الاقتصادي- المحامية حمدية كحلة- يعد مجلس الإدارة رأس التنظيم في الشركة باعتباره المسؤول الأول عن تحديد الخطوط العامة وبناء استراتيجية الشركة، وقد نص قانون الشركات الفلسطيني النافذ على " أن يتمتع المدير أو مجلس إدارة الشركة والمفوض بالتوقيع حسب مقتضى الحال بكامل الصلاحية في إدارة الشركة".
وقد أحاط المشرع هذه الصلاحيات لأهميتها بجملة من المسؤولياتالتي تقع على أعضاء مجلس الإدارة في حال الإهمال أو التقصير أو الغش.إذ نصت المادة (23) من القانون على"يعتبر المديرون المقصرون مسؤولين اتجاه الشركة، والشركاء أو الأعضاء أو المساهمين وفقًا لنوع الشركة، عن تقصيرهم أو إهمالهم الشديد، وعليهم تعويضهم عن الأضرار الناشئة عن تقصيرهم، أو إهمالهم الشديد أو عن مخالفتهم للقوانين أو المستندات التأسيسية للشركة".ويشمل مصطلح المديرون في هذه المادة أعضاء مجلس الإدارة.
وتبعاً لما يقع على عاتق مجلس الإدارة وأعضائهمن مسؤولية تجاه الشركة؛ يسعى مجلس الإدارة لإبراء ذمته من خلال الهيئة العامة بعد تقديم التقارير اللازمة، ويصدر قرار إبراء ذمة مجلس الإدارة كغيره من القرارات التي تُتخذ في اجتماع الهيئة العامة بالنصاب القانوني وبطريقة التصويت المعتمدة، وذلك بعد أن يتم مناقشة أمور عديدة بما فيها الأداء العام لمجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، إذ يقوم رئيس مجلس الإدارة بتقديم التقرير السنوي الذي يشمل بيان بكل مهام ونشاطات الشركة المنجزة خلال العام المعني، ومن خلال تلك المعلومات وبموجب ضوابط حوكمة الشركات وأسس الشفافية والإفصاح وما يتحمله أعضاء مجلس الإدارة من مسؤولية بموجب القانون؛ تتخذ الهيئة العامة قرارها حول إبراء ذمة مجلس الإدارة، وذلك بإبرائه أو عدم إبرائه، مستندةً في قرارها على أسباب واضحة.
وفق قانون الشركات، اعتبرت المادة (182) قرار الهيئة العامة بإبراء ذمة مجلس الإدارة من المسؤولية نافذاً فقط في حال عدم وجود أخطاء جوهرية أو بيانات كاذبة في التقرير السنوي والحسابات والوثائق المقدمة للمساهمين، أي أن قرار الإبراء يكون نافذاً في حال كانت البيانات المقدمة صحيحة، وحرصالمشرع على اعتبار قرار الإبراء نافذاً فقط في هذه الحالة؛تحسّباً وتحوطاً لما قد يصدر من الهيئة العامة من إبراء ذمة مجلس الإدارة دون علم منها بحقيقة ما اقترفه المجلس أو أحد أعضائه من خطأ موجب للمسؤولية.
ما هي الآثار المرتبة على الإبراء؟
يترتب على الإبراء منع المساهمين من ملاحقة أعضاء مجلس الإدارة قانونياً من خلال تسجيل دعاوى التعويض، إلا أن بعض التشريعات لم تأخذ بهذا الاتجاه، واعتبرت الموافقة على قرار إبراء الذمة غير ملزمة ولا يمكن أن تحمي أعضاء مجلس الإدارة من مطالبات التعويض، على خلاف من أخذ بإلزامية قرار الإبراءوالتي يكون فيها الإعفاء من الالتزامات ملزماًويحول دون تسجيل الدعاوى القانونية ضد أعضاء مجلس الإدارة.
