رام الله – الاقتصادي – ريم ابو لبن – بعيداً عن التقسيمات الجغرافية للاراضي الفلسطينية وبعيداً عن أحرف اللغة العربية التي كنا نخطها في مذكراتنا المدرسية، وكم هي حجم الأوراق التي مزقناها داخل الفصول الدراسية املاً في تحسين خطنا في كتابة الأحرف الأبجدية بدءا بالألف، مرورا بـ الباء وصولا لحرف الجيم، فلم نكن نعلم بأن هذه الحروف ستشكل فيما بعد مدلولاً سياسياً وفق اتفاقية اوسلو، فكم من ورقة مزقت وكم من أرض سلبت، ولكنهم تجاوزوا حرف الدال في تقسيماتهم ليعاود رسم الخطوط الجغرافية والسياسية والاقتصادية من جديد ويجمع ما قسم ليظهر الواقع وحقيقة ما يخفيه الاحتلال الاسرائيلي. هنا في زاوية في بناية قديمة في مدينة البيرة تتواجد Area D، " منطقة دي".
القادم من وسط مدينة رام الله باتجاه الشارع المؤدي الى مسجد جمال عبد الناصر يلمح من بعيد لافتة حمراء كتب عليها "Area D Hostel" ،فمن قرأ اللافتة لا يستطيع ادراك معناها الا اذا جلس بداخل هذا الفندق الذي انشأ قبل عام فقط، وتجول بين زواياه وجدرانه ليجد في كل زاوية حكاية تروى عن مدن فلسطينية مسلوبة او متعرضة لاعتداءات مستمرة من قبل الاحتلال، وهذا ما يميز الفندق عن غيره من فنادق المدينة فالسائح القادم من دول اجنبية وعربية لا يطفئ النور وينام، بل يجلس على العتمة ليقرأ ما قد اخفاه الاحتلال عنه، ويمعن في اخبار لشهداء وجرحى، وسياسة تهويد واستيطان، وهيمنة اقتصادية، واخرى محاولة لسرقة التراث الفلسطيني.
Hostel ، أثر في 90% من النزلاء الأجانب
" hostel استطاع ان يوجه عقول الأجانب بزاوية 90 درجة " هذا ما أشار اليه الموظف في فندق Area D Hostel” نضال ابو ماريا اثناء حديثه للاقتصادي حيث أكد ى أن 90% من الزائرين الأجانب الوافدين من دول اوروبية وعدد قليل لا يكاد يذكر من القادمين من الدول العربية كالمغرب قد استطاعوا من خلال جولاتنا الميدانية وحواراتنا المستمرة معهم فهم الواقع كما هو دون تضليل وتزييف " هذا المكان هو ليس فندقا فقط ولم ينشأ من اجل المردود الاقتصادي، هو انشأ من ولادة فكرة ابتكرها مالك الـ hostel صاحب الجنسية الأجنبية، فقد رأى بأن يعزز السياحة في فلسطين من خلال جذب السياح وتعريفهم بفلسطين بثقافتها وعاداتها وتقاليدها، لاسيما وان السياح القادمين الى البلاد يشعرون بالضياع فلا يجدون احدا يوجههم او يدلهم على الاماكن السياحية والأثرية والاقتصادية، و99% منهم لم يأت من اجل السياحة وانما من اجل فهم الواقع السياسي والعدوان الاسرائيلي ، فالوضع السياحي مرتبط 100% بالوضع السياسي".
90% من النزلاء مستكشفون وليسوا سائحين
وأضاف " 90% من الزوار الأجانب هم إما طلابا جامعيين يقدمون رسائل تعليمية تختص بدراسات الشرق الأوسط،او اساتذة جامعيين، او جاءوا للمشاركة في مؤتمرات منعقدة في محافظات الوطن فقد عقد قبل ايام مؤتمر يتحدث عن جغرافية فلسطين، فهذا بالنسبة اليهم مهم جدا لذا شهد الـ Hostel اقبالا ملحوظا حتى ان جميع الغرف امتلأت، لتضم 11 غرفة تتسع لـ 52 زائرا مقسمة لغرف مشتركة واخرى خاصة، وهناك نسبة لا تتجاوز 10% قادمون من اجل السياحة فقط، ولكن النسبة الأكبر جاءت من اجل الدراسة او المعرفة وهذا ما يميز السياح الأجانب عن غيرهم فهم يبحثون عن المعرفة دائما".
