الاقتصادي- رئيس جمعية حماية المستهلك صلاح هنية- انطلق نقاش مجتمعي حول نظام تعرفة المياه للمواطنين الذي أصدره مجلس الوزراء ووجه عناية مزودي المياه الى تنفيذه فوراً، وجاء الحظ العاثر أن تصدر الفاتورة الأولى للمستهلك مطلع هذا الشهر تزامناً مع العدوان المتصاعد وتراجع الوضع الاقتصادي، وانتشار ظاهرة الفقر والبطالة، وعدم صرف رواتب موظفي الحكومة، وتوجه هذا النقاش إلى مكان فيه من الملاحظات الجوهرية، وفي ذات الوقت ذهب باتجاه مزودي المياه وليس باتجاه صانع القرار الذي اتخذ القرار وكان المفروض أن يكون محكماً.
ولأن البلديات هي العمود الفقري في إدارة قطاع المياه وكونها جسماً منتخباً من جمهورها شعر المواطن أنَّ توجهه لها بهذه القضية هو الأسهل والأقرب، حيث يجدون آذاناً صاغية في تلك البلديات التي تعكس إرادتهم، فكان طبيعياً أن يتوجه الناس الى مصلحة مياه محافظة القدس والى بقية البلديات لإسماع صوتهم، فيجدوا أعضاء مجلس بلدي يستمعون لهم ويقلبون الأمور على أوجهها كافة.
ولأن صانع القرار وجهته (استرداد التكلفة) وكأنه فقط وسيط بين مصدر المياه والمواطن يريد ان يسترد التكلفة ليدفع الفاتورة بالجملة الى مصدر المياه، ولم تعد القضية أن مياهنا منهوبة من الاحتلال ويعيد بيعها لنا وهي حقنا، وفي ذات الوقت فإن المياه حق إنساني وليست سلعة يتم تسعيرها، ومن يستطيع يشرب ومن لا يستطيع لا يشرب، واسترداد التكلفة يجب أن يترافق مع مسائل جوهرية أهمها زيادة كمية المياه، والتي باتت ثابتة رغم ازدياد عدد السكان والاحتياجات الحيوية، ويترافق مع معالجة نسبة الفاقد وهذا مقتل قطاع المياه، وضرورة تطوير الشبكات لتطوير الخدمة، أما رفع شعار استرداد التكلفة دون إجراءات مرافقة يصبح هدفاً غير عادل بل يتحول الى جباية فقط.
وحتى أكون أكثر وضوحاً فإن مزودي المياه ناقشوا وقدموا حججهم الناتجة من واقع عملهم ومعرفتهم بطبيعة مستخدمي قطاع المياه بفئاتهم: التجاري، السياحي، الصناعي، المنزلي، وآثار الرفعات على الناس وعلى استمرار العلاقة الطبيعية مع المستهلكين للمياه، وهم عماد عمل مزودي المياه وهدف إرضائهم.
معروف أن مكونات الفاتورة تاريخياً مركز اهتمام المواطن بكل تفاصيلها، وها هي تعود للصدارة اليوم، وبات البحث بعناصر مثل الحد الأدنى للاستهلاك، وصيانة العداد، وتكاليف الشبك للخدمة، وهذه جميعها تلامس احتياجات كل مواطن. وبالمقابل فإن الحديث عن رسوم المساحة يخص فئة محددة ومحصورة من المتلقين للخدمة في قطاع المياه.
سيتواصل النقاش المجتمعي وسيأخذ منحى حقوقياً، وسنجد جمعية حماية المستهلك الفلسطيني ومؤسسات حقوق الإنسان في هذا المجال، وسنجد أن الجمهور سيقرأ فاتورته جيداً ويمحصها، وسنجد مزود المياه وخصوصاً مصلحة مياه محافظة القدس خط الدفاع الأول مع المواطن لحوكمة القرار القاضي بتعديل التعرفة في وقت غير ملائم سياسياً واقتصادياً، وسيقال: متى كان الوضع ملائماً مرة في البلد؟ ونقول هنا تبرز البراعة في صناعة القرار بحيث يكون اقل عرضةً للاعتراض ومن الصعب تغييره أو تعديله لأنه غير محَوكَم.
ولنذهب بقطاع المياه صوب إصلاحه من خلال مكونات عملية الإصلاح التي وُضع لها مشاريع ومستشارون وخبراء منذ سنوات مضت، وبات ملحاً ان تنعكس الى برامج وخطط تحقق نتائج على الأرض، أهمها أن لا نتضارب مع البلديات ومصالح المياه بل نكمل يعضنا بعضاً، والخطوة الأهم وقف العمل بنظام التعرفة لحين إجراء تعديلات جذرية عليه.