رام الله- نابلس- الاقتصادي- وفاء الحج علي- قبل سنوات، ليست بعيدة، كان الناس ينتظرون موسم قطف الزيتون بلهفة، فطالما ارتبط الموسم بكرمه وخيره واعتدال مناخه وجمعة العائلة للعمل سويًا... ففي هذه الأوقات من كل عام اعتدنا أن نشاهد قاطفي الزيتون، على جنبات الطريق، يفرشون أراضيهم بقطع بلاستيكية (مفارش)، ويحضرون سلالمهم، ودوابهم، ليبدؤوا حصاد العام.
الشباب يقاطعون الزيتون
علي عبد السلام أحد المزارعين الذين يملكون مساحات لا بأس بها من الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون، (أو كما يحب أن يطلق عليها الغرسات)، ولد وعاش في قرية بمحافظة نابلس.
هو رجل اشتهر في القرية بحبه لأشجار الزيتون الخاصة به، والتي رعاها منذ صغره، فهو يقول: "لا أجيد فعل شيء غير هذا، فطالما ربطتني علاقة ودّ غريبة بكل غرساتي، وكرست جزءًا كبيرًا من حياتي للعناية بها".
لكن علي، الذي يبلغ من العمر الـ68، لم يعد يقوى على الاعتناء بـ"صغيراته" مثلما اعتاد في شبابه، ورغم أن لديه من الأولاد 8 إلا أن "كل منهم انصرف إلى مشاغله الخاصة، ولم يعد يريد قطف الزيتون أو حتى زيارته".
ويضيف علي: "يحزنني أن أرى كل هذا الثمر يذهب هباءً منثورًا، وأشعر كأن الأشجار تنادي وتقول هأنا ذا ما زلت أكرمكم وأطعمكم، لكن لا أحد يسمع، فأولادي فضلوا الاتجاه نحو العمل في الوظائف والأعمال التي تدر مالاً أوفر وتتطلب جهدًا أقل".
لماذا فضلوا الوظائف والأعمال الأخرى؟
يبين حسن، ابن المزارع علي، والبالغ من العمر 30 عامًا، أنه لا يستطيع ترك عمله في "بركان"، كي يقطف الزيتون، ويضيف: "نملك قرابة الـ1200 غرسة زيتون، أي ما يعادل ثلاثة شهور من العمل اليومي (7 أيام في الأسبوع)، إذا كان الموسم جيدًا، وهذا من دون أن نحسب الأيام التي لا نعمل خلالها بسبب الأمطار".
هذا يتطلب منه أن يهجر عمله مدة 3 شهور للالتزام بقطف الزيتون، الأمر الذي حتمًا سيكلفه عمله.
ويتابع حسن: "ما نجنيه خلال 3 شهور من قطف الزيتون يعادل شهرية واحدة من عملي في بركان، كما أن القطف لا يستمر طوال العام على عكس عملي الآخر".
ماذا يحلّ بالزيتون بعد هجرانه؟
كثير من الفلسطينيين يعانون من المشكلة ذاتها، فبات الفلسطيني حائرًا بين حبه لأرضه وحاجته للتحضر الذي فرض نفسه على حياتنا.
عبد اللطيف الزغب مسّن فلسطيني مغترب منذ ما يزيد عن نصف قرن، يعاني من المشكلة ذاتها، فهو يملك من أشجار الزيتون الكثير، إلا أنه يفتقر لمن يرعاها، ويوضح: "كنت قبل أعوام أهاتف أي فرد من العائلة ليبحث لي عن من يتولى قطف أشجاري مقابل نسبة من الحصاد، وكان الناس يتهافتون على القطف مقابل النصف أو الثلث، لكن اليوم أعاني قبل أن ألقى من يأخذ الأشجار، وفي بعض السنوات اضطررت لهجران الحصاد لأنني لم أجد من يقطفها.
ويبين الزغب أن السبب في ذلك يعود، حسب ما يرى، "إلى التغير الدراماتيكي الذي طرأ على حياة الفلسطيني، الذي لم يعد يرى أن خدمة الأرض تستحق تعبها وتكافئ اليد التي ترعاها".
ويضيف: "للأسف، عندما تترك الثمار على أمه (على الشجر)، فهو إما يُسرق من الأطفال الذين يبحثون عن بعض الشواقل، وذلك إن كان في مناطق قريبة وسهلة، أو يسقط عن الشجر ويبقى على الأرض حتى يصبح جزءًا منها".
ويوضح الزغب أنه عندما طلب من أبناء أخيه الاعتناء بأشجاره، اعتذروا لانشغالهم بوظائفهم المكتبية التي تضطرهم للعمل منذ الصباح حتى المساء.
ويتابع: "يبدو أن الاحتلال لم يعد العامل الوحيد الذي يبعدنا عن أشجارنا التي زرعها أجدادنا، فالحياة سريعة وأشغلتنا عن كل ما كان في السابق أولوية لنا".