وكالات - الاقتصادي - كان الطبيب أسيم مالهوترا في منتصف جولته التفقدية بأحد أجنحة المستشفى عندما جلب المساعدون طعام الغداء للمرضى.
كان قد وصل لتوّه في جولته لفراش مريضٍ كانت حياته قد أُنقِذَت في الليلة السابقة. هذا المريض، والذي كان في الخمسين من عمره، كان قد أُحضِرَ إلى المستشفى بوضعٍ حرج، وفي حاجةٍ إلى قسطرة لعلاج شريانٍ مسدود بقلبه.
وبدلاً من مجرد شكر مالهوترا، كان المريض هائجاً. ففَور رؤيته وجبة غدائه المكونة من شطيرة برغر ورقائق البطاطا، قال للطبيب: "كيف تتوقع مني التعافي بينما تقدم لي الطعام الرديء نفسه الذي جلبني إلى هنا في المقام الأول؟!".
ويقول مالهوترا لصحيفة التلغراف البريطانية: "كانت حجة الرجل قوية. كنت معتاداً الحديث مع مرضاي عن إجراء بعض التغييرات في أنماط حياتهم، كالتوقّف عن التدخين مثلاً، الأمر الذي قد ينجح في الحؤول دون تدهور صحتهم وعودتهم للمستشفى مجدداً. إلا أنني لم أكن قد ربطتُ ذلك الأمر بعد بالتغذية".
في ذلك الوقت، كان مالهوترا، الذي يبلغ من العمر الآن 39 عاماً، يعمل طبيباً متخصصاً بأمراض القلب في مستشفى هارفيلد الشهير الموجود بمدينة هيلينغدون في المملكة المتحدة. وكان يمارس الطب منذ 10 أعوام، وأجرى جراحاتٍ لمئات المرضى الذين يعانون أمراض القلب. وقال عن تلك الحادثة: "بالطبع، كنتُ قد لاحظت ازدياد الإجهاد لدى المرضى، وأنَّهم كانوا يأتون بحالاتٍ مَرضية مرتبطة بالسمنة". إلا أنَّ هذه المحادثة مع ذلك المريض كانت هي ما أثار اهتمامه بشأن كيفية مساعدة المرضى من خلال الأنظمة الغذائية.
هل يتم فرض ضرائب على السكريات؟
وأشارت التلغراف إلى أنه بعد 7 أعوام، تحول شغفه هذا لمهمةٍ ورسالة. فبعد بحثٍ واسع حول أسباب السمنة، أصبح مالهوترا عضواً مؤسساً بمجموعة "أكشن أون شوغر"، وهي مجموعة ضغط يديرها مجموعة من كبار الأطباء، وأصبح الآن رائداً في الحملة الشعبية الصحية ضد السكريات، داعياً إلى فرض ما يُسمَّى "ضريبة السكر" على المشروبات الغازية لتشمل جميع منتجات الحلويات.
ويقترح أن تكون نسبة هذه الضريبة 20٪؛ ما سيؤدي -حسب قوله- إلى انخفاض عدد الأشخاص في المملكة المتحدة الذين يعانون السمنة المفرطة بمقدار 180 ألفاً في غضون عام.
ويقول مالهوترا: "لقد قرأتُ كل ما يمكن قراءته من أبحاث، وخلصتُ إلى أن التغيرات البسيطة في نمط الحياة، مثل تقليل معدل استهلاكك من السكر، أقوى من أية أدوية يمكن أن يصفها الأطباء".
تقول التلغراف إنه عندما بدأ مالهوترا أبحاثه الموسعة، بإيحاءٍ من حادثة البرغر ورقائق الشيبسي عام 2010، كان مفتوناً بالتعامل مع الطريقة التي يُركِّز بها الانتباه العام على رسالةٍ خاطئة على نحو قاتل: خفض استهلاك الدهون ومستويات الكولسترول في الدم.
وباستمراره في البحث، كان يزداد اقتناعاً بأنَّ هذا الخوف من الدهون كان سببه ازدياد معدلات استهلاك السكر والكربوهيدرات المُكرَّرة، والذي هو السبب الحقيقي وراء زيادة معدلات أمراض القلب، وكذلك السمنة ومرض السكري، على حد السواء.
