الاقتصادي: أيهم أبو غوش- سؤال يطرح على الطاولة مع إصدار بيانات سنوية أو دورية تظهر ارتفاعا في أرباح البنوك، فماذا تؤشر البيانات الصادرة حتى اللحظة عن أرباح البنوك العاملة في فلسطين؟
يجب الإشارة بداية إلى أنه يعمل في فلسطين (13) بنكا منها (7) بنوك محلية و(6) بنوك وافدة، وتصل قاعدة رأس المال لهذه البنوك مجتمعة إلى قرابة 2.2 مليار دولار.
بات من المعروف للجميع أن رفع أسعار الفائدة عالميا يعني تلقائيا زيادة في أرباح البنوك، وقد قام البنك الفدرالي الامريكي برفع أسعار الفائدة 10 مرات منذ آذار عام 2022 أي حوالي 525 نقطة أساس.
وعلى غرار الفدرالي الامريكي سارت البنوك المركزية في العالم بسلسلة خطوات لرفع الفائدة بهدف كبح جماح التضخم من خلال تخفيض السيولة النقدية في الأسواق وتشجيع المستثمرين لايداع أموالهم في البنوك.
إن هذه الخطوات تعني تلقائياً من الناحية الاقتصادية أن البنوك ستستفيد منها لزيادة أرباحها، فالتسهيلات الائتمانية ستمنح بأسعار فائدة أعلى لكنها ستقلل من حجم التسهيلات الائتمانية لأن المقترضين لن يضطروا إلى الاقتراض غالباً إلا لأسباب قاهرة، إذ أن خطوات رفع الفائدة تعني دفع الناس إلى تأجيل خطوات الحصول على قروض في ظل ارتفاع الفائدة.
لكن ماذا عن فلسطين؟
انعكست أسعار الفائدة عالميا بشكل تلقائي على فلسطين، كونه أصلا لا يوجد بنك مركزي يحدد أسعار الفائدة لعملة محلية، وجل التسهيلات الممنوحة(البالغة نحو 11مليار دولار) منحت بعملات ثلاث الدولار والدينار والشيقل، وهذه كلها تعود لبلدان وكيانات قامت برفع أسعار الفائدة بشكل متواز.
تشير الأرقام الصادرة عن بورصة فلسطين إلى أن البنوك المدرجة في فلسطين (وهي البنوك المحلية فقط) حققت أرباحا خلال النصف الأول من العام الحالي وصلت إلى نحو84 مليون دولار بزيادة نسبتها أقل من 22% مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، مع وجود توقعات أن يصل حجم الأرباح لمجمل البنوك العاملة في فلسطين إلى 150 مليون دولار مع نهاية النصف الأول، مع العلم أن أرباح البنوك بلغت مع نهاية العام الماضي نحو 220 مليون دولار أي نحو 10% من رأس المال، وهي نسبة قريبة جدا من الأردن الشقيق إذ وصل العائد على حقوق المالكين قرابة 9%، مع وجود بيئة استثمارية أقل مخاطرة وسوق أكثر استقرارا وتنوعا، إذ أنه من المعروف أنه في البيئات الاستثمارية الخطرة ترتفع نسبة الفائدة مقارنة مع البيئات المستقرة لكن الأرقام لا تشير إلى أرباح استثنائية في هذا الصدد بل بالعكس، إذ تبين البيانات الصادرة عن بورصة عمان أن أرباح البنوك المدرجة، بلغت قبل الضريبة في النصف الأول من العام الحالي، 815.8 مليون دينار مقارنة 595.1 مليون دينار في الفترة ذاتها من العام الماضي، لتنمو أرباحها قبل ضريبة الدخل بنسبة 37.1% وبعد الضريبة تصل نسبة الأرباح الصافية إلى 29% أي أعلى من نسبة الأرباح التي حققتها البنوك المدرجة في بورصة فلسطين.
كما أن مجموعة البنك العربي التي تقدم خدماتها المصرفية في عدة بلدان بالعالم ذات اقتصاديات مختلفة ومتنوعة حققت نتائج قوية خلال النصف الاول من العام 2023 ، حيث بلغت الأرباح الصافية بعد الضريبة 401 مليون دولار أمريكي مقارنة بـ 252 مليون دولار أمريكي كما في 30 حزيران 2022 محققة نموا بنسبة 59%، وهي أعلى بكثير من نسبة الأرباح التي حققتها البنوك المدرجة في بورصة فلسطين.
أمر آخر، عند مقارنة البيانات المالية للبنوك العاملة في فلسطين مع البنوك في اسرائيل ستكون المقارنة لصالح البنوك الاسرائيلية بتحقيقها نسب أرباح أعلى بكثير مما حققته البنوك العاملة في فلسطين.
