الاقتصادي - الأناضول: مع انطلاق العدوان الإسرائيلي في جنين فجر الإثنين، حرصت إسرائيل على توجيه رسالة بأنها لا تستهدف السلطة الفلسطينية ولا تريد إعادة احتلال جنين.
الاعتقاد السائد هو أن الحكومة الإسرائيلية تريد بذلك أن تمتص ردودا دولية محتملة لوقف العملية من خلال تبريرها "باستهداف المسلحين".
وبمرور يوم كامل على العملية، اقتصرت ردود الفعل المنددة على بعض الدول العربية، فيما ساد صمت المجتمع الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية الإثنين، إن إسرائيل "أبلغت الولايات المتحدة الأمريكية بقرارها تنفيذ العملية ولكن دون الإبلاغ عن موعدها".
ويعتقد أنه سيكون لهذه العملية تأثير على السلطة الفلسطينية، وإن كانت إسرائيل تنفي أن تكون السلطة نفسها مستهدفة بهذه العملية.
لا نريد إضعاف السلطة الفلسطينية
وقال مصدر إسرائيلي رفيع للأناضول: "لا جدال بأن العملية تتم في منطقة مصنفة "أ" (المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية الكاملة وفق اتفاقية أوسلو للسلام المرحلي مع منظمة التحرير الفلسطينية) وهذا يمثل تحد للسلطة الفلسطينية، ولكن لا جدال أيضا أننا نريد بقاء السلطة الفلسطينية والتأكد من تعزيزها لتقوم بمسؤوليتها، نحن لا نريد إضعاف السلطة الفلسطينية".
وأضاف المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه: "ولكن في فترة العام ونصف العام الماضية ضعفت السلطة الفلسطينية حتى وصلت إلى مرحلة لم تعد فيها قادرة على دخول جنين من أجل اعتقال هؤلاء المسلحين".
وكانت السلطة الفلسطينية حذرت مرارا من أن العمليات العسكرية الإسرائيلية والقرارات التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية بحجز أموال فلسطينية، إضافة إلى النشاطات الاستيطانية ومصادرة الأراضي إنما تدفع السلطة الفلسطينية نحو الانهيار.
وللمفارقة فإن العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين جاءت بعد ساعات من إعلان هيئة البث الإسرائيلية عن عقد اجتماع برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لبحث تعزيز السلطة الفلسطينية.
لا نريد احتلال جنين
وكتب عاموس يادلين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (آمان) في الفترة من 2006 إلى 2010 على حسابه بتويتر الإثنين قائلا: "بدأ الجيش الإسرائيلي عملية هادفة لإحباط "الإرهاب" في جنين، لكن الجيش الإسرائيلي يؤكد أنه غير مهتم باحتلال المدينة".
وأضاف: "هذه خطوة مهمة لأن وقت التحرك في ظل تصاعد مستوى الاعتداءات، وإنتاج الصواريخ وعبوات القنابل الجانبية وهجمات إطلاق النار المستمرة".
ولفت يادلين، إلى أنه "كان لدى الجيش الإسرائيلي مفاجأة تكتيكية رغم أن إستراتيجية العملية كانت متوقعة".
وقال: "المفاجأة تكمن في التوقيت وطريقة العمل وعمق المعلومات الاستخباراتية".
لكنه أشار إلى أن "عدة عناصر ستؤثر على مسار العملية ونجاحها وهي طول العملية وخسائر في صفوف قواتنا، وعدد الضحايا الفلسطينيين، وتوسيع نطاق العملية لتشمل مناطق أخرى في الضفة الغربية، وخاصة في حال رد محتمل من قطاع غزة أو لبنان".
وقال يادلين: "كل ذلك سيؤثر على الشرعية الدولية المشكوك فيها بسبب تصاعد عنف المستوطنين والبناء في المستوطنات".
وأضاف: "من المهم أن يظل الجيش الإسرائيلي يركز على البعد الأمني ومسؤوليته عن حماية مواطني إسرائيل وألا يسترشد بالوزراء على المستوى السياسي المهتمين باحتلال المنطقة وانهيار السلطة الفلسطينية".
وتابع يادلين: "نجاح العملية سيتقرر ليس فقط بالقدرة العسكرية ولكن بالظرف السياسي".
واعتبر أن "الدعم السياسي من الولايات المتحدة والدول المسالمة سيكون ممكنا إذا تمت استعادة السلطة الفلسطينية الحكم والسيطرة على الأرض".