ويقول الدكتور أسيم في موقعه إن جشع شركات الصناعات الغذائية والأدوية هو من أهم الأسباب الجذرية لأزمة الرعاية الصحية الحالية لدينا. وإلى أن تصبح المؤسسة الطبية والسياسيون شجعاناً بما فيه الكفاية للتصدي لتجاوزاتهم وتلاعبهم، سنستمر في أن نعيش مجتمعاً أقل سعادة واقتصاداً أكثر استياءً.
ويرى أن معاملة السكر مثل التبغ هي وسيلة لإنقاذ الأرواح وسرعة تحسين الصحة العامة.
خطته لمحاربة السكريات
الآن، قام مالهوترا بتركيز خلاصة خبرته في خطة زمنية مدتها 21 يوماً يسهل اتباعها، تدعى بنظام بيوبي الغذائي، والتي نشرها يوم الخميس الماضي 22 حزيران 2017. وتركز الخطة بشكلٍ أساسي على التوقف عن الخوف من الدهون المشبعة والكولسترول، والتوقف عن حساب السعرات الحرارية، والبدء في اعتبار السكريات العدو الأول.
وقد أشاد ديفيد هاسلام، رئيس المنتدى الوطني للسمنة، بتلك الخطة، واصفاً إياها بأنَّها "جسورة" بما يكفي للتشكيك في إرشادات تغذوية راسخة، كانت هي القناعات التي ساهمت في دعم انتشار وباء السمنة خلال العقود الأخيرة، حسبما نقلت عنه التلغراف.
أما فيما يتعلق بالخطة الغذائية، فتتخذ اسمها من قريةٍ إيطالية صغيرة، لا يحيا سكانها فقط عمراً أطول، إذ يبلغ متوسط عمر الإنسان العادي فيها حوالي 100 سنة بينما متوسط عمر الإنسان عادةً يكون حوالي 89 سنة، ولكنَّهم يعيشون طويلاً دون الإصابة بأمراض الشيخوخة المزمنة الملازمة لهذا السن، مثل مرض السكري من النوع الثاني والخرف، وهي أمراض يُسلِّم بها بقية العالم باعتبارها حتمية في هذا السن.
سر هذه القرية الإيطالية
ويرجع اهتمام مالهوترا بقرية بيوبي لسببين؛ إذْ كان نمط معيشة سكانها المحليين رائعاً، ومن هنا برزت أسئلته: هل كان النظام الغذائي وحده هو ما أبقى السكان بأفضل صحة فترةً طويلة؟ وهل يمكن استخلاص الدروس من حياتهم ونشرها لبقية العالم؟
إلا أنَّ قرية بيوبي تشتهر بأمرٍ آخر؛ إذ كانت بمثابة وطنٍ لعالِم الفسيولوجيا الأميركي أنسيل كيز، الذي يعد أول من أسس لفكرة حمية البحر المتوسط باعتبارها خطة الغذاء المثالية، وذلك في خمسينات القرن الماضي. ونتيجةً لذلك، ترعى منظمة اليونيسكو قرية بيوبي.
وعلاوةً على ذلك، اشتُهر أنسيل كيس أيضاً بكونه الرجل الذي عمل على تشويه سمعة الدهون المشبعة، قائلاً إنَّها السبب وراء انسداد الشرايين؛ ومن ثم أمراض القلب، وهو الأمر الذي لم يعد مالهوترا يتفق معه.
وفي أثناء زيارته للقرية مع المخرج دونال أونيل لإنتاجٍ فيلم The Big Fat Fix الوثائقي عام 2015، تمكَّن مالهوترا من دراسة سكان قرية بيوبي من قُرب.
ربما يكون الدرس الأكثر أهمية الذي تعلمه مالهوترا هناك هو أنَّ لفظ diet، والذي يعني بالعربية حِمية غذائية، كما نفهمه بمعناه الشائع، هو تفسير خاطئ للكلمة اليونانية diatia، والتي تعني نمط الحياة.
وقد خلص مالهوترا إلى أنَّ تناول زيت الزيتون والسمك الطازج كان مجرد جزءٍ من نظامٍ أشمل يتبعه سكان قرية بيوبي، يشمل الحركة اليومية المعتادة، وقلة التوتر، والنوم الجيد، والعيْش بمجتمعٍ يقبل الجميع ويسوده الود.
