أن تكون مكتفياً ذاتياً اقتصادياً يعني أن تكون قادراً على توفير الحاجات الأساسية لنفسك ولعائلتك من دون تلقي أي مساعدة خارجية، مثل كوبونات الغذاء، والرعاية الطبية، والسكن، ورعاية الأطفال، والمساعدة النقدية من العائلة أو الأصدقاء. وفي حين يعتبر الاقتصاد الأساس المادي للحياة الاجتماعية، فإن الاكتفاء الذاتي يُمكّن الفرد من العيش بصورة مستقلة، ويعزز استقلال بلده، سياسياً واقتصادياً، كما يعزز الاعتماد على الذات في الدفاع عن النفس، ويضمن حياة ثقافية غنية لأفراد المجتمع. وفي حين تسعى بعض الدول إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، ككل، إلّا أنه يمكن أن يقتصر على مجال ضيق مثل حيازة مادة أولية أساسية. على سبيل المثال، لدى العديد من الدول سياسة اكتفاء ذاتي في ما يتعلق بالمواد الغذائية والمياه لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
تمتّع سكان العالم بأسره، منذ آلاف السنين، بدرجة عالية من الاكتفاء الذاتي، ذلك أنهم تمكنوا من تأمين حاجاتهم الأساسية بأنفسهم، فكانوا يصنعون ملابسهم، وأدواتهم، وأسلحتهم، وقواربهم، وأكواخهم، ويستخدمون الجمع والصيد والرعي والزراعة لتأمين طعامهم. وحينما بدأت أعداد السكان بالارتفاع، تضاءلت إمدادات الغذاء من الحياة البرية، وبدأ الناس في التخصص والاعتماد على الرعي والزراعة بشكل أكبر، والتقليل من الاعتماد على الجمع والصيد.
لكن في العصر الحديث، أصبح جزء كبير من سكان العالم يعتمد على المزارعين الذين يقومون بإنتاج الغذاء في مزارع متخصصة، وعلى الوظائف التي تم إنشاؤها من قبل الحكومات بهدف تأمين الملبس والمأوى، بدلاً من إيجادها من خلال المواد الأولية الموجودة في الطبيعة. برغم ذلك، لا تزال هناك مجتمعات تعتبر مكتفية ذاتياً ولم تتخلّ عن الطرق التقليدية في جمع الغذاء، ساعدها على ذلك مواصلة اهتمامها بالزراعة المستدامة والتحول نحو الطاقة المتجددة.
ومن أجل تطبيق مبدأ الاكتفاء الذاتي الاقتصادي في دولة ما، لا بد من بناء اقتصاد وطني مستقل يخلو من الاعتماد على المنح والاستدانة الخارجية، وقادر على الوقوف على قدميه بثبات، ويتطور بناءً على مدى قدرة الدولة على استغلال إمكاناتها ومواردها الطبيعية والبشرية. مثل هذا الاقتصاد يجعل من الممكن تطوير القوى المنتجة من خلال الاستفادة من الموارد الطبيعية للبلاد بشكل أكثر عقلانية وتكاملاً، وتحسين مستوى معيشة الشعب، وتعزيز الأسس المادية والتقنية للاقتصاد الوطني، وزيادة الكفاءة العسكرية والسياسية والاقتصادية واستقلالها. وهنا تكمن أهمية تبني الدول لبرامج الاكتفاء الذاتي، ذلك أنها قادرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية للأسر ذات الدخل المنخفض من خلال مساعدتها على زيادة الإيرادات، وتكوين الأصول، وخفض الاعتماد على إعانات الغذاء والسكن والمساعدات الحكومية الأخرى.
