وكالات - الاقتصادي - رغم أن العالم كله يتجه إلى التعامل عبر الكروت الذكية التي تمنحها البنوك لعملائها؛ من أجل التسهيل على العملاء، أو ربما هذا الإجراء أكثر أمناً مِن حمل نقودهم كاشاً، لكن السويديين يرفضون هذا الإجراء ويقلقون أيضاً منه؛ بسبب نسبة المخاطرة من المحتالين. وبحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، فإن عدداً من السويديين قلقون من توجُّه بلادهم السريع نحو مجتمع خالٍ من النقد الكاش؛ خوفاً من سيطرة الحكومة على أموالهم، أو على الأقل من القراصنة والمحتالين. ويقول معظم السويديين إنهم يدبرون أمورهم دون الحاجة إلى النقد، في حين تتزايد أعداد المحلات والمقاهي التي غدت ترفض الأوراق النقدية وقطعها المعدنية؛ نظراً إلى التكلفة والخطورة التي تنطوي عليها. لكن النقاد وحتى فترة قريبة، كانوا يجدون صعوبة في أن يلقوا آذاناً مصغية، بحسب الصحيفة البريطانية. كريستيان أنغستروم، العضو السابق في البرلمان الأوروبي عن حزب القراصنة، وهو من أوائل المعارضين لاقتصاد خالٍ من النقد الكاش، يقول: “إن الحكومة السويدية حكومة لطيفة، ونحن محظوظون -بما فيه الكفاية- بأن معظم حكوماتنا على مدار الأعوام الـ100 الأخيرة، كانت لطيفة”. ويتابع: “في البلدان الأخرى، ثمة وعي أكبر بأن الحكومة لا يوثق بها قط، أما في السويد فمن الصعب تأليب الشعب”. لكنَّ ثمة بوادر توحي بأن التغيير قادم، ففي فبراير/شباط 2018 حذر رئيس البنك السويدي المركزي من أن بلاده قد تواجه قريباً وضعاً تتحكم فيه بنوك القطاع الخاص بالمدفوعات كافة.
ماذا لو حدثت حرب؟
وقد دعا ستيفان إنغفيس، حاكم مصرف Riskbank، إلى سن قوانين وتشريعات جديدة لإحكام سيطرة القطاع العام على نظام المدفوعات، مشيراً إلى أن القدرة على أداء المدفوعات وتسلُّمها هو “صالح عام” شأنه شأن الدفاع والمحاكم القضائية أو الإحصاءات العامة، وقال: “لن يشعر معظم المواطنين بالراحة في حال سُلِّمت هذه الوظائف الاجتماعية إلى عهدة الشركات الخاصة”، بحسب الصحيفة البريطانية. وتابع: “ينبغي أن يكون واضحاً أن جاهزية السويد ستضعف في حال –مثلاً- شبَّت أزمة حرب جدية ولم نكن قد اتخذنا القرار بعدُ بالكيفية التي ستدفع بها المنازل والشركات لقاء الوقود والمؤن وغيرها من الحاجات”. تعليقات مسؤول البنك المركزي هذه، تسهم في إبراز دواعي القلق الأخرى للعيان إزاء مجتمع بلا نقد، حسب قول بيورن إيريكسون، (72 عاماً)، الذي كان مفوض شرطة وطنية سابقاً وهو الآن قائد مجموعة تدعى “ثورة الكاش-Kontantupproret”.
