رام الله- الاقتصادي- وفاء العاروري- قد يتفاجأ البعض أن ما نسبته 70% من العاطلين عن العمل في المجتمع الفلسطيني، هم من حملة شهادات البكالوريوس، حسب تقديرات الخبراء الاقتصاديين والمهتمين بالشؤون الاقتصادية، فيما تبلغ نسبة العاطلين عن العمل ممن هم دون هذه الدرجة العلمية 30% فقط، وهو ما يفتح باب السؤال على مصراعيه، حول سبب ارتفاع نسبة البطالة في الدرجة العلمية الأعلى "البكالوريوس"، وانخفاضها في الدرجة الأقل "دبلوم"، وربما انعدامها تماما ممن هم ليسوا من حملة الشهادات اطلاقا.
ورغم كون النسب التي تحدث عنها جهاز الاحصاء المركزي، للعاطلين عن العمل من حملة شهادات البكالوريوس، عام 2014 هي 61%، بعد أن كانت 46% عام 2012، إلا أن الخبراء الاقتصاديين، يرجحون أن النسبة تصل إلى 70%، لاعتبارات عديدة أهمها أن ثقافة المجتمع الفلسطيني تبغض العاطل عن العمل، بالتالي يخجل الشباب أن يقولوا لموظف الاحصاء "انهم لا يعملون"، عدا عن كون الاحصاءات عينية أساسا، اذ أن نسب الخطأ عالية، حسب تحليل الخبراء. يذكر أن نسبة البطالة العامة في الضفة وغزة تصل إلى نحو 27% من مجمل القوى العاملة.
على قائمة الانتظار
شهرزاد أبو دية، "23 عاما"، شابة متفوقة تخرجت من جامعة بيرزيت العام الماضي، تخصص الصحافة والاعلام فرعي العلوم الانسانية، وما زالت تنتظر فرصة عمل جيدة حتى اليوم.
تقول شهرزاد: قبل الحديث عن البطالة في المجتمع الفلسطيني، يجب الحديث عن معطيات التدريس في الجامعات أولا، فمن المفترض أن يتخرج الطالب بمؤهلات وخبرات عالية دون الحاجة للتدريب والدورات بعد التخرج، فهو يدفع الاف الدنانير كي يخرج بمؤهلات تقنية وفكرية تجعله قادرا على المنافسة، ولكن ذلك لا يحصل غالبا.
وأضافت: أن انعدام توعية الطالب باحتياجات السوق ومتطلباته قبل الانخراط في اي تخصص، هي من أهم أسباب عدم حصوله على فرصة عمل بعد التخرج، بالتالي تجعله يواجه مشكلة نفسية كبيرة من احباط ويأس وغيره، على ما أفناه عبثا من عمره.
السوق لا يحتاج إلى "تأهيل عال"
وأوضح وكيل وزارة العمل، ناصر قطامى، أن السبب في ارتفاع نسبة البطالة بين خريجي البكالوريوس مقارنة مع خريجي درجة الدبلوم، هو عدم حاجة السوق إلى موارد بشرية ذات تأهيل عال، أي من حملة شهادات الدرجة "ما فوق المتوسطة".
وأضاف: السوق الفلسطيني صغير، ومعظم استثماراته ورش ومشاريع صغيرة، بالتالي فإن خريجي الدبلوم_ وهم من التخصصات المهنية والتقنية عادة_ يتناسبون أكثر مع احتياجاته ومتطلباته.
وأكد قطامي أن التحدي الأكبر الذي تواجهه الوزارة حاليا، هو خلق فرص عمل بديلة لحوالي 45 ألف خريج سنويا، يدرسون أساسا تخصصات "خاطئة"، ولا يوجد لهم أي فرصة عمل تلائم دراستهم، مؤكدا أن السوق الفلسطيني بكل قطاعاته: العام والخاص والأهلي، في أفضل حالاته يستطيع استيعاب (10-15) ألف خريج، بالتالي فإن البحث عن بدائل بات ضرورة ملحة.
وحول التنسيق مع وزارة التربية والتعليم، في سبيل العمل بطريقة مثلى لإيجاد حلول للخريجين العاطلين عن العمل، قال القطامي: إن هناك درجة عالية من التنسيق بين الوزارتين في الفترة الأخيرة، من أجل اصلاح نظام التعليم إصلاحا جذريا من ناحية، وإيجاد فرص عمل للخريجين من ناحية أخرى، حيث وقعت الوزارتان مؤخرا اتفاقية "الاستراتيجية الوطنية البرامجية للتشغيل".
وتستند الأخيرة، حسب قطامى، إلى أربعة محاور رئيسية:
- اولا: الاستثمار وتشجيع رأس المال الوطني واستقطاب الاموال من الفلسطينيين المغتربين وتشجيعهم على الاستثمار في البلاد.
-ثانيا: الاستثمار عاليا في رأس المال البشري، عن طريق إعادة الاعتبار للتدريب المهني، وتشجيع الطلبة على التسجيل فيه، بحيث تدخل وزارة التعليم بعض التخصصات الحديثة التي تتناسب مع احتياجات السوق من ناحية، ومع النظرة الاجتماعية للتخصص من ناحية أخرى.
