وكالات - الاقتصادي - مضت 16 ساعة منذ بدأ تراسي لوسكار، وهو مسعف من ألاسكا، دوامه في العمل، والذي يستمر لأربع وعشرين ساعة.
يقول لوسكار "أحب العمل في الليل؛ هناك عدد أقل من الناس في الشارع، والمكالمات الهاتفية متنوعة، والأنماط مختلفة، وهناك عدد أقل من الشركات المفتوحة". ولكن هناك أيضاً مخاطر لليل، بحسب تقرير النسخة الإسبانية من BBC.
ويضيف لوسكار "الليل أكثر خطورة على عدة جبهات؛ فإذا كانت قدرتك على رد الفعل أو الملاحظة أبطأ قليلاً، فإن المخاطر تزداد عندما تعمل، وقد تكون خطرة بالفعل".
ملايين الأشخاص يعملون في الليل في جميع أنحاء العالم، وهناك عدد قليل من الإحصاءات الرسمية، ولكن وفقاً لدراسة أجرتها جامعة برينستون في الولايات المتحدة، فإن ما بين 7٪ و 15٪ من القوى العاملة في البلدان الصناعية منخرطون في شكل من أشكال العمل الليلي.
تعتبر منظمة الصحة العالمية دوام العمل الليلي سبباً محتملاً للسرطان؛ لأن هذا النمط يقطع إيقاعات الساعة البيولوجية.
كيف جاءت دوامات العمل الليلية؟
يقول روسيل فوستر، خبير النوم والأستاذ في جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة "منذ إنتاج أول المصابيح التجارية بواسطة توماس إديسون، كان لدينا القدرة على غزو الليل بتكلفة منخفضة، وكان النوم هو الضحية الأولى".
يضيف "المشكلة الرئيسية هي أن لدينا هذه الساعة البيولوجية الداخلية المبرمجة على أساس العالم الخارجي، نتيجة التعرض لدورة الضوء/الظلام".
يتعرض العاملون الليليون لمستويات منخفضة من الضوء أثناء تحولهم للدوام الليلي، كما يوضح الباحث، ولكن عندما يواجهون الضوء الطبيعي الساطع عند عودتهم إلى ديارهم، فإن الساعة الداخلية تستوعب النمط العادي للضوء/الظلام الذي يحكم حياة العمال النهاريين.
وأضاف "لهذا السبب يجب عليهم باستمرار أن يتجاهلوا هذا النوع من الدوافع البيولوجية لساعتهم التي تقول لهم إنهم يجب أن يناموا".
ولا يهم إذا كان عملك دائماً في الليل، إلا إذا كان بإمكانك ألا تتعرض أبداً للضوء عند انتهاء الدوام أثناء الخروج والعودة إلى المنزل.
ما هي التأثيرات الصحية على جسمك؟
يلاحظ فوستر أن تجاهل الساعة البيولوجية يسبب تنشيط "محور التوتر"، وهي الطريقة التي تؤدي إلى تفاعل جسمك في وضع يسمى الكر والفر.
يقول فوستر: "يتم ضخ الغلوكوز في الدورة الدموية، ويرتفع ضغط الدم، ونضع أنفسنا في حالة تأهب للتعامل مع تهديد محتمل، والوضع ليس كذلك، فنحن نعمل فقط".
يحذر العالم من أن مستويات التوتر المستمر يمكن أن تؤدي إلى أمراض القلب والأوعية الدموية، أو تشوهات الأيض مثل داء السكري من النوع الثاني.
يمكن للإجهاد أيضاً أن يسبب الضرر للجهاز المناعي، والذي يمكن أن يؤدي إلى مستويات عالية من سرطان القولون والمستقيم وسرطان الثدي.
هذه هي الآثار على المدى البعيد، ولكن من الواضح أن نقص النوم يؤثر علينا أيضاً على المدى القصير؛ فالآثار الأكثر وضوحاً هي الشعور بالتعب، وفهم المعلومات بشكل غير صحيح، وعدم فهم علامات السلوك غير اللفظي للآخرين وفقدان التعاطف.
