وكالات - الاقتصادي- إنّ معظم مخاوف الموظفين المتعلقة بعملهم تحت الكثير من الرقابة لا أساس لها من الصحة، وكلّ ما يحتاجون إليه هو معرفة ما هو متوقع منهم لأداء وظائفهم على أفضل وجه. وتحقيق هذه الغاية يكون من خلال الإصغاء للنصائح واتباع التوجيهات. وعادة ما يعمد العديد من المديرين إلى تبني نهج "التيسير" لتفادي الانزعاج الذي قد يترتّب عن تقديم توجيهات مباشرة.
في تقرير نشرته مجلة "سايكولوجي توداي" (Psychologytoday) الأميركية، يقول الكاتب بروس تولجان إنه بغض النظر عن طبيعة العمل الذي تقوم به أو يقتضي منك أداء أيّ مهمة موكلة لك، عليك أن تتأكّد في البداية من فهم ما هو متوقع منك وكيفية أداء عملك.
وأشار الكاتب إلى أن أشخاصا كثرًا لا يرغبون في أن يكون لهم رئيس عمل يقف فوق رؤوسهم ويخبرهم دائما بما عليهم فعله وكيف يقومون بذلك، وإنما كلّ ما يرغبون فيه هو أن يسمح لهم بالقيام بعملهم. لكنهم غالبا ما يشتكون بعد ذلك من فشلهم في الإيفاء بتوقعات رؤسائهم في العمل.
الرقابة البغيضة
ربما لا تريد أن يراقب رئيسك في العمل كلّ ما تفعله، ولكن من ناحية أخرى من الذي ستلومه عندما تكتشف بعد أيام أو أسابيع أو شهور أنك كنت تفعل شيئًا ما بطريقة خاطئة دون أن تدرك ذلك؟ على من تلقي اللوم عندما تدرك أنه لم يتم إخبارك بالتفاصيل الرئيسية لمهمتك، أو عندما تعلم أنك لم تتعلم جميع الخطوات المطلوبة منك؟ بالطبع في هذه الحالات ستحمّل مديرك المسؤولية.
مع أنّ معظم الموظفين لا يرغبون في أن يكونوا محلّ رقابة مستمرة، وأن يتمّ إخبارهم بما يجب عليهم القيام به وكيفية القيام بذلك طوال الوقت، فإن هذا الأمر لا يستدعي عادة القلق. فمعظم المديرين ليس لديهم الوقت الكافي أو الرغبة في القيام بذلك.
لا يمكن أن ننكر حقيقة أن بعض المديرين لا يترددون في إصدار الأوامر، وطالما بإمكانك تحمل ذلك وتدوين أكبر قدر من الملاحظات بسرعة والابتسامة مرتسمة على محياك، فهناك جانب إيجابي كبير لهؤلاء المديرين: على الأقل أنت تعرف بالضبط ما هو متوقع منك. بيد أن عددًا كبيرا من المديرين يفعلون العكس، ويعتقدون أنّه لا يجب أن يخبروا موظفيهم بما يجب عليهم فعله وكيفية القيام بذلك، وإنما عليهم معرفة ما هو مطلوب منهم بأنفسهم
ذكر الكاتب أن هؤلاء الرؤساء لا يرغبون في كثير من الأحيان في التحكم في الموظفين، بل يحبون أن تشعر أنك رئيس نفسك، بينما لا يتوانون عن طرح الكثير من الأسئلة وانتظار الإجابة منك. إنهم يستمعون ويقدمون الاقتراحات ويحاولون إرشادك إلى الاستنتاجات الصحيحة. ويريدون حقًا أن تصل إلى الاستنتاجات الصحيحة بنفسك. وغالبًا ما يقولون إنهم "يحبون أن يتركوا الموظفين يتعلمون من أخطائهم".
هل مديرك قاس حقا؟
قد تجول في ذهنك بعض الأفكار على غرار: يا له من مدير قاس، لماذا لا يريد مساعدة موظفيه على تجنب تلك الأخطاء غير الضرورية؟ لماذا لا يساعدونك في تعلم القيام بعملك بشكل متقن من خلال فعل الأمور بشكل صحيح؟ فممارسة طرق خاطئة لفعل الأشياء بطريقة صحيحة مغالطة كبيرة وإضاعة للكثير من الوقت.