- ثالثا: تشجيع الريادة، وفتح الشراكة مع جمعيات ومؤسسات تعاونية.
- رابعا: فتح مجال العمل في الخارج، مثل قطر والكويت، وباقي دول الخليج، لأنه مهما كان أداء الوزارتين عال وفعال بحيث أوجدتا معا فرص عمل جديدة، الا أن السوق المحلي لن يستوعب اكثر من 15 الف خريج.
وأكد قطامي أن الاتفاقية سيتم تنفيذها على المدى القريب، فهم يعملون الآن على تأمين موارد مالية من أجل عمل شراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، لمباشرة تنفيذ الاتفاقية.
قلة الاقبال على التعليم المهني
وأوضح أنور زكريا،الوكيل المساعد لشؤون التعليم العالي أن عدم اقبال الناس على التعليم المهني والتقني رغم تشجيع الوزارة المستمر على ذلك، يشكل العقبة الكبرى أمامها.
وقال زكريا إنه رغم ورشات العمل المتعددة وحث الطلبة على التعليم المهني من خلال المنهاج ووسائل الاعلام والمرشدين الاجتماعيين وغيرهم، إلا أن الطلبة لا يزالون يعزفون عن هذه المهن، ربما لاعتبارات ومفاهيم وقيم اجتماعية.
وحسب زكريا، فإن الوزارة تتجه نحو "تقنين" التخصصات التي ليس لها عمل، فهي لا تستطيع تجميد تخصص ما تماما، خاصة أن لكل جامعة دوائرها المجهزة، وأساتذتها الذين لا يمكنها الاستغناء عنهم، وخططها التعليمية المعدة مسبقا، بالتالي فإن الوزارة تعتمد أسلوب التقنين التدريجي، وعدم فتح تخصصات تعاني من البطالة، حيث زادت الشروط والقيود على فتح أي تخصص جديد في أي من الجامعات الفلسطينية، ما لم يكن السوق بحاجة له فعلا.
سوء تخطيط
وانتقد الخبير الاقتصادي، هيثم دراغمة، سوء التخطيط في المجال العملي والتعليمي وغيره لدى مؤسسات الدولة، مؤكدا أن عدم الاعتماد على التخطيط في شتى المجالات هو بحد ذاته تخطيط للفشل.
وأضاف: إن كان التخطيط موجود فعلا، فلماذا هذه الفجوات الواسعة في الأرقام؟ ولماذا لا توجه وزارة التعليم الجامعات وفق احتياجات السوق؟ لماذا لا نلمس تنسيقا حقيقيا بين الوزارات لتفادي هذه المشاكل؟
ودلل دراغمة على حالة التخبط بأن وزارة التربية والتعليم منحت قبل أشهر قليلة، رخصة لجامعة محلية لفتح قسم جديد في طب الأسنان، "دراسات عليا"، رغم تأكيدات الخبراء الاقتصاديين على وجود فائض كبير عن حاجة السوق، في هذا التخصص، إضافة إلى إصدار نقابة طب الأسنان في ذات الفترة بيانا توضح فيه وجود ارتفاع كبير في نسبة البطالة لدى أطبائها، متسائلا "لماذا وافقت الوزارة على فتح قسم آخر؟!
التعيينات في الحكومة محدودة
وفي الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزارء، د. رامي الحمد الله، نهاية العام الماضي، عن توجه الحكومة لتخفيض التعيينات والترقيات، فقد وصل عدد الطلبة في فلسطين نحو مليون طالب، وحوالي 40 ألف خريج سنويا، في حين أن نسبة التعيينات أساسا لا تزيد عن ألفي تعيين، حسب دراغمة.
وحذر دراغمة من أن انتشار البطالة بهذا الحجم بين فئة الشباب المتعلم والمثقف، قد تؤدي إلى أضرار اجتماعية ونفسية أبعد من ذلك، وقد تؤثر على تماسك المجتمع والبنية الاجتماعية، وأكبر دليل حوادث النصب والسرقة والجرائم، وآفة المخدرات والاتجار بها، التي باتت ظاهرة شبه يومية في المجتمع، وهي نتاج أزمة نفسية واجتماعية متراكمة، سببها البطالة.
ودعا دراغمة الحكومة الفلسطينية، ومؤسساتها للعمل على إيجاد أرضية ملائمة للعمل المهني، وفتح استثمارات جديدة، ووضع خطط اقتصادية، واستراتيجة لها علاقة بخلق تنمية مستدامة، والضغط على الدول المناصرة ودولة الاحتلال لأخذ حقوق الفلسطينيين في منطقة الأغوار، مراهنا على أن الاستثمار في هذه المنطقة سيحد بشكل كبير من البطالة، إضافة إلى خلق مشاريع صغيرة حيث لا يتجاوز استثمار الحكومة فيها 300 مليون دولار، وختم دراغمة حديثه قائلا: الحل لم ولن يكن بإجهاد المواطن أو الخريج أو العامل، وتحميله ما لا طاقة له به، الحل أولا وأخيرا بالتخطيط الصحيح وهذا بيد الدولة ومؤسساتها فقط لا غير".