يقول إيريكسون إن مجموعته يُنظر إليها على أنها صوت كبار السن والمتأخرين تقنياً. يقول: “عندما يكون لديك نظام رقمي بالكامل فعندها لا يكون بيدك سلاح لتدافع به عن نفسك في حال أغلق أحدهم هذا النظام”، بحسب الصحيفة البريطانية. ويتابع: “في حال غزا بوتين جزيرة غوتلاند (كبرى جزر السويد)، فيكفيه أن يغلق نظام المدفوعات. لا دولة أخرى سيخطر ببالها التفكير في مثل هذه المخاطر؛ بل ستطلب نظاماً من النوع التماثلي“. بهذا الشكل، فإن السويد بعيدة عن مفهومها الشهير Iagom الذي يعني “القدر الكافي وحسب”، فبدلاً عنه نراها أقرب إلى مفهوم “التطرف 100%”، حسب قول إيريكسون؛ لأنها تضع ثقة كبيرة جداً بالبنوك. يقول: “إن هذه مسألة سياسية. إننا نضع هذه القرارات بيد 4 بنوك رئيسية تشكل احتكاراً في السويد”، بحسب الصحيفة البريطانية. ما من نظام مبنيٍّ على التكنولوجيا معصوماً عن الأعطال والتزوير، حسب قول ماتياس سكاريتش (29 عاما) وهو مستشار أمن رقمي؛ مع ذلك تنقسم السويد إلى فريقين؛ أولهما يقول “نحن نعشق التكنولوجيا الحديثة”، في حين الآخر لا يأبه ولا يكترث بها، ويمضي سكاريتش ليقول: “من السذاجة الظن أن بوسعنا التخلي كلياً عن الكاش، والاعتماد على التكنولوجيا بدلاً منه”، بحسب الصحيفة البريطانية
القراصنة نجحوا مؤقتاً
ويشير سكاريتش إلى مشكلات في المدفوعات بالبطاقات الائتمانية واجهها بنكان سويديان خلال العام الماضي (2017)، وكذلك إلى مشكلات في نظام Bank ID، وهو نظام تفويض رقمي يمكّن الناس من التعريف عن أنفسهم باستخدام هواتفهم بغرض أداء المدفوعات. وقد تعلَّم المحتالون فعلاً سبلاً لاستغلال خصائص النظام، بغية سلب مبالغ مالية كبيرة من الناس؛ بل وحتى سلب مبالغهم التقاعدية. يقول سكاريتش إن أفضل ما يمكن قوله عن الوضع، هو أننا لسنا على القدر الذي نظنه من الأمن، أما أسوأ ما يمكن قوله فهو أن بِنيتنا التحتية المعلوماتية تعاني ضعفاً في نظامها، بحسب الصحيفة البريطانية. ويتابع: “نحن محظوظون؛ لأن من يعرفون كيف يقرصنون تلك النظم هم حالياً على الطرف الصالح، لكننا لا ندري كيف ستسير الأمور؛ إذ ليس سهلاً في يومنا، هذا الاعتداء على الأجهزة، ولكن لعله يغدو أسهل في المستقبل”. أما البنوك والمصارف، فتدرك أن المدفوعات الرقمية قد تكون لها مَواطن ضعف تهددها، تماماً كالنقد الكاش. يقول بيير إيكوال، المتحدث باسم Swish، وهو نظام المدفوعات بالهواتف الخلوية الأكثر انتشاراً في البلاد والذي تملكه البنوك السويدية: “بالطبع، ثمة أناس يحاولون إساءة استخدامه، لكنه ليس أكثر ضعفاً من أي طرق أخرى للدفع”، بحسب الصحيفة البريطانية. يقول: “من وجهة نظر كلية، لقد تمكن Swish من جعل العملية أكثر أمناً وأرخص”. ومن وجهة نظر البنوك، فإنه لا معنى لمحاربة توجه ما عندما يكون المستهلكون أنفسهم هم من يمضون نحوه ويشجعونه.
70 % من السويديين يؤيدون الكاش
وبحسب The Guardian، فإن استبياناً للآراء هذا الشهر كشف قلقاً يتنامى بين السويديين، حيث أفاد 7 من كل 10 سويديين بأنهم يودون الاحتفاظ بخيار استخدام الكاش، في حين قال 25% منهم إنهم يريدون مجتمعاً خالياً تماماً من الكاش. وقد عبَّر برلمانيون من اليمين واليسار عن مخاوفهم في جلسة برلمانية انعقدت مؤخراً، حيث يُجري البرلمان بكل أحزابه مراجعةً لقانون تشريعي خاص بالبنك المركزي، سيحقق أيضاً في القضايا الدائرة حول الكاش. من جهته، يرحب حزب القراصنة بتسييس أكبر لهذه القضايا، وجدير بالذكر أن هذا الحزب لمعَ في السويد؛ لمعارضته رقابة القطاعين العام والخاص.
ويشير كريستيان إنغستروم إلى مثال إيرلندا التي يحظر فيها القانون الإجهاض؛ ويقول إنه من السهل جداً على السلطات أن تعرف الإيرلنديات اللاتي قمن بالإجهاض إن كان لدى الدولة القدرة على تعقُّب التعاملات المالية الرقمية كافة. قد تكون حكومة السويد لطيفة نسبياً، بيد أن نظرة سريعة إلى أوروبا تشير إلى أنه لا شيء يضمن كيف ستسير الأمور وتتطور مستقبلاً. يختم إنغستروم ويقول: “إن سيطرتَ على مخدمات بطاقات Visa وMasterCard الائتمانية، فقد سيطرت على السويد. في الوقت الحالي، سيكون علينا الاستمرار في إعطاء نقودنا للبنوك، على أمل ألا تفلس هذه البنوك أو تتعطل”.