وكالات - الاقتصادي - تتحول المدن إلى مكان بائس أثناء موجات الحر، حيث يمتص الإسفلت والخرسانة أشعة الشمس، ما يتسبَّب في ارتفاع درجات الحرارة أكثر مما هو معلن بكثير. كما تقف المباني الشاهقة عائقاً أمام نسمات الهواء البارد، بينما تزيد عوادم السيارات ومكيّفات الهواء الوضع سوءاً.
تُعرف هذه الظاهرة بحسب صحيفة The New York Times الأميركية باسم «تأثير الجزر الحرارية الحضرية«، حيث تتسبب البيئة العمرانية في ارتفاع درجات الحرارة بدرجتين إلى خمس درجات فهرنهايت خلال فترات النهار، مقارنة بالمناطق الريفية المحيطة بها، في حين يصل هذا الفارق إلى 22 درجة فهرنهايت خلال الليل، مقارنة بنفس الأماكن الريفية.
وقد تحوَّل هذا الارتفاع غير المعقول في درجات الحرارة إلى أزمة عالمية تؤثر على صحة الإنسان. ففي المتوسط، يلقى قرابة 650 أميركياً حتفهم لأسباب تتعلق بارتفاع درجات الحرارة. وحسب ما أعلنته مراكز مكافحة الأمراض واتقائها، فمن المتوقع أن يُزيد الاحتباس الحراري الأوضاع سوءاً.
خلال السنوات الأخيرة، سعى مخططو المناطق الحضرية لإيجاد استراتيجيات مبتكرة لمكافحة تأثير الجزر الحرارية الحضرية، بهدف توفير الراحة لسكان هذه المدن، ومحاولة حماية الأشخاص الذين قد تتسبب درجات الحرارة المرتفعة في وفاتهم. وقد قال الأستاذ في قسم التخطيط الإقليمي والمدن في معهد جورجيا التقني، براين ستون جونيور، إن «سكان المدن عليهم أن يدركوا أن لديهم القدرة على تغيير مناخ المدينة».
وفيما يلي، نظرة على بعض الأفكار الواعدة التي تسعى المدن في جميع أنحاء العالم إلى تطبيقها، بهدف التغلب على الحرارة المرتفعة:
أدت موجة حارة مستمرة في مدينة دالاس الأميركية إلى ارتفاع درجة الحرارة إلى أكثر من 105 فهرنهايت، ما دفع المتطوعين إلى الانتشار في المنطقة المجاورة للمدينة، أوك كليف، ذات المستوى المعيشي المنخفض، وتعاونوا مع سكان المنطقة من أجل زراعة 1000 شجرة جديدة حول المدارس والمنازل.
لا توفر الأشجار للمدن الساخنة الظلَّ فحسب، بل يعمل الماء الذي يخرج من أوراقها على جعل الطقس في المناطق المحيطة أقل حرارة بعدة درجات، خاصة عندما تكون درجات الحرارة مرتفعة جداً.
في الوقت ذاته، تمتص أوراق الأشجار المواد الملوثة من الهواء، وتعمل على تنقيته. وتعتبر هذه ميزة رائعة، حيث إن الأدخنة والضباب قد تتسبب في ارتفاع حرارة الطقس في المناطق الحضرية، ما من شأنه أن يصيب الأشخاص بالربو وأمراض أخرى.
أحد أكثر الأسباب التي جعلت المدن أكثر سخونة من المناطق الريفية، هو أن كل ما فيها مكسو باللون الأسود، بما في ذلك الأسطح والطرق ومواقف السيارات. ويعمل اللون الأسود على امتصاص الحرارة والاحتفاظ بها. وخلال السنوات الأخيرة الماضية، عمل مهندسو المدن على طلاء تلك المساحات المكسوة بالأسود بمواد فاتحة اللون وعاكسة للحرارة.
في دراسة حديثة، أكد الأستاذ في معهد جورجيا التقني، ستون الابن، أنه حتى عام 2050، من الممكن أن تقلل هاتان الآليتان من حالات الوفاة المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة بسبب الاحتباس الحراري، خاصة في فيلادلفيا وأتلانتا وفينيكس.
