المحامي صهيب الشريف
بقلم المحامي صهيب الشريف
يلجأ المشغل - سواء كان شركة أو صاحب عمل - عند اختيار فريقه وموظفيه للتعاقد معهم إما من خلال عقود عمل تخضع الطرفين لأحكام كلٍّ من العقد وقانون العمل، أو من خلال عقود مقاولة تخضع الطرفين لأحكام العقد دون قانون العمل.
وتجدر الإشارة إلى أن لكل تعاقدٍ مزاياه وعيوبه، إذ أن تعاقد المشغل من خلال عقود العمل يضمن له بسط سيطرته وهيمنته على نشاط العامل، ويمنحه صلاحية واسعة – ومتفردة غالباً - يستطيع من خلالها رسم شروط العمل وحدوده، ويتجسد ذلك بصلاحية الإشراف والتوجيه والرقابة والمحاسبة على الأداء، وفقاً لتعريف قانون العمل الفلسطيني للعامل بأنه " هو الذي يؤدي عملاً تحت إدارة صاحب العمل وإشرافه"، على خلاف التعاقد من خلال عقود المقاولة، والتي لا يشترط فيها أن يعمل المقاول تحت إدارة صاحب العمل وإشرافه، إذ تنحصر مساءلته عن النتيجة ( لا يخلو عقد المقاولة من رقابة المشغل، إلا أن ما يميز الرقابة في عقد المقاولة أنها ترد غالبًا على نتائج العمل، ويستقل المقاول - بصورة عامة - في طريقة تنفيذ وإنجاز العمل).
ولعل من أهم مزايا التعاقد المشغل من خلال عقود العمل هي تحقيق الأمان الوظيفي للعمال باعتبارهم الركن الأساسي للمنشأة ورافعتها الرئيسية، بما ينعكس إيجاباً على قدرة المشغل على إدارة عمله وفق رؤيته وإدارته واشرافه، أما عيوب هذا التعاقد فيكمن في صعوبة إنهاء التعاقد وتكلفته على المشغل تبعاً للحقوق المستحقة والتعويضات الواجبة استناداً لقانون العمل.
ومن مزايا تعاقد المشغل من خلال عقود المقاولة تكمن في تحقيق أفضل للنتائج المرجوة، وعدم تحمل أعباء مالية يمكن الاستغناء عنها، إذ يكون المقابل المالي وفقاً للإنجاز في تحقيق الأهداف، أما عيوب هذا التعاقد، فتكمن في غياب الولاء وعدم القدرة على التدخل في كيفية إنجاز العمل، مما يحول بشكل أو بآخر دون تحقيق هوية ورسالة المشغل.
من الجدير ذكره، أن المحكمة "المختصة " وعند نظرها الخلاف حول العقد ما إذا كان عقد عمل أو عقد مقاولة تكون هي صاحبة الصلاحية في تفسير العقود وتسميتها. ولقد استقر الفقه والقضاء على أن عقد العمل سواء كان شفوياً أو كتابياً يعتمد على أمرين: أولهما تبعية العامل لرب العمل، وثانيهما حصوله على أجر مقابل عمله، وإن التبعية تعني أن يضع العامل نفسه في خدمة صاحب العمل (في حدود العمل المرسومة له وليس بشرط أن يتتبع صاحب العمل العامل باستمرار وهو يقوم بعمله) بحيث ينفذ العمل وفق تعليماته وأوامره وتحت إدارته وإشرافه، ويكون لصاحب العمل هيمنة على نشاط العامل أثناء تنفيذ العقد، وله الحق في أن يرسم له طريق العمل وحدوده ويخضعه لرقابته ومحاسبته على عمله.
أما عقد المقاولة – حسب محكمة التمييز - هو عقد يتعهد به أحد الطرفين أن يصنع شيئاً أو يؤدي عملاً لقاء أجر يتعهد به الطرف الآخر. وأن ما يميز عقد العمل عن عقد المقاولة هو علاقة التبعية أو الخضوع؛ فإذا أخذ الموظف العمل تحت مسؤوليته من غير أن تكون عليه أية رقابة فإنه يكون مقاولاً.
يبقى ختاماً أن نشير إلى أن ثمة أمور – برأيي - على المشغل مراعاتها عند اختياره لنوع التعاقد، (التعاقد من خلال عقد العمل أو عقد المقاولة) هي:
نوع العمل: فإذا كان العمل المطلوب إنجازه هو أساس وجوهر عمل المشغل وهويتها عندها يفضل التعاقد من خلال عقد العمل لا المقاولة (لضمان التبعية وحق الإشراف والتوجيه)، أما إذا كان العمل المراد إنجازه تكميليًا لعمل المشغل فعندها يكون التعاقد من خلال المقاولة أفضل للمشغل.
مدة العمل : فإذا كان العمل المطلوب إنجازه يتطلب مدة طويلة فالأفضل اختيار التعاقد من خلال عقد العمل لا المقاولة، أما إذا كانت مدته قصيرة ومحددة فمن الممكن أن يكون التعاقد من خلال عقد المقاولة أفضل للمشغل.
القدرة المالية: فإذا كان المشغل في بداية انطلاقه وتشغيله ولديه إمكانيات مالية محدودة، عندها يمكن البحث بالتعاقد من خلال عقد المقاولة وليس عقد العمل لغايات تخفيض النفقات وضمان استمرارية المشغل.
الميزة المطلوبة : فإذا كان العمل المطلوب إنجازه فنيّ ويحتاج إلى مؤهل متخصص وخبرة "شخصية ومعرفية" عندها يفضل التعاقد من خلال عقد العمل لا المقاولة، أما إذا العمل المطلوب إنجازه عمل عادي غير متخصص ومتوفر لدى سوق العمل، ممكن أن يكون التعاقد من خلال عقد المقاولة أفضل للمشغل حينها.