السلطة وحماس
وقبيل ساعات من بدء العملية العسكرية الإسرائيلية، اعتبر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل ابيب الإسرائيلية في دراسة أنه "في واقع لعبة محصلتها صفر بين حماس والسلطة الفلسطينية، لا يمكن أن تتعايش حماس القوية والسلطة الفلسطينية القوية".
وقال المعهد في الدراسة التي حصلت الأناضول على نسخة منها: "إن ضعف السلطة الفلسطينية جنبا إلى جنب مع قوة حماس، بالإضافة إلى تآكل الردع ضد حزب الله (اللبناني) وإيران وزيادة احتمالية نشوب صراع متعدد الجبهات، يشكل معضلة استراتيجية لإسرائيل".
وأضاف: "يجب على إسرائيل تحديد هدفها الاستراتيجي في مواجهة الساحة الفلسطينية، والنظر فيما إذا كان هناك أي قيمة لتحرك عسكري تكويني ضد حماس ليس جزءًا من خطة سياسية أوسع".
وتابع المعهد: "من شأن القدرات العسكرية الضعيفة أن تقلل بشكل كبير من التحدي الذي تشكله حماس للسلطة الفلسطينية والذي يسرع من إضعافها، ويزيل عقبة أمام التحركات الفعالة لتقوية السلطة الفلسطينية".
واعتبر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن "إضعاف حماس من شأنه أن يخفف من العقدة المزمنة بين مختلف الساحات التي تسعى حماس إلى إحكامها، ويفترض أيضًا تعزيز الردع الإسرائيلي في المنطقة".
واستدرك: "في ظل الظروف السياسية الحالية، من غير المرجح أن توافق الحكومة الإسرائيلية الحالية على الحاجة إلى تقوية السلطة الفلسطينية، أو على الأقل التوقف عن إضعافها".
وقال المعهد: "لذلك لا تواجه الحكومة معضلة استراتيجية في اتخاذ خطوات استباقية لتقوية السلطة الفلسطينية، رغم أن ضعف السلطة الفلسطينية يضر بالمصالح الإسرائيلية: خطوة بهذا الحجم لا يمكن أن تقودها إلا حكومة وحدة وطنية تحظى بدعم شعبي واسع".
وأضاف: "في الوقت نفسه، فإن وضع السلطة الفلسطينية متزعزع وإشكالي لدرجة أنه من المشكوك فيه أنه يمكن استعادتها في ظل الظروف القائمة".
وغالبا ما تؤدي العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية إلى انتقادات فلسطينية في شبكات التواصل الاجتماعي للسلطة الفلسطينية.
وكانت السلطة الفلسطينية أدانت العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين.
وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، "إن ما تقوم به حكومة الاحتلال الإسرائيلي في مدينة جنين ومخيمها، جريمة حرب جديدة بحق شعبنا الأعزل".
وأكد في بيان على أن "شعبنا الفلسطيني لن يركع ولن يستسلم ولن يرفع الراية البيضاء وسيبقى صامدا فوق أرضه في مواجهة هذا العدوان الغاشم، حتى دحر الاحتلال ونيل الحرية".
وطالب أبو ردينه "المجتمع الدولي بالخروج عن صمته المخجل والتحرك الجدي لإجبار إسرائيل على وقف عدوانها بحق شعبنا الفلسطيني، ومحاسبتها على كل هذه الجرائم".
وتسود مخاوف من أن تمتد الأحداث الى مناطق أخرى في الضفة الغربية وربما قطاع غزة.
وقال تور وينسلاند، مبعوث الأمم المتحدة للشرق الأوسط، في تغريدة على تويتر: "إن التصعيد الحالي في الضفة الغربية المحتلة خطير للغاية ويأتي بعد شهور من التوترات المتصاعدة".
وأضاف: "تأتي العملية بعد أشهر من التوتر المتزايد الذي يذكرنا مرة أخرى بالوضع المتقلب للغاية وغير المتوقع في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة. يجب على الجميع ضمان حماية السكان المدنيين".
وتابع وينسلاند: "منذ البداية، كنت على اتصال مباشر مع جميع الأطراف المعنية لتهدئة الموقف بشكل عاجل وضمان وصول المساعدات الإنسانية وإيصال الإمدادات الطبية وغيرها من الإمدادات الضرورية إلى جنين"