" قالوا لي لنحدثك عن اسرائيل "
" ضمن رسالتي الجامعة اخترت الحديث عن التنمية السياحية في فلسطين " كان هذا السبب الرئيسي لقدوم الطالبة شو ينج شينج القادمة من تايوان الي فلسطين، بعد أن اقترحت على مشرفي الرسالة عمل بحث عن التنمية السياحية في فلسطين، وجاءت هذه الرسالة كجزء من دراستها في المدرسة الفندقية في سويسرا. "وجدت الـ Hostel كنموذج مناسب في دراستي حيث لاحظت بأن هذا المكان قادر على جذب السياح من مختلف الدول الأوروبية، لذا جئت للاختلاط بهم وتحليل دور المكان في احداث تنمية سياحية، من خلال توفير الخدمات والجولات التي تعرف السياح على ثقافة فلسطين وشعبها، كما لفتني ايضا الاسباب التي تجعل السياح يقبلون كثيرا على هذا المكان، فهو ليس مجرد فندق وانما هو مكان للتعلم والتثقيف واكتساب الخبرات من الفلسطينيين. "
وأضافت " عندما اقترحت موضوع الرسالة، جميع زملائي قالوا لي بانني مجنونة، كيف لي ان ازور بلادا غير آمنة، فشعرت بالخوف، ولكن عندما دخلت الى الفندق Area D شعرت بالامان، ولم اشعر بأنني ضائعة وكأنني في بلدي، هذه البلاد جميلة وفيها من العلم الكثير ويجب تطويرها سياحيا والاهتمام بها أكثر".
" عندما دخلت الى هذا المكان قالوا لي لنحدثك عن اسرائيل !" هذا ما تحدث عنه الزائر موك بريفتس القادم من انجلترا،حيث جاء للمشاركة في مؤتمر الجغرافية التاريحية للتعرف اكثر على القطاع الجغرافي في فلسطين والعمل ضمن مجموعات للخروج بتوصيات تحدث تغير فعلي في واقع يزدحم بقصص لمصادرة للارضي وتقسيمات غير قانونية وفق اتفاقيات مبرمة بين الجانب الفلسطيني والاسرائيلي.
وأضاف " خلال مكوثي لمدة 4 اسابيع في الفندق وضمن الفعاليات والنشاطات التي شاركت فيها اكتسبت الخبرة الجيدة وتعرفت على امور لم اكن اعلمها من قبل، فقد فهمت معنى الاستيطان، والتهويد، واللجوء، واقتربت من الواقع اكثر فأكثر، وشعرت بالصدمة، هناك الكثير من القصص التي تروى ففي كل يوم شهيد، وفي كل يوم بيت يهدم، وهذا يدلل على معاناة شعب فلسطيني، فحياتكم معقدة جدا ".
انت تجلس امام نافذه مستطيلة الشكل، تحدق بين تفاصيلها لتجد ان ملامح المكان يطل في الجهة اليمنى على مدينة القدس، وفي المنتصف يقع مخيم الأمعري، والي الجهة اليسرى هناك مسجد، ومستوطنة، تفاصيل كتبت لتدلل السائح بأن هذا المكان يقع بالقرب من كذا وكذا ليسهل عليه التنقل من منطقة لأخرى، فمالك المكان يرى بأن الكتابة على الجدران ووضع الملزقات والرسومات هي الطريقة الأمثل لتقديم المعلومات للسائح والقارئ ، فكل حرف يكتب، او رسمة ترسم تدلل على رمز ومعنى فلسطيني.