يُفهم من قانون الشركات الفلسطيني، أن قرار إبراء ذمة مجلس الإدارة لا يحول دون إقامة أحد المساهمين دعوى فرعية نيابة عن الشركةفي مواجهة رئيس وأعضاء مجلس الإدارة عن التصرفات والقرارات التي باشرها أو اتخذها أي منهم، ورتبت أضراراًعلى الشركة، سواء كانت ناتجة عن أعمال الغش أو إساءة استعمال السلطة أو مخالفة القانون أو نظام الشركة أو نتيجة الخطأ في الإدارة. ويأتي ذلك متماهياً مع مبادئ وأسس الحوكمة،إذ ورد في "مدونة حوكمة الشركات الفلسطيني"أن قرار إبراء ذمة مجلس الإدارة لا يحول دون إقامة دعوى المسؤولية على أعضاء مجلس الإدارة، وعليه لا يمكن لأعضاء مجلس الإدارة أن يتنصلوا من مسؤوليتهم ويتمسكو بحصانتهمفي حال حصولهم على إبراء الذمة من الهيئة العامة، لأن القرار لا يعتبر نافذاً إلا بثبات صحة البيانات والوثائق المقدمة، وبالتالي يشكّل قرار الإبراء تعبيراً عن الثقة ولا يبدو له آثاراً قانونية.
ما هي أهمية الإبراء؟
يعتبر الإبراء بمثابة اعتراف مجلس الإدارة بعمله السابق وفي ذات الوقت يشكل الأساس لمزيد من الثقة في التعاون في العام المقبل، ومن هنا تتبلور أهمية الإبراء؛
1. بداية في كونها أداة مراقبة على أعمال مجلس الإدارة، ذلك أن قرار الإبراء يشمله الكشف عن كافة التقارير والبيانات المالية المقدمة والذي يتبعه سؤالالأعضاء عن كل مخالفة أو خطأألحق ضرر بالشركة أو بالمساهمين أو بالغير، ونتيجة لما سبق، يشكّل قرار الإبراء وسيلة للحد من استخدام العضو لمنصبهفي تحقيق مكاسب خاصة، سواء كانت مكاسب مالية أو منافع أخرى.
2. تعزيز الثقة بين المساهمين وأعضاء مجلس الإدارة، وذلك أن قرار الإبراء يشكّل إفادة صادرة عن أعضاء مجلس الإدارة، والذي يعبّر به المساهمين عن موافقتهم على القرارات والإجراءات التي اتخذتها الشركة خلال فترة محددة، وإثباتاً أنهم لم يتورطوا في أي أفعال غير قانونية أو غير أخلاقية في إدارة الشركة.
3. تعزيز مصداقية الشركة والحفاظ على سمعتها في الأسواق المالية، وبخاصة أمام المستثمرين، ذلك أن مجلس الإدارة المبرئ يقدم دليلاً على صحة البيانات والتقارير المقدمة عن أعمال الشركة من جهة، ومن جهة ثانيةيزيل الشبهات المتعلقة بسلوكها بعيداً عن الفساد المالي والإداري.
4. نوع من التقييم لأداء الإدارة، إذ يتضمن إبراء ذمة مجلس الإدارة في العادة تقرير يصدره مجلس الإدارة يشرح فيه النتائج المالية للشركة، ويقدم تقييماً لأداء الإدارة، والذي بدوره يساعدفي تحديد مدى نجاعةالإدارة نحو تحقيق أهدافها الاستراتيجية، كما أن نتائج التقييم قد تفيدبتحديد الخطط المستقبلية لتحسين توجهات المجلس.
ما هي شروط الإبراء؟
يؤدي قرار الإبراء إلى إبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة من المسؤولية كأفراد وليس مجلس الإدارة كجسم/جهاز، على الرغم من أن القرار يصدر بإبراء ذمة المجلس، إلا أنه يعني في الواقع الإعفاء من المسؤولية لكل عضو من أعضاء مجلس الإدارة على حدة، وفي سياق ذلك، قد تقوم الهيئة العامة بإبراء بعض مسؤولية أعضاء مجلس الإدارة مع استبعاد أعضاء آخرين،أو قد يتم إبراء ذمة عضو مجلس الإدارة من المسؤولية عن بعض الأمور مع اعتباره مسؤولاً عن أمور أخرى.
