الدعاية المكثفة والمبالغة الشديدة سمة غالبة في الساحة المصرية اليوم. تتجلى هذه الظاهرة مع كل حدث، وتحتل المسألة الاقتصادية مساحة كبيرة في دعاية النظام، فهو يدرك وطأة الأزمة الشاملة التي تحيط به، وبالأخص بؤس الأوضاع الاقتصادية.
وتجسد الدعاية والمبالغة في تقييم أداء السلطة رغبة في تثبيت وجودها في الحكم، ولا تفوت أبواق الدعاية والإعلام أي فرصة لإخفاء إخفاق أو التغني بإنجاز، حتى ولو لم يكن حقيقياً. حاولت هذه الأبواق بأقصى درجة الترويج لمشروع تفريعة قناة السويس، أطلقوا عليه زوراً قناة السويس الجديدة، استغل المشروع لإضفاء مشروعية سياسية على نظام مأزوم اقتصادياً وسياسياً.
السلطة سوّقت المشروع على أنه هدية للعالم وللاقتصاد وحركة التجارة الدولية، هذه المقولات الدعائية تُسقِط حسابات التطور الهائل في وسائل النقل التجاري والمشاريع الملاحية المتعددة في المنطقة، وتنطوي، أيضاً، على خداع آخر مرتبط باحتساب فائدة المشروع تجارياً، حيث تم تصوير المشروع على أنه إنجاز تجاري ضخم عبر فائدته الملاحية.
لم تختلف الدعاية المصحوبة بمشروع قناة السويس عن تلك التي صاحبت دعاية المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد في شرم الشيخ أخيراً. في كلا الحدثين تم تجاهل مضمون الحدث الاقتصادي، وتم التركيز على المشهد السياسي الذي صاحبه الجانب الدعائي للحدثين. واقع غطى على التفاصيل الاقتصادية التي تهم الناس، فمن المستفيد من كل خطوة ومشروع اقتصادي يجري الآن؟ وعن ماذا تعبر تلك المشروعات؟
في المؤتمر الاقتصادي وعدت السلطة بتدفق أموال المستثمرين من كل حدب وصوب، بل إن متفائلين قالوا، إن الانتعاش الاقتصادي قادم. مرت الأيام وانكشف كذب الدعاية ومدى المبالغة في الوعود. المستثمرون والمانحون لا يذوبون عشقاً في حب مصر ولا يضخون أموالهم إلا بإدراك، أن كل دولار سيدفع سوف يستردونه أضعافاً مضاعفة.
على جانب آخر، سقطت التقييمات للمشروع في فخ المعارضة السياسية منزوعة السياق عن مضمون المشروع الاقتصادي. كما استخدمت الأرقام للتبارز إلى حد إنكار المشروع أساساً أو إلى حد التعويل عليه بأنه سيحل الأزمة الاقتصادية. اعتبرته بعض التصريحات، أنه امتداد لإنجازات الحضارة الفرعونية وأنه هدية للبشرية.
في الحقيقة لا يستطيع أحد إنكار الجوانب الإيجابية للمشروع، وعلى رأسها، أن المشروع نُفذ في عام واحد، وأن تعظيم فوائد شهادات الاستثمار فيه بنسبة 12%، جعلت ملايين المصريين يشاركون في تمويله. هذا يدفعنا إلى القول، إن خيارات التنمية المستقلة قائمة، وإن هناك بدائل للقروض الخارجية، لكن في الوقت ذاته على الجميع، أن يسأل عن تكلفة المشروع والاحتفال المصاحب له. هذه الأسئلة لم تجد لها إجابات في ظل الضبابية وافتقاد الشفافية التي سادت المشهد. كذلك سادت مغالطات عدة عن المنفذين للمشروع، اكتفت السلطة بالقول، إنه إنجاز اقتصادي ضخم.
وسط هذه الدعايات الكثيفة للنظام تسطع أسئلة أساسية أخرى منها: هل الاقتصاد المصري المتأزم في حاجة إلى مشاريع من هذا النوع؟ أم أنه في حاجة ماسة إلى مشروعات اقتصادية تنموية تسد حاجات الشعب الأساسية؟
كذلك يبرز سؤال آخر، ألم يكن من الأولى أن توجه الحكومة نحو استثمارات إنتاجية، فالمشروعات الصناعية والزراعية تستوعب العمالة المعطلة وتوفر السلع والمنتجات.
الاقتصاد الذي يعاني من خلل في الميزان التجاري يمكن أن يتم تجاوزه فقط عبر الإنتاج والاكتفاء الذاتي، لماذا لم تطرح السلطة مبادرات مماثلة وشعبية لبناء مصانع أو تشغيل المصانع المغلقة التي تحولت إلى خربات.
يبدو أن الإجابة عن هذه التساؤلات مرتبطة بتوجهات السلطة الاقتصادية، فعبر عامين من الحكم يتضح أن السلطة لا تريد الدخول في تنافس مع الرأسمالية المحلية والعالمية، بل تريد تيسير عملها وزيادة سيطرتها ونفوذها داخل السوق المصرية. نحن أمام توجهات اقتصادية تزيد تراكم الثروات لدى فئات اقتصادية توسع نفوذها في الحكم ولا تحل أزمة الاقتصاد ولا معاناة الشعب المأزوم.