رئيس التحرير
لم تُخف أي من البنوك الحالية العاملة في السوق الفلسطينية، أو تلك التي تخارجت خلال سنوات مضت أو اندمجت في كيانات أخرى، أن فلسطين بيئة عمل عالية المخاطر، وربما هي إحدى مبررات ارتفاع أسعار الفائدة على الإقراض.
هذه المخاطر على اختلافها، مهدت بشكل أو بآخر إلى إعادة بنوك لحسابات تواجدها في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وربما كليهما، والإبقاء على نشاطها في بيئة أكثر استقرارا خارج فلسطين.
في 2009، كان يعمل في السوق المصرفية الفلسطينية 18 مصرفا محليا ووافدا، منها 10 بنوك وافدة و8 بنوك محلية، برأسمال مدفوع 700 مليون دولار وودائع لا تتجاوز 5.6 مليارات دولار، وصافي ربح 104 ملايين دولار.
لكن تعليمات لاحقة لسلطة النقد الفلسطينية صدرت عام 2015، برفع رأس مال البنوك من 50 مليون دولار إلى 75 مليون دولار، ثم قيام المصارف بزيادة رأس مالها صوب 100 مليون دولار، كان سببا في تقليص عددها في السوق المحلية.
اليوم يبلغ عدد البنوك في السوق المحلية 13 مصرفا محليا ووافدا بواقع 6 بنوك وافدة و7 محلية، برأسمال مدفوع 1.2 مليار دولار وودائع 14 مليار دولار، وصافي ربح 176 مليون دولار في 2019.
وليس سراً بأن القطاع المصرفي يستمد ثقته الخارجية بالبنوك الوافدة، أكثر من الثقة بتواجد سلطة النقد الفلسطينية، والتي تعرضت في أكثر من مناسبة رفقة القطاع المصرفي لعمليات تشويه إسرائيلية.
لذلك، فإن تراجع عدد البنوك الوافدة هو مؤشر سلبي في جانب مهم من العلاقة بين القطاع المصرفي والبنوك المراسلة حول العالم.. وليس أوضح من مثال بنوك غزة غير المرخصة، التي تلخص شكل القطاع المصرفي دون ثقة البنوك المراسلة، إذ لا تعدو عن كونها شركات صرافة.
صحيح أن البنوك الوافدة تمثل حاليا 46% من القطاع المصرفي المحلي، لكن ظهرت مؤخرا بوادر على تخارج بنوك وافدة أخرى من السوق، وعددها ثلاثة من أصل ستة، ما يعني إمكانية تراجع النسبة إلى 30% بدلا من 46%.
ولم ترق محادثات كانت حتى وقت قريب، بين بنوك وافدة وأخرى محلية على الاندماج أو الانفصال عن إداراتها العامة والتحول إلى بنك محلي، إلى مفاوضات، بل كانت اقرب إلى "استمزاج آراء"، لكن أيضا ذلك يعني أن نية التخارج حاضرة في أذهان مجالس إدارات تلك البنوك.
البنوك الوافدة المتخارجة، يبدو أنها نفذت -عن قصد أو لا- إحدى تعليمات بازل، وهي تجفيف المخاطر أو (De-Risking)، بالتخارج من السوق الفلسطينية عالية المخاطر وهو ما يدور في أذهان بعضها حاليا، لكن الأكيد أن البنوك المراسلة لن تكون بنفس الحماس (الفاتر أصلا) في التعامل مع القطاع المصرفي.
لطالما أشاد صندوق النقد الدولي بمتانة الجهاز المصرفي الفلسطيني وامتثاله للتعليمات الدولية المتعلقة بغسل الأموال ومكافحة الإرهاب، لكن البنوك المراسلة تثق أكثر بما يجري على الأرض؛ وإن تراجع البنوك الوافدة مبعث قلق بالنسبة لها.
ويبدو أن الضغوط الأخيرة التي يواجهها القطاع المصرفي، ازدادت، ليس بداية من قضية البنك العربي ولا انتهاء بحسابات الأسرى والبنك الحكومي الجديد (الاستقلال)، مرورا بقضايا مرفوعة ضد ثلاثة بنوك عاملة في فلسطين بالمحاكم الأمريكية.
الأكيد أن 18 مصرفا كانت فائضة عن حاجة السوق، وحتى 13 مصرفا الحالية، لكن التحدي الأبرز هو تقوية ثقة البنوك المراسلة بالقطاع المصرفي حتى لا يأتي يوم ويكون أقرب لشركات صرافة منه لبنوك.