إذا كان عليك العودة لنقطة الصفر في كل مرة تقوم فيها بمهمة أو تتحمل مسؤولية ما أو تبادر بالانطلاق في مشروع جديد، فمن المحتمل أنك ستقضي الكثير من الوقت في تطوير عادات سيئة للتعلم بشكل غير مباشر. وحتى إن كانت التجارب المستمرة وارتكاب الأخطاء طريقة جيدة لحل مشكلة واحدة عويصة، إلا أنها لا تعتبر طريقة ناجعة لتعلم كيفية القيام بعملك على أفضل وجه أو أداء المهام الموكلة إليك.
هذه الطريقة لا يمكن أن تشعرك بأنك رئيس نفسك ومسؤول عن عملك، فأنت تتلقى مقابلا ماديا للقيام بمهام محددة ضمن معايير محددة بدقة، علاوة على أن إتقانك عملك لا يعتمد عليك وحدك.
يمكن أن تصبح "رئيس" نفسك فقط عندما تعرف ما يفترض بك فعله وكيف يتمّ ذلك، وعندما تفهم بالضبط ما هو مطلوب منك، ويكون لديك حرية التصرف لاتخاذ القرارات واتخاذ الإجراءات المناسبة، عندها فقط ستحقق نجاحا.
أسطورة "النهج التيسيري"
يقول الكاتب إن الموظف نادرًا ما يستمدّ القوة الحقيقية في مكان العمل من تركه يقوم بجملة من المهام لوحده وكل ما يعتقد أنه يجب عليه القيام به وما يرى أنه مناسب، بل يستمدها في الواقع من القدرة على تحمل مسؤولية إنجاز مهام ومشاريع محددة بطرق معينة وفي أوقات معينة بناء على ما تم تفويضه له.
معظم المديرين يتبنون نهجًا "تيسيريا" للإدارة لمساعدة الموظف على "اكتشاف الأشياء بنفسه" بدلا من اعتماد النهج "التوجيهي" الذي يقوم على تفويض المهام من خلال إعطاء توجيهات واضحة وتوضيح ما هو متوقع منه، وهم يفعلون ذلك لأنه من الأسهل تجنب التوتر غير المريح المترتب عن إخبار الآخرين بما يجب عليهم فعله بالضبط.
يحتاج الموظف في واقع الأمر إلى تلقي أوامر واضحة للسير على الطريق السليم. وتتمثل الحيلة الحقيقية للتمكن من عملك في مساعدة رؤسائك في تحديد الأهداف والإرشادات والجداول الزمنية المناسبة لكل مهمة. للقيام بذلك، تحتاج إلى التواصل معهم بشكل مستمر حول تفاصيل كل مهمة في قائمة المهام الخاصة بك. وهذه الطريقة الوحيدة للتأكد من حصولك على العناصر الأساسية الثلاثة لفهم ما هو متوقع منك لكل مشروع أو مهمة أو مسؤولية يتم تكليفك بها:
وضوح الأهداف: يتعين عليك أن تحدد الشكل الذي يجب أن يبدو عليه المنتج النهائي والمخرجات التي تكون مسؤولا عن إكمالها.
الحيثيات التفصيلية: ينبغي التعرف على المواصفات والمتطلبات المرتبطة بكل مشروع أو مهمة أو مسؤولية فردية موكولة لك.
المواعيد النهائية الدقيقة: يتوجب عليك تحديد الوقت المتوقع لإكمال المشروعن وضبط جدول تسليم جميع الخطوات اللازمة لتحقيق الأهداف الموضوعة.
في كل مرة تكلف فيها بمشروع أو مهمة ما، يجب عليك إشراك رئيسك في العمل لتزويدك بهذه العناصر الأساسية الثلاثة. يجب أن تجعله يشرح بالتفصيل وبدقة ما هو متوقع منك بالضبط.
إذا كان من المتوقع أن تفعل شيئًا ما بطريقة معينة، فأنت بحاجة إلى التحدث مع رئيسك في العمل حتى يشرح بتفاصيل واضحة ومحددة بالضبط المواصفات التي يتوقع منك اتباعها. وأنت على الأقل، تحتاج إلى معرفة الحد الأدنى من المتطلبات والقواعد الأساسية.
وبغض النظر عن مدى تمتعك بحسّ المسؤولية وعملك الدؤوب وتعويلك على نفسك، لا يمكن لأي شخص أن يعمل بنجاح على أساس مستدام دون توفر بعض الهياكل والحدود الواضحة.