إن قرار الإبراء يتم اتخاذه بناءً على عدة أمور، بما فيها توفّر الشروط اللازمة لذلك، ومن أهم ما نص عليه قانون الشركات الفلسطيني كشرط للإبراء هو عدم وجود أخطاء جوهرية أو بيانات كاذبة في التقرير السنوي والحسابات والوثائق المقدمة للمساهمين، واعتبر القانون أن القرار- ولو تم اتخاذه لا يكون نافذاً إلا بتوفر هذا الشرط، أي أن قرار الإبراء لا يأخذ القوة القانونية إلا بوجود شرط صحة البيانات والتقارير والحسابات المقدمة من الشركة.
أما عن النصاب القانوني لاتخاذ قرار الإبراء، فإن المشرع لم ينص على نصاب خاص، فيكون النصاب القانوني لاتخاذ قرار بالإبراء كغيره من القرارات المتخذة في اجتماع الهيئة العامة.
ومن الشروط التي يجب اتباعها في حالة اتخاذ قرار بالإبراء هو عدمجوازاستخدام أعضاء مجلس الإدارة لحقوق التصويت الناشئة عن حصصهم في قرارات الهيئة العامة عند اتخاذ قرار الإبراء لأنها تعتبر تضارباً في المصالح، وذلك فيما أشار القانون إليه "بأنه لا يجوز للمساهم المشاركة في التصويت على أي مسألة ذات علاقة بمسؤوليته تجاه الشركة أو إعفائه أو إبرائه من واجباته،وأن الشخص الاعتباري في هذه الحالة عليه تسمية ممثل آخر له في اجتماع الهيئة العامة عند التصويت على إبراء ذمة أعضاء مجلس الإدارة".
ماذا ينتظر مجلس الإدارة الذي لم تبرأ ذمته؟
إن قرار إبراء ذمة مجلس الإدارة وُضع في إطار التعامل مع أي توجهات/أفعال سلبية تمت من مجلس الإدارة، ويثار التساؤل هنا حول النتيجة عندما لا تتخذ الهيئة العامة قرار بالإبراء، وما هو التوجه لو تم رفض إبراء الذمة لرئيس وأعضاء مجلس الإدارة.
يرى المحامي صهيب الشريف أن رفض إبراء الذمة يعني سحب الثقة من مجلس الإدارة حكماً، وقد تكون النتيجة هي وقف عمل المجلس وإقالته وتعيين مجلس إدارة جديد.فالإبراءيفترض عدم مسؤولية الأعضاء عما قاموا به من أعمال، ومجلس الإدارة غير المبرأ يعني أنه لا زال مسؤولاً عن أفعاله.
وفي الإطار المعاكس، فإن الرفض - غير المبرر - للإبراءيخوّل مجلس الإدارة بإقامة دعوى "إساءة سمعة"، ذلك أن هذا القرار يشكّل اتهاماً(ليس بالضرورة صريحاً)لمجلس الإدارة بوجود مخالفات وتجاوزات شكلت ممارسات وتصرفات غير قانونية قد تحتمل وجود تضارب مصالح واحتيال.
وبمجمل القول، إن أعضاء مجلس الإدارة يتمتعون بسلطة اتخاذ القرارات المناسبة للشركة؛ مما يتبعه مسؤوليةعن هذه القرارات والإجراءات المتبعة نفاذاً لها، لذا؛ عند تجاوز أعضاء مجلس الإدارة نطاق واجباتهم أو إهمالهم أو تقصيرهمبشكل متعمد؛ يصبح أعضاء مجلس الإدارة مسؤولين تجاه المساهمين والشركة عن ذلك، ولا يجوز تقييد هذه المسؤولية أو الإعفاء منها إلا بالقدر الذي تقرره الهيئة العامة، وبشرط عدم تحقق أي مسؤولية جنائية.