رام الله - الاقتصادي - (آفاق البيئة والتنمية) - يتذمر الكثير من المواطنين الفلسطينيين القاطنين بمحاذاة محطات الوقود من الروائح الحادة المنبعثة من المحروقات.
والمثير أن العديد من تلك المحطات تقع بشكل عشوائي داخل الأحياء السكنية، حيث يعاني الأطفال من ضيق التنفس ويشتمون رائحتي البنزين والسولار صباح مساء.
بعض الأهالي القاطنين بمحاذاة محطات الوقود قدموا في السنوات الأخيرة الشكاوى إلى الجهات المختصة أكثر من مرة، مطالبين بنقل هذه المحطات بعيدا عن الأماكن السكنية، حفاظا على صحة المواطنين؛ لكن، نتيجة هذه الشكاوى صفر.
ويبرز مدى الاستهتار بحياة الناس وبالصحة العامة، في أن بعض محطات الوقود الفلسطينية منحت تراخيص إقامتها في الأحياء السكنية، وأحيانا وبمحاذاة المدارس، من خلال الواسطة والمحسوبية.
مصدر الأذى البيئي-الصحي لا يكمن فقط في الانبعاثات الغازية الخطيرة من محطات الوقود، بل أيضا من التلوث الكثيف لأرض المحطات والأراضي المتاخمة لها؛ وذلك بسبب تدفق تركيز مرتفع من منتجات الوقود إلى سطح وباطن الأرض، وبخاصة المركب الكيميائي المسرطن والمعروف باسم "بِنْزِن" (benzene- C6H6).
الأمر المؤسف هو غياب المتابعة والرقابة المنهجية الرسمية المنظمة لمستويات التلوث في البيئة المحيطة بمحطات الوقود في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وذلك للتأكد من عدم تعرض المواطنين في تلك البيئة لمخاطر صحية.
وهنا يجب ألا ننسى بعض الكوارث البشرية والبيئية التي حدثت في السنوات الأخيرة، وأبرزها انفجار محطة النبالي في حي أم الشرايط (بمدينة رام الله) قبل بضع سنوات والتي راح ضحيتها مواطنون وأطفال أبرياء.
عملية تدقيق أجرتها مؤخرا مجلة آفاق البيئة والتنمية، بينت بأن الجهات المعنية (الصحة، البيئة وغيرهما) لا تجري فحوصات مخبرية على عينات من الهواء المحيط بمحطات الوقود.
وهناك شكوك قوية، بأن الهواء المحيط بتلك المحطات يحوي مستويات "بِنْزِين" مرتفعة كما هناك غياب للفحوصات الخاصة بمدى العزل القائم في خزانات الوقود وخطوط الأنابيب.
وتعد مكونات الوقود مواد سامة قد تسبب تلفا للجهاز العصبي المركزي ولجهاز المناعة وللخصوبة.
كما أن مضافات الوقود (مثل مادة MTBE المذابة في الماء) تنتشر لمسافة مئات الأمتار. وتكمن خطورة أبخرة الوقود في الهواء في تفاعل الأخيرة مع بعض المكونات الهوائية؛ ما يولد ملوثات هوائية جديدة، وبخاصة الأوزون.
ومن المعروف علميا أن التعرض للأوزون بمستويات مرتفعة يتسبب في ارتفاع نسبة أمراض الجهاز التنفسي، والأوعية الدموية والقلب، فضلا عن زيادة احتمال الإصابة بجلطة دماغية.
وما يزيد الطين بلة، أن القوانين والأنظمة الفلسطينية المعمول بها لا تمانع في إقامة هذه محطات الوقود داخل الأحياء السكنية.
وحاليا، لا يوجد قوانين مباشرة ملزمة لمنع التلوث الناجم عن محطات الوقود، بالإضافة لقانون ينظم عملية معالجة المواقع التي تلوثت سابقا.
عدد محطات الوقود الفلسطينية التي تحوي نظاما خاصا لمعالجة أبخرة الوقود، بهدف تقليص الكميات المنبعثة أثناء تعبئة خزانات الوقود في المركبات، يكاد يقترب من الصفر.
علما أن دولاً عدة فرضت، منذ سنين طويلة، وضع مثل هذه الأنظمة في محطات الوقود؛ بل إن تراخيص عمل المحطات تلزم وضع أنظمة لمعالجة الأبخرة.
الأبخرة المنبعثة من محطات الوقود تلوث الهواء وتؤذي صحة الجمهور؛ ويهدف النظام المقصود هنا إلى جمع الأبخرة الناتجة أثناء تعبئة خزانات المحطة، وبالتالي إعادتها إلى الخزانات، وذلك في المحطات المجاورة للمنازل والمواقع الحساسة.
الحديث هنا لا يدور فقط حول مواد متطايرة ومسرطنة مثل "البنزن" المتواجد في الوقود، بل أيضا مواد ملوثة أخرى، وتحديدا المعادن الثقيلة السامة، بما في ذلك الرصاص.
حلول
بما أن العديد من محطات الوقود في الضفة الغربية وقطاع غزة تتواجد في وسط سكاني، فيفترض على المدى الاستراتيجي بعيد المدى العمل بشكل جدي على إعادة انتشار هذه المحطات التي تشكل قنابل كيميائية موقوتة تواصل عملية تدمير الصحة العامة والإيكولوجيا في محيطها السكني والبيئي.
لكن، كخطوة فورية أولى، يفترض القيام بمتابعة ورقابة منتظمتين لمدى التلوث الناتج عن هذه المحطات، وتحديدا إجراء فحوصات مخبرية دورية لعينات الهواء والأرض في داخل المحطات وفي محيطها السكني المباشر.
كما يجب على الجهات الفلسطينية المختصة (هيئة البترول، وزارتا البيئة والصحة وغيرها) أن تفرض على أصحاب محطات الوقود تركيب الأنظمة الخاصة بمعالجة أبخرة الوقود في منشآتهم، ولو بشكل تدريجي خلال فترة زمنية محددة.