قد تختلف فاعلية هذه الأسطح المطلية بمواد عاكسة من مدينة لأخرى. فخلال عام2014، أجرى الأستاذ في جامعة أريزونا، ماتي جورجسكو، دراسة بيَّن فيها كيف يمكن لانتشار استراتيجية طلاء الأسطح أن تقلل بالفعل من درجات الحرارة بصورة ملحوظة، في مدن مثل واشنطن ونيويورك.
في المقابل، إن طلاء الأسطح بهذه المواد العاكسة في ولاية فلوريدا سيكون له تأثير بسيط جداً على درجات الحرارة، ومن المحتمل أن يقلل من نسب هطول الأمطار في الولاية.
أشار جورجسكو في دراسته إلى أن «كل مدينة مختلفة عن الأخرى، وما زال أمامنا الكثير لكي ندرك الحلول المناسبة لكل منها». ولكن بعض المدن لا تستطيع الانتظار، فعلى سبيل المثال عانت مدينة طوكيو اليابانية من موجة حر غير مسبوقة هذا الشهر، ومن الواضح أن الطقس لن يكون مناسباً خلال دورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2020. وبناء على ذلك، شرعت المدينة في استبدال الإسفلت بآخر نافذ للسوائل، يمكنه الاحتفاظ بكمية كبيرة من المياه، كما طلت قرابة 50 ميلاً من الطرق العامة بطلاء جديد عاكس للحرارة، بما في ذلك الطرق المخصصة لسباق الماراثون.
يأمل اليابانيون أن تسهم هذه المواد في تخفيض درجة حرارة الطرقات بنحو 10 درجات كاملة أو أكثر. ومع ذلك، لن يكون ذلك كافياً، لهذا السبب اقترح بعض الباحثين أن تُجرى منافسات الماراثون خارج طوكيو؛ حفاظاً على سلامة الرياضيين.
عندما ترتفع درجات الحرارة، تصبح الشبكة الكهربائية تحت ضغط شديد، وتبدأ خطوط الكهرباء في التلف بسبب الحرارة، ويمكنها أن تؤذي أحداً إذا لامست الأرض أو أوراق الأشجار القريبة. ويحذر العلماء من أن الاحتباس الحراري قد يزيد من هذه المخاطر في المستقبل.
ماذا عن بعض الحلول الممكنة؟ قال سانتياغو كارلوس غريغالفا، وهو أستاذ هندسة كهربائية في جامعة جورجيا للتكنولوجيا، إن «الشبكات الأكثر ذكاء وأدوات التنبؤ الجديدة، يمكن أن تساعد محطات توليد الطاقة الكهربائية على الاستعداد لموجات الحر، من خلال استخدام أدوات تحكم إلكترونية لتبريد المباني قبل ارتفاع درجات الحرارة في فترة ما بعد الظهيرة، ومن ثم يتم إطفاء الأجهزة الإلكترونية غير الضرورية عند زيادة الطلب على الطاقة».
أورد ديفيد سايلور، وهو أستاذ في مجال التخطيط المدني في جامعة أريزونا، أنه يمكن أن نجعل مبانينا أكثر قدرة على المقاومة.
كان سايلور يعمل على استكشاف إمكانية استخدام أدوات حديثة من شأنها امتصاص الحرارة الزائدة عن طريق الذوبان، وهذا بدوره سيساعد في الحفاظ على درجة حرارة ملائمة في الفضاءات الداخلية. ويمكن لهذه الأدوات أن تقلل من الطاقة اللازمة للتبريد، أو تمنع ارتفاع درجات الحرارة في المنزل في حال انقطاع التيار الكهربائي.
لقد برهن الدكتور سايلور مؤخراً على السبب الذي يجعل هذه التكنولوجيا ذات قيمة كبيرة، فبعد ساعات قليلة من حديثنا خلال الأسبوع الماضي، انهار نظام التبريد في مبنى الحرم الجامعي في تمبي، أريزونا، وفي غضون 90 دقيقة، ارتفعت درجات الحرارة داخل الحرم إلى 85 درجة.