بنظرة عامة على الشركات المسجلة في فلسطين، نجد أن غالبيتها العظمى من حيث طبيعتها (بعيداً عن شكلها القانوني)؛ هي إما شركات عائلية أو شركات ناشئة أو شركات غير مُمأسسة
الاقتصادي - المحامي والمستشار القانوني صهيب الشريف
تواجه معظم الشركات متعددة الشركاء (المساهمين) المسجلة في فلسطين أو ستواجه تحديات كبيرة وغير متوقعة على المستوى الداخلي، وهذه التحديات ستؤثر بلا أدنى شك على نموها من جهة وعلى استمراريتها من جهة أخرى. وتنخفض هذه التحديات بطبيعة الحال، لدى الشركات المدرجة في بورصة فلسطين أو الشركات التي تخضع لرقابة جهات تنظيمية مثل سلطة النقد أو الشركات التي يؤسسها شركاء مهنيون متمرسون يعرفون أهمية مأسسة الشركة وضرورة فاعلية أقسامها.
وبنظرة عامة على الشركات المسجلة في فلسطين، نجد أن غالبيتها العظمى من حيث طبيعتها (بعيداً عن شكلها القانوني)؛ هي إما شركات عائلية أو شركات ناشئة أو شركات غير مُمأسسة، وما يُقصد بتلك الأخيرة بأنها: الشركات التي لا تحكمها الأنظمة والسياسات، ولا تعتمد على هيكلية توضح الأدوار والمسؤوليات والصلاحيات، ولا تعمل وفق خطة عمل معتمدة ولا تصرف ضمن موازنة معتمدة.
في محاولة فهم أدق لواقع الشركات، لا بد ابتداءً أن نميّز بين مفهومي "الشركة والشراكة"، لأن ذلك سيساعدنا في فهم طبيعة وخصوصية ومآلات كل منها. إذ أدعي أنه ليس بالضرورة أن تكون كل الشركات "المسجلة" هي شركات بالمعنى الفعليّ للشركة، فقد تكون "شراكة" مغلفة بإطار شركة، ذلك أن شهادة تسجيل الشركة لا تعدو أكثر من شهادة لميلادها القانوني كشخص معنوي ليس إلا، أما وجودها الفعليّ ك "شركة" فيستوجب توافر عدد من الشروط والمتطلبات، أهمها وجود الأنظمة والسياسات، الهيكلية، والأقسام،الخ.
ومن المهم الإشارة إليه أن الشركة تعتبر نوع من أنواع الشراكة، إلا أن مفهوم الشراكة أوسع وأشمل من إطار الشركة، وأرى أن الشراكة بحكم طبيعتها مؤقتة بالضرورة (وإن لم يصرح الشركاء بذلك، سواء عن وعيّ ومعرفة أم لا)، بينما تكون الشركة غالباً غير محددة المدة، ولا ينشأ عن عقد الشراكة كيان مستقل، فالعوامل التي تؤسس عليها الشراكة والتي عادة ما تنحصر بالعلاقة الشخصية بين الشركاء وحاجتهم إليها (الدافع والباعث)، وهي برأيي عوامل متغيرة وغير ثابتة، تتغير نتيجة لتطور المعارف وتغير المصالح وتبدل المشاعر لدى الشركاء. (هذا ما يفسر النزاعات بين الشركاء وسحب اعتراف كل منهم بدور الآخر).
أما الشركة فالأصل أنها تؤسس من قبل الشركاء ولا ترتبط بهم، ويكون نجاحها عبر قيام كل شريك بالدور الذي يتطلبه موقعه لمصلحة الشركة. وينشأ عن الشركة كيان مستقل عن الكيان القانوني أو المادي لمؤسسيها. (للمزيد ارجع إلى المقال المنشور للكاتب "ما الذي يتوجب على الشركاء مراعاته عند تأسيس شركة في فلسطين").
نتيجة لذلك، نجد أن المآل المتوقع للشراكة هو الإنفساخ؛ ذلك أن السياق والإطار يحتم نهاية هذه الشراكة، لقيامها على عناصر وأسس متغيرة بشكل أساسي، أما التطور الطبيعي والمتوقع للشركة يكون النمو والازدهار، طالما تمت مأسستها كما هو مطلوب، وتمت إدارتها باحتراف وفق أسس ومبادئ الحوكمة.
ختاماً، أرى أن تعامل معظم أصحاب الشركات غير الممأسسة يشوبه عدم النضج والوعيّ بأسس وأركان ومفهوم الشركة؛ إذ ليس من المعقول أن تكون علاقة تلك الشركات مع قانون الشركات لا تتجاوز معاملات إستصدار شهادات تسجيل جديدة لها. ذلك أن الشركة هي شخص اعتباري تؤسس وتسجل بموجب قانون الشركات، وبالتالي؛ يتوجب عليها أن تعمل وفق أحكام قانون الشركات ومبادئ مدونة الحوكمة.
لقد أن الآوان لأن يعرف أصحاب الشركات "غير الممأسسة" أهمية وجود مستشار قانوني ومالي في شركاتهم، ذلك أن المستشار القانوني هو المؤهل لإعداد اتفاق بين الشركاء (يوضح الحقوق والواجبات والالتزامات)، والمؤهل لتوثيق المحاضر والتفاهمات والاتفاقات، والمؤهل لرصد ومتابعة أي خروج على الاتفاق والتنبيه له، كما وأنه مؤهلٌ لاستلام شكاوى الشركاء ومتابعتها والعمل على ايجاد حلول لها، بما يضمن استمرارية الشركة وعدم وصول الشركاء إلى مرحلة النزاع والهدم (الحماية من التحديات الداخلية للشركة). أما المستشار المالي فهو المؤهل للإشراف على التدفقات المالية للشركة والأدوات المالية المستخدمة، والمؤهل لمتابعة وتحليل الأمور المالية والاقتصادية التي تحدث في سوق العمل، والمؤهل لتوجيه النصائح والتوصيات والحلول المناسبة للشركة بما يخص الاستمثار بأموالها، والمؤهل لتقييم الخطط المالية تقييماً شاملاً، بما يضمن نمو الشركة وازدهارها (الحماية من التحديات الخارجية للشركة).