فقد سجلت البنوك الإسرائيلية الخمسة الكبرى أرباحا غير مسبوقة خلال الربع الأول من العام الحالي، بلغت 6.252 مليار شيقل، وذلك قياسا بأرباح هذه البنوك في الفترة نفسها من العام الماضي. وحسب المعطيات، فإنه في الربع الأول من العام الحالي حقق بنك هبوعليم ربحا بلغ ملياري شيقل، بنك ديسكونت 1.27 مليار شيقل، بنك مزراحي طفاحوت 1.27 مليار شيقل، بنك هبينليئومي 631. ورغم خسارة بنك ليئومي قرابة مليار شيقل بسبب الهزة في أسهم "فالي بنك" الأميركي، إلا أنه سجل ربحا صافيا بمبلغ 981 مليون شيقل في نهاية الربع الأول من العام الحالي.
ومقارنة مع الربع الأول من العام الماضي، ارتفعت مدخولات بنك ليئومي في الربع الأول من العام الحالي بنسبة 30%، بنك هبوعليم بحوالي 39%، بنك هبينليئومي بحوالي 45%، بنك مزراحي طفاحوت 19%، وبنك ديسكونت 64%، ما يعني أن البنوك الاسرائيلية حققت أرباحاً أعلى بكثير مما حققته البنوك المدرجة في بورصة فلسطين، مع العلم أن هذه الأرقام المسجلة في اسرائيل هي بعد نهاية الربع الأول فقط، ما يعني أن قيمة الأرباح المتوقعة بعد نهاية النصف الأول من المرجح أن تكون أعلى من ذلك بكثير في ظل رفع أسعار الفائدة أكثر من مرة بعد هذه الفترة، مع عدم رفعها فلسطينياً، بسبب وجود مبادرة جمعية البنوك في فلسطين وسلطة النقد تم الاتفاق بموجبها على : إعادة تقييم الارتفاعات في نسب الفوائد للمقترضين الأفراد الحاليين والحاصلين على قروض شخصية و/ أو سكنية ذات الفائدة المتغيرة ولكل عملة وتخفيضها لتصبح كما يلي:
- القرض السكني بحد أقصى 150 نقطة أساس عن سعر الفائدة للعميل كما هو في 30 حزيران 2022 ، وما هو فوق هذا السقف سيخفض للمرحلة القادمة وحتى نهاية العام 2023، أما القروض الشخصية لغايات السكن بحد أقصى 200 نقطة أساس عن سعر الفائدة للعميل كما هو في 30 حزيران 2022. إذ تم التعهد بموجب المبادرة بعدم رفع الفوائد حتى نهاية العام بغض النظر عن الارتفاعات العالمية.
ما تقدم يعني أن كل الارتفاعات في أسعار الفائدة عالمياً التي أقرت بعد حزيران 2022 لم يتم عكسها كلياً على المقترضين في فلسطين سواء كانت قروض سكن أو قروضا شخصية لغايات السكن وذلك حتى نهاية العام الجاري، أي أنه رغم رفع سعر الفائدة عالميا 10 مرات لم يتم اسقاط ذلك على الحالة الفلسطينية بموجب مبادرة جمعية البنوك وسلطة النقد، ولم ترفع أسعار الفائدة إلا ثلاث مرات (الزيادة المقرة حتى حزيران 2022)، الأمر الذي يشير بشكل واضح إلى أنه صحيح أن أرباح البنوك المتحققة في فلسطين بعد نهاية النصف الأول من العام الجاري، والمتوقع تحقيقها مع نهاية العام لافتة رقمياً، وتظهر أداء مالياً قوياً بسبب رفع أسعار الفائدة عالمياً والايرادات من الخدمات المصرفية الأخرى كالرسوم والعمولات واستثمارات في مختلف المجالات وفروقات من إعادة تقييم العملات، لكن الأرقام المسجلة كذلك تظل طبيعية وطبيعية جداً في ظل المعطيات الرقمية التي تحققت في قطاعات البنوك العاملة في مختلف البلدان ومنها دول المحيط، في ظل سياسات نقدية عالمية مالت إلى رفع الفائدة لكبح جماح التضخم، ولو طبق الرفع الذي جرى عالمياً على الحالة الفلسطينية لكانت كارثة كبرى على المقترضين ولتضاعفت أرباح البنوك أكثر من الأرقام المسجلة بكثير.
البنوك تربح، أمر عادي ومطلوب فهي شركات مساهمة عامة تشغل قرابة 8 آلاف عامل وعاملة، وليست جمعيات خيرية، لكن المهم هو مراقبة انعكاس هذه الأرقام المسجلة على الدورة الاقتصادية وإحداث تنمية اقتصادية في بلد يعاني الأمرين، كما تكمن العبرة في مدى توظيف جزء من هذه الأرباح لصالح قيام البنوك بمسؤوليتها المجتمعية، وهنا بيت القصيد.
*منسق شبكة الصحفيين الاقتصاديين