وكالات - الاقتصادي - تصاعدت حدة الجدل حول النفط والغاز الروسيين، اللذين أصبحا في قلب المواجهة بين موسكو والغرب، ولاسيما في ظل تصعيد الدول الغربية، وخصوصا الولايات المتحدة، من محاولاتها لما تصفه بـ"الاستقلال" عن واردات النفط الروسي.
وبلغ التخوف من مواجهة "نفطية أو في الغاز" ذروته مع ما قاله الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، الجمعة الماضية، حول نية بلاده تزويد أوروبا بالمزيد من الغاز الطبيعي المسال كي تتمكن القارة العجوز من تقليص الاعتماد على إمدادات الوقود الأحفوري الروسية، بينما تعهد قادة الاتحاد الأوروبي بتسريع وتيرة الحد من استخدام بلادهم للوقود الروسي.
تعهدات صعبة التنفيذ
وأفاد بيان مشترك من الولايات المتحدة والمفوضية الأوروبية بأن الولايات المتحدة ستعمل على ضمان إمدادات غاز طبيعي مسال إضافية لسوق الاتحاد الأوروبي بما لا يقل عن 15 مليار متر مكعب في 2022 مع توقع زيادات في المستقبل، مع العمل على ضمان استقرار الطلب على الغاز الطبيعي المسال الإضافي من الولايات المتحدة عند نحو 50 مليار متر مكعب سنويا حتى عام 2030 على الأقل.
وتشير التقديرات إلى أن التعهدات الأمريكية صعبة التنفيذ للغاية لأكثر من سبب، منها حاجة الولايات المتحدة إلى من أسمتهم بـ"الشركاء" لتأمين وصول الكميات التي تعهدت بها واشنطن من الغاز إلى أوروبا ولم تجر واشنطن مباحثات واضحة مع كبار منتجي الغاز حتى الآن بهذا الصدد.
فمجمل الإنتاج الأمريكي من الغاز المسال لا يتخطى 11.5 مليار متر مكعب سنويا، وتبدو احتمالات الزيادة الكبيرة في هذا الإنتاج غير قائمة في ظل أجندة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" المناخية من جهة وتحفظ غالبية المنتجين الأمريكيين على زيادة إنتاجهم بنسب كبيرة في ظل عدم استقرار السوق من جهة أخرى.
ونظرا لأن المحطات الأمريكية تنتج الغاز الطبيعي المسال بكامل طاقتها بالفعل، قال محللون إن معظم الغاز الإضافي المتجه إلى أوروبا سيكون على حساب صادرات كانت ستذهب إلى مناطق أخرى من العالم، بما سيؤدي لضغوط سعرية كبيرة للغاية.
بأي سعر؟
كما أن دولا مثل نيجيريا والنرويج وقطر والجزائر لن تستطيع زيادة إنتاجها من الغاز بالسرعة المرجوة بأي حال، إذا اعتبرت الولايات المتحدة تلك الدول شركاء محتملين في توفير الاحتياجات الأوروبية من الغاز المسال.
والشاهد أن الغاز المسال غالبا ما سيكون بزيادة سعرية ما نسبتها 50-70% عن الغاز الروسي الذي يأتي عبر الأنابيب إلى أوروبا وهو وضع يمكن القبول به أوروبيا لفترة قصيرة أو حتى كوسيلة للضغط على روسيا ما بقيت الحرب ولكنه يصعب تخيل استمراره لفترات طويلة خاصة مع الضغوط التضخمية المرتفعة بالفعل على دول اليورو.
ولعل هذا هو ما دفع "باتريك بويان"، الرئيس التنفيذي لشركة النفط والغاز الفرنسية العملاقة "توتال إنيرجي"، إلى التأكيد على أن "تخلص" أوروبا من النفط والغاز الروسي ممكن مستقبلا ولكنه سيستغرق وقتا ولكن الأهم أنه سيكون له كلفته المادية "العالية للغاية".
وأعلنت أوروبا أنها تهدف لتقليص اعتمادها على الغاز الروسي بنسبة الثلثين حتى نهاية العام، ولكن قادة الاتحاد الأوروبي أخفقوا -حتى الآن- في التوصل إلى اتفاق بشأن وضع حد أقصى لأسعار الغاز والكهرباء، وسط مطالبات إسبانية وإيطالية بذلك ورفض ألماني وهولندي.
عملية طويلة
ويعكس هذا الفشل صعوبة شديدة تعترض "طموح" الاتحاد الأوروبي لتقليص سريع للاعتماد على النفط وبدرجة أكبر الغاز الروسي، حيث تورد روسيا 40 بالمئة من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز وأكثر من ربع وارداته النفطية.
وبالفعل أعلنت ألمانيا أنها ستخفض بشكل حاد اعتمادها الكبير على موارد الطاقة الروسية باستغنائها عن واردات الفحم بحلول الخريف وعن واردات النفط بحلول نهاية العام، ولكنها اعترفت أن الأمر سيستغرق "مزيدًا من الوقت" بالنسبة للغاز.
وقال نائب المستشار ووزير الاقتصاد "روبرت هابيك" "من المفترض أن تكون واردات النفط الروسي إلى ألمانيا انخفضت إلى النصف بحلول منتصف العام ونهدف إلى تحقيق استقلال شبه تام في نهاية العام"، مضيفة أنه "بحلول الخريف، قد نصبح مستقلين بصورة عامة عن الفحم الروسي".
أما بالنسبة للغاز الروسي الذي كانت ألمانيا تعتمد عليه بنسبة تفوق 55 بالمئة قبل الأزمة، فستكون العملية أطول. وتقدر الحكومة أن "الطريق لا يزال طويلاً ولن نتمكن من الاستغناء عن الغاز الروسي إلا عبر القيام بجهد جماعي".
إمدادات متواصلة
والشاهد أنه منذ بدء الأزمة تواصل شركة الطاقة الروسية العملاقة "جازبروم" إصدار البيانات شبه اليومية حول إمداداتها لأوروبا بالغاز الطبيعي عبر أوكرانيا رغم الحرب المشتعلة، وبحجم طلب يومي حول الحد الأقصى وهو 109.7 مليون متر مكعب في أغلب الأيام بما يعكس رغبة أوروبية في تخزين أكبر كمية من الغاز قبل شتاء 2022 الذي يوصف بأنه سيكون "قاسيًا للغاية".
ولإدراك موسكو لأهمية الغاز تحديدا قرر الرئيس الروسي "فلادمير بوتين" أن يكون الوفاء بثمن الغاز منذ يوم غد (الثلاثاء) باستخدام الروبل وليس الدولار أو اليورو أو الجنيه الإسترليني في خطوة توحي بإمكانية استخدام الغاز الروسي كسلاح "هجومي" وليس سلاح "ردع" فحسب.
ولذلك اعتبر الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" الجمعة أن مطالبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدفع ثمن شحنات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي بالروبل وليس بالدولار أو اليورو، "غير ممكن" و"لا تنص عليه العقود".
وتبدو الخطة الأمريكية بإمداد أوروبا باحتياجاتها من الغاز "طموحة" لكنها غير عملية، لأنها ستعني أيضا أن روسيا ستتجه بالغاز إلى دول مثل الصين وتركيا والهند وجل ما سيحدث هو إضافة المزيد من الضغوط التضخمية وتدعيم انقسام اقتصادي "شرقي- غربي" سيكون له تداعياته على الجميع ليبقى التساؤل عن مدى استعداد أوروبا للانسياق مع تلك الخطط رغم آثارها الاقتصادية السلبية عليها.