيكل (270 مليون دولار) شهريا، إلا أن الحكومة عجزت منذ نوفمبر 2021 عن صرف أجور كاملة لعدة أسباب.
ثلاثة أسباب
السبب الأول، بحسب تصريحات سابقة لوزارة المالية الفلسطينية، يتمثل في ارتفاع الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة.
وأموال المقاصة، هي مجموعة الضرائب والجمارك والمكوس المفروضة على السلع المستوردة إلى الجانب الفلسطيني، سواء من تل أبيب أو من خلال المعابر الحدودية الإسرائيلية (البرية والبحرية والجوية).
ولا تسيطر السلطة الفلسطينية على أي معبر من الخارج، فجميعها خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، باستثناء معبر رفح والذي كانت تسيطر عليه حركة حماس من الجانب الفلسطيني.
يبلغ متوسط أموال المقاصة شهريا، قرابة 950 مليون شيكل (256.7 مليون دولار)، لكن ما كان يصل الجانب الفلسطيني قبل الحرب على غزة، يبلغ متوسط 750 مليون شيكل (203 ملايين دولار).
بينما المبلغ المتبقي البالغ 200 مليون شيكل (54 مليون دولار)، تقتطعه إسرائيل مقابل ديون على الفلسطينيين لشركات الكهرباء والمياه، وبعض الغرامات، وأقساط ديون إسرائيلية على السلطة الفلسطينية.
كما يتألف المقدار المقتطع من مبلغ مساو لمخصصات الأسرى في السجون الإسرائيلية، التي تقدمها الحكومة الفلسطينية لهم شهريا، إذ تقتطع إسرائيل 60 مليون شيكل شهريا (16.2 مليون دولار) يعادل ما تقدمه السلطة الفلسطينية للأسرى.
وتمثل أموال المقاصة ما نسبته 65 بالمئة من مجمل دخل الحكومة الفلسطينية، ومن دونها لن تكون قادرة على توفير أجور الموظفين، ولا الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه مؤسساتها الحكومية.
بينما النسبة المتبقية البالغة 35 بالمئة من مجمل دخل الحكومة، فيأتي من قناتين؛ الأولى جبايات ضريبية محلية في الضفة الغربية، والثانية منح خارجية بمتوسط سنوي لا يتجاوز 300 مليون دولار.
أما السبب الثاني للأزمة المالية الفلسطينية فيتمثل في تراجع المنح الخارجية، إذ تظهر بيانات الميزانية للسنوات السابقة أن متوسط المنح الخارجية بلغ 1.1 مليار دولار عام 2013.
ومنذ 2014 بدأت المنح الخارجية تتراجع بشكل متسارع بسبب خفض الدعم الأمريكي ثم وقفه نهائيا في 2017، وتراجع المنح العربية، لتستقر عند أقل من 500 مليون دولار في 2023.
في حين يتمثل السبب الثالث في ارتفاع النفقات المالية للحكومة، وبالتحديد فاتورة الرواتب والأجور والتي نمت 80 بالمئة في آخر 10 سنوات، وفق بيانات الميزانية الفلسطينية.
أزمة أخرى على الأبواب
واليوم، تقف الحكومة الفلسطينية على مفترق طرق مرتبط بأزمة وكالة "أونروا"، وسط خطوات إسرائيلية بدعم غربي لإنهاء الوكالة.
وحتى 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، قررت 18 دولة والاتحاد الأوروبي تعليق تمويلها لـ"أونروا"، بناء على مزاعم إسرائيل بمشاركة 12 من موظفي الوكالة في هجوم "حماس" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على مستوطنات في محيط قطاع غزة.
وتبلغ نفقات أونروا في فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة)، قرابة 600 مليون دولار سنويا، تمثل قرابة 45 بالمئة من مجمل ميزانية الوكالة في مختلف مناطق عملياتها (الأردن، لبنان، سوريا، فلسطين).
وستكون الحكومة الفلسطينية أمام مرحلة تتحمل فيها مسؤولية أكثر من 1.37 مليون لاجئ في سجلات أونروا، بما فيها نفقات 280 مدرسة، و65 مركزا صحيا، فضلا عن خدمات البنية التحتية والمساعدات الغذائية والصحية. -