الطعام الصحي
يحذر فوستر من أن الشركات التي يعمل موظفوها في دوام ليلي يجب أن تستعد لتلقي العواقب المستقبلية إذا لم تتخذ جميع التدابير الممكنة لمحاولة التخفيف من بعض المشاكل المرتبطة بهذا النوع من الدوام.
وأضاف أنه بالإضافة إلى إجراء فحوص طبية منتظمة للعمال، يجب عليهم التأكد من تقديم وجبات غذائية صحيّة أثناء نوبات العمل، مثل الفاكهة؛ وذلك لتجنب مخاطر الأمراض القلبية الوعائية والأمراض المتعلقة بالأيض.
أي شخص عمل خلال الليل يعلم أنه ليس من السهل الحصول على الغذاء الصحي؛ وتشير البحوث إلى أن استهلاك الكربوهيدرات يمكن أن يرتفع بين 35٪ و 40٪ بعد أربعة أو خمسة أيام فقط من النوم المحدود، وذلك بسبب ارتفاع مستوى هرمون يسمى غريلين، الذي يجعلنا نشعر بالجوع ويشجعنا على استهلاك الأطعمة المليئة بالسكر والكربوهيدرات.
يقول فوستر "في نهاية المطاف، ليس الأمر جيداً فيما يتعلق بالسمنة أو الظروف المرضية مثل مرض السكري من النوع الثاني".
تكلفة اقتصادية
يقول ماركو هافنر، الخبير الاقتصادي في معهد الأبحاث Rand Europe، إن نقص النوم ليس له فقط تكلفة صحية، بل أيضاً تكلفة اقتصادية.
في المملكة المتحدة، نجد أن قلة النوم يكبّد الاقتصاد حوالي 54 مليار دولار أميركي في السنة، وهذا يمثل حوالي 1.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة المتحدة، وهو مزيج من الإنتاجية المفقودة وآثار الوفيات.
هل تهتم الحكومات بهذه المشكلة في سياساتها العامة؟
يقول هافنر إن ذلك لا يزال مبكراً للغاية، "لكننا نعرف أن مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة (CDC) قد حلل المشكلة وقرر أن قصور النوم هو وباء صحي عام".
وأضاف "هناك وعي متزايد بأن قلة النوم مشكلة صحية عامة".
إذن، لماذا نفعل ذلك؟ فإذا كان هناك الكثير من الأدلة حول المخاطر الصحية للانخراط في نوبات عمل ليلية، لماذا نعرض أنفسنا للخطر؟
الكثير من الناس ليس لديهم خيار آخر، ويشير لوسكار- المسعف- إلى أن القيام بذلك له فوائده.
"مواعيد العمل تناسب أسرتي بشكل جيد؛ فلدي أسبوعان دون عمل في الشهر؛ فأنا أعمل أسبوعاً طويلاً، ولكن بعد ذلك لدي سبعة أيام متتالية دون عمل، أكون فيها مع زوجتي وأطفالي".
"كنت أعرف ما أنا مقبل عليه، وأعلم نمط نومي جيداً، ونشاطي البدني وما عليّ تناوله من الطعام، وأحاول أن أخفف الآثار السلبية للأمر بقدر الإمكان."
يرى لوسكار أن العمل الليلي يناسب نوعاً معيناً من الشخصيات؛ يقول "أود أن أقول إن الشخص الذي يفضل أو يقوم بالدوامات الليلية هو شخص بطبيعته أكثر انطواء؛ فأنت تتعامل مع الناس بشكل أقل، لذلك فإن من يفضلون العمل ليلاً هم الأشخاص الذين يفضلون أن يُتركوا وحدهم للقيام بأعمالهم".
في النهاية، يطرح مراسل BBC Mundo سؤاله على لوسكار "ولكن بعد 17عاماً من العمل ليلاً، ألم يكن لهذا الأمر أي تأثير على صحتك البدنية أو العقلية؟"
أجاب المسعف ضاحكاً "حسناً، أعتقد أنني قضيت الكثير من ذلك الوقت أشعر بالإرهاق والتعب".