" الضوء محاصر داخل القفص"
" الضوء محاصر داخل القفص" عبارة ذكرها الموظف نضال اثناء تحديقي بالضوء المعلق داخل قفص أسود، هو تعبير لواقع يعيشه المجتمع الفلسطيني، فكل شيء محاصر حتى الضوء، وهذه حقيقة مخفية عن اذهان الكثيرين وتحديدا السياح الأجانب " استخدمنا امورا بسيطة للتعبير عن حجم معاناة كبيرة نعيشها، فمثلا تجدين في زاوية هنا "مشتاح" كتبنا عليه اهم الاخبار الواردة لليوم، فهذه الزاوية مهمة جدا لتعريف الزائرين بالأحداث اليومية، فإن كان هناك شهيد، يجتمعون للذهاب للمشاركة في تشييع جنازته ".
وفي زاوية اخرى تمتد القنابل والرصاصات التي تذكرنا بأحداث بلعين ونعلين والنبي صالح، فهي تجسيد عدوان اسرائيلي، وادوات لتعريف السائح بأن هذا ما يلقى على طفل يحمل الحجر ليقاوم، لاسيما وان ادارة الفندق تقوم بجولات ميدانية اسبوعية في مناطق مختلفة في الخليل، وبيت لحم، ونابلس، واريحا، وبلعين ونعلين وكذلك النبي صالح، اضافة الى زيارة المخيمات في نواحي الضفة الغربية لتعريف السياح بمعاناة اللاجئ الفلسطيني والتعايش مع اهالي المخيمات.
" 70 شيقلا أجرة الغرفة "
" 70 شيقلا أجرة الغرفة " تكلفة بسيطة تزودك بكنز من المعلومات، هذا ما يدفع السائح للاقامة في فندق Area D Hostel غير اعتباره موقعا هاما لتبادل الحوارات والنقاشات في مختلف المواضيع بين النزلاء الذين وصل متوسط عددهم بدءا من بداية النشأة الى 5000 سائح ومن مختلف الدول.
" فندق يغير واقعا في اوروبا"
"هذا المكان غَير واقعا في اوروبا " هذا ما تحدث عنه مدير فندق Area D Hostel نادي كمال، اذ اعتبر بأن هذا المكان هو ليس فقط لجذب السياح وتحقيق ارباح اقتصادية وانما لهذا المكان بصمة في احداث تغير في عقول من يزور فلسطين ويتعرف على واقعها السياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الثقافي." لما بيجي اجنبي واحد بجيب 10 معاه وهذا كفيل في احداث تغير ملموس "، واضاف" هناك العديد من الجنسيات الأجنبية وديانتهم اليهودية، انصدمت عندما جاءت الى هنا، فتغيرت كل افكارهم عن فلسطين واصبحوا مؤيدين للشعب الفلسطيني ومنقلبين على الاحتلال الاسرائيلي، واغلبية السياح يشعرون بهذه الصدمة لعدم وضوح الصورة لديهم واحيانا يطرحون عده اسئلة هي بالنسبة لنا بديهية ولكنهم لا يعلمون بها ".
واستكمل حديثه قائلاً " عندما يأتي أجنبي وينظر عبر النافذة الى البيوت ويجد خزان مياه أسود اللون متواجدا على سطح البناية، حينها يتساءل ما هذا؟ والاجابة تدلل على معاناة حقيقية، فإن المياه تأتي على مدار يومين فقط طيلة الاسبوع ويضطر السكان لوضع خزان مياه لتزويدهم بالمياه وقت الانقطاع، ويعاود السؤال: ولماذا لا تصلكم المياه طيلة الاسبوع؟ لأن الابار الجوفية سرقها الاحتلال، تفاصيل معروفة لدينا وغير مكشوفة لديهم، وهذه رسالتنا في هذا الفندق تعريفهم بما هو غير ظاهر لهم ".
" لقد مرت من هنا " زاوية يخط بها السائح كلمة او ملاحظة تدلل على انه مر من هنا، فالمعرفة لا تتوقف عند زيارة واحد كما ذكر بعض السياح، وبضع اسابيع ليست كفيلة بتعريفك بواقع عاشه المواطن الفلسطيني طوال 67 عاما.