وكالات - الاقتصادي - في خزانة داخل مختبر متواضع في وسط العاصمة واشنطن، توجد رفوف ورفوف من عينات الحبر في زجاجات ضغط بلاستيكية وقوارير زجاجية صغيرة.
بالنسبة للأشخاص العاديين، تمثل مجرد مجموعة من السوائل الضاربة إلى السواد ذات أسماء غريبة مثل "الإسفنج المتعفن" أو "العشب الأخضر".
لكن بالنسبة إلى عملاء جهاز الخدمة السرية الأمريكي الذين يستخدمون العينات، فإنها تمثل مفاتيح وأدلة يمكن أن تسهم في إنقاذ الرئيس الأمريكي من محاولة اغتيال أو توقيف عصابة تزييف أو تحدد هوية قناص بالعاصمة.
وفي تقرير نشرته وكالة "أسوشيتد برس"، الأمريكية، قالت إن مكتبة الحبر داخل المختبر تضم أكثر من 15 ألف عينة من أحبار الأقلام وأقلام التحدي والطابعات التي تعود إلى عشرينيات القرن العشرين.
وأشارت إلى أن هذه المجموعة ثمرة جهد رجل واحد، هو أنطونيو كانتو، وهو محقق مشهور وكبير الكيميائيين السابق في جهاز الخدمة السرية الذي بدأ في جمع العينات في الستينيات، وتوفي بشكل مفاجئ العام الماضي، وأطلق جهاز الخدمة السرية مؤخراً اسمه على المختبر تكريماً له.
وأوضحت أن المكتبة تتعامل مع رسائل التهديد، والوثائق المزيفة ورسائل الفدية والتذكارات، وأن جهاز الخدمة السرية لا يحمي الرئيس فحسب، بل يحمي أيضاً المسؤولين البارزين الآخرين.
في السياق، قال سكوت والترز، وهو محلل جنائي عمل لأكثر من عقدين مع كانتو: "منذ نحو 15 عاماً بدأنا نسمع، هذا سوف يندثر، والجميع يستخدمون أجهزة الكمبيوتر، لكن هذا ليس صحيحاً. الكتابة بخط اليد، المستندات المكتوبة لا تزال جزءاً كبيراً من التحقيق".
ووفقاً للوكالة اضطلع كانتو بدور ريادي في علم تحديد عمر الكتابة (الوثائق أو النقوش)؛ حيث يحدد العلماء متى تم إتاحة الحبر لأول مرة للجمهور. لذلك، على سبيل المثال، عندما ورد استفسار مؤخراً حول خطاب يُزعم أن أبراهام لينكولن كتبه، يمكن لعلماء المعمل إجراء فحص لمعرفة ما إذا كان الحبر يعود إلى القرن التاسع عشر أو القرن العشرين.
يعد المعمل واحداً من العديد من الأقسام التابعة لفرع المستندات في الخدمة السرية، وهو مسؤول أيضاً عن تحليل خط اليد وتوثيق المستندات، ويتعامل مع ما يصل إلى 500 حالة سنوياً.
ويعمل الفرع على تحقيقات جهاز الخدمة السرية، بالإضافة إلى تحقيقات التزوير والاحتيال، ويساعد وكالات إنفاذ القانون في جميع أنحاء البلاد وفي جميع أنحاء العالم.
وتعامل مع العديد من القضايا، وفي إحداها قام أحد حراس الحدود في مدينة نيويورك بتزوير أكثر من 10 رسائل عنصرية ومسيئة إلى ضباط شرطة ومراسل. وأظهرت وثائق المحكمة، كما اتضح أن الحارس كان يحاول التآمر على معالج بالتدليك بسبب نزاع غريب.
وفي قضية أخرى، قام مساعد فنان شهير بتزوير مستندات تقول إن بعض القطع هي أعمال أصلية قدمها له الفنان وكان لديه الحق في بيعها، لكنها كانت مسروقة.
ومن بين القضايا الكبرى، واقعة القناص الذي يطلق النار على المارة في واشنطن عام 2002، ما أسفر عن مقتل 10 أشخاص وإصابة 3 بجروح خطيرة؛ حيث كان يترك بطاقات تاروت، بينها ورقة كُتب عليها بخط يده، وقام كانتو وفريقه بتحليل العينات وساعدوا في حل القضية.
متذكراً عمله في تحليل وثائق من هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، قال والترز "يمكنني أن أشم رائحة وقود الطائرة".
وتذكرت زميلة أخرى، هي كاثلين ستورير، تقاعدت مؤخراً، قضية عملت فيها على تحليل رسالة تهديد أدت إلى مقاضاة رجل كان سيدلي بشهادته فقط باستخدام كيس ورقي فوق رأسه.
وبعد وفاة كانتو، بحثت ستورير في أكثر من 16 صندوقاً من الكتب حصل عليها تشمل عناوين على غرار "قصة صناعة الورق"، "ما هو الخشب؟" و"صناعة اللب والورق"، واختارت مجموعة صغيرة تضمها إلى قسم الوثائق المشبوهة فيها.
وقالت إن مساهمة كانتو في هذا المجال لا تقدر بثمن، والناس كانوا يأتون إلى الخدمة السرية لمجرد العمل معه، لأنه كان طيباً وصبوراً ومتواضعاً للغاية، ويحب تعليم الآخرين، والتحقيق كان شغفه.