وكالات - الاقتصادي - في بداية 2020، تفاجأ العالم بأزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) والتي تسببت في حالة من الشلل للاقتصاد العالمي، بعد أن تم إغلاق المصانع والشركات، ليضطر الجزء الأكبر من القوى العاملة للجلوس في بيته، وذلك في إطار التدابير التي اتخذتها كثير من الدول في سعيها للحد من انتشار الفيروس.
ولو أن هناك شيئًا واحدًا يمكن أن يتعلمه مستثمرو سوق الأسهم من تلك الأزمة، فهو أنه لا أمان لأي شيء في هذا العالم، لا للأسواق ولا للاقتصاد ولا للمناخ ولا حتى لفيروس لا يرى بالعين المجردة، والمستثمر الذكي هو مَن يبقى طوال الوقت مستعدًا لهكذا أحداث غير متوقعة، ولا توجد طريقة أفضل للاستعداد لأي تقلبات قد تنتج عن أي صدمة مفاجئة من امتلاك محفظة متنوعة ومتوازنة بشكل جيد.
في كثير من الأحيان ينتقد احتفاظ المستثمر بجزء من قيمة محفظته في صورة نقدية وينظر إليه باعتباره موقفًا سلبيًا، خصوصًا حين يكون السوق في اتجاه صعودي واضح، ولكن في الحقيقة إن المحفظة لا يكتمل تنوعها ولا يتحقق توازنها ما لم تحتوِ على قدر مناسب من الكاش أو النقدية، يتحصن به المستثمر ضد التقلبات ويقتنص به الفرص التي تظهر من آن لآخر في السوق.
درع صلب في وجه التقلبات
أهم دور يلعبه الكاش الموجود في المحفظة هو أنه يعمل كنقطة ارتكاز تحد من الخسائر في حال تراجعت باقي الاستثمارات الموجودة بالمحفظة، على سبيل المثال، قد يؤدي تراجع الأسهم الموجودة في المحفظة التي لا تحتوي إلا على أسهم بنسبة 20% إلى تراجع كامل المحفظة بذات النسبة.
ولكن إذا كانت المحفظة مقسمة بواقع 80% أسهمًا و20% نقدًا، فإن تراجع السعر السوقي للأسهم بذات النسبة (20%) سينتج عنه تراجع المحفظة بواقع 16% فقط، باختصار، يحرص كثير من المستثمرين على امتلاك قدر معين من الكاش في محافظهم كأسلوب من أساليب التحوط ضد تقلبات الأسهم.
بخلاف مسألة التحوط، يوجد هناك سببان آخران على الأقل وراء احتفاظ كثير من المستثمرين بكميات من الكاش في محافظهم، أولهما امتلاك القدرة على اقتناص أي فرصة استثمارية أروع من أن تفوّت قد تظهر في أي لحظة، وذلك دون الاضطرار إلى تسييل جزء من المحفظة على عجل.
المستثمر الأمريكي "وارن بافيت" يعد واحدًا من أبرز المستثمرين الذين يؤمنون بمبدأ الاحتفاظ بكميات من الكاش في محفظته، حيث تحتفظ شركته الاستثمارية "بيركشاير هاثاواي" بما يناهز 149.2 مليار دولار من الكاش في الربع الثالث.
الحيازات الضخمة غير المستثمرة من الكاش، يستخدمها "بافيت" كلما سنحت له فرصة استثمار جيدة، على سبيل المثال، في عام 2008 كانت شركة "كونستليشن إنرجي" الأمريكية على وشك الإفلاس، حينها قرر "بافيت" بسرعة استثمار مليار دولار نقدًا في الشركة المأزومة التي تم الاستحواذ عليها لاحقًا من قبل إحدى الشركات الأمريكية، ليحقق "بافيت" ربحًا سريعًا على استثماره بلغ 1.1 مليار دولار.
وفي سبتمبر 2008، كان بنك الاستثمار الأمريكي الشهير "جولدمان ساكس" على حافة الانهيار، في ظل ازدياد حدة الأزمة المالية العالمية، حينها عرض البنك على "وارن بافيت" شراء ما قيمته 5 مليارات دولار من الأسهم الممتازة، وهو ما وافق عليه "بافيت" ليضخ المبلغ على الفور من سيولته إلى البنك المأزوم، أرباح "بافيت" من هذه الصفقة تجاوزت حاجز ثلاثة مليارات دولار.
هذه ببساطة قوة السيولة، وهذا ما يحتاج المستثمر العادي إلى إدراكه واستيعابه، كيف ستتصرف إذا تراجع السوق بشكل كبير وانخفضت أسعار الكثير من الأسهم الجيدة ووصلت لمستويات سعرية مغرية تجعلها فرصًا لا تفوت؟ بالطبع يجب عليك المسارعة إلى اقتناص هذه الفرص، ولكن إذا لم تكن محفظتك بها ما يكفي من الكاش ستفوت هذه الفرصة.
الطوارئ .. وعيوب الاحتفاظ بالكاش
وبعيدًا عن الفرص الاستثمارية التي تلوح في الآفق من آن لآخر، يجب أن يضع المستثمر في حسبانه احتمال احتياجه المال في أي وقت لأي سبب طارئ لا علاقة له بسوق الأسهم، في حال عدم وجود الكاش، يصبح الحل الوحيد هو تسييل المحفظة والاضطرار للتخلي عم أسهم مربحة.
الاحتفاظ بجزء من قيمة المحفظة في صورة نقدية له تكاليف بلا شك، وربما أبرزها معدل التضخم الذي يتسبب ارتفاعه في تآكل القوة الشرائية لهذه الأموال، ففي ظل ثبات النقود السائلة وتزايد معدل التضخم تنخفض القيمة الحقيقية لهذه النقود مع مرور الوقت.
في الوقت نفسه، تمثل الأموال السائلة فرصًا ضائعة محتملة، حيث إن هناك دائمًا احتمالًا بأن تحقق هذه الأموال عائدًا إيجابيًا لو تم ضخها في أي أصل أو أداة استثمارية.
ولكن في الوقت نفسه، يظل احتمال الخسارة قائمًا أيضًا، حيث من الوارد أن تتراجع قيمة أي استثمار يتم ضخ هذه الأموال فيه.
وبالتالي يظل قرار الاحتفاظ بجزء من قيمة المحفظة في صورة نقدية في يد المستثمر، لأنه هو وحده القادر على الموازنة بين العائد والمخاطرة لهذه الاستراتيجية في ضوء أهدافه المالية وخطته الاستثمارية.