واستطرد الطبيب قائلاً: "صحيحٌ أنَّ سكان القرية المحليين يتناولون المعكرونة، ولكن بكمياتٍ صغيرة، وهم كذلك نادراً ما يقتربون من السكر، بالإضافة إلى أنَّهم لا يتناولون الحلوى إلا يوم الأحد، ويتناولون البيتزا مرةً أو مرتين في الشهر. وهم يستغرقون وقتهم في تناول الغداء. وصحيحٌ أنهم لا يمتلكون صالة ألعاب رياضية في بيوبي، لكنَّهم دائماً في حركةٍ مستمرة".
معجزة طبية
ويعتقد مالهوترا أنَّها وصفة يمكن أن تساعد في تغيير حياة البشر إذا ما اتُبِعَت بالمملكة المتحدة. فيقول: "عندما نوصي بتغيير نوع الأطعمة ونمط الحياة، والحد من تناول السكر والكربوهيدرات المكررة، يسجل المرضى نتائج سريعة، في غضون 21 يوماً. لقد شهدتُ حالات تعافٍ من داء السكري من النوع الثاني، الأمر الذي أخبرونا في كلية الطب باستحالة حدوثه".
يمارس مالهوترا ما يُبشِّر به، فقد غيَّر تماماً عادات الأكل التي نشأ عليها في ستايبريدج بمقاطعة شيشاير. وأوضح: "كنت مدمناً السكريات: حبوب كوكو بوبس للإفطار، كيت كات ومجموعة من الرقائق في وقت الاستراحة بالمدرسة، ولحسن الحظ كنت رياضياً، غير أنَّني دائماً ما كنتُ جائعاً؛ لذا كنت مداوماً على الوجبات الخفيفة في كل وقت. كان ذلك طبيعياً، أليس كذلك؟".
وعلى الرغم من موهبته اللامعة في لعبة الكريكيت، كان مفتوناً بالطب، وأمراض القلب على وجه الخصوص، ويرجع ذلك جزئياً إلى وفاة أخيه الأكبر في عمر الـ13 نتيجة لقصور في القلب نتج عن إصابته بفيروسٍ ما.
ويحكي عن أخيه ويقول: "أميت، الذي كان يكبرني بعامين، كان مصاباً بمتلازمة داون، وهو من علمني الرحمة. موته كان حظاً سيئاً، لكنَّه كان ذا أثرٍ حقيقي عليّ".
هل السكر أخطر من الكحول؟
وفي غضون أسابيع من اقتطاع كمياتٍ كبيرة من السكر، والخبز، والمعكرونة، اعتاد استهلاكها من نظامه الغذائي، خسر قدراً من الوزن كان مطبقاً فوق حجابه الحاجز، الأمر الذي اعتبره عَرضاً جانبياً سعيداً لنمط حياةٍ صحي بدأ يتبعه، نمط "يقلل من فرصة الإصابة بأمراض القلب، والخرف، والسرطان أيضاً".
وأضاف: "النظام الغذائي هو المشكلة التي تحتلّ المرتبة الأولى، متفوقةً على الخمول البدني، والتدخين، والكحول؛ إذ تُسهِم في الكثير من الأمراض والوفيات. وينبغي أن تكون رسالة الأطباء كالتالي: الغذاء هو الدواء. وإذا واجهنا جميعاً التحدي، فستشهد ميزانية هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية تحولاً بدورها".
وبطبيعة الحال، لن يجد الجميع سهولًة في تغيير نظامهم الغذائي ونمط حياتهم كلياً، ويستطرد مالهوترا: "كبداية، نحتاج أولاً لأن تصبح أسعار الأغذية الصحية في متناول الجميع، ونعرف أنَّ مجموعاتٍ بعينها ستجد صعوبةً في تحقيق الأمر. فعلى قدر معرفتي، إذا كنتَ تعمل في نوبةٍ ليلية، فستكون أكثر عرضة لتناول الأطعمة المصنّعة المليئة بالسكر. لذا نحتاج للتخلص من آلات البيع الممتلئة بألواح الشوكولاتة، كما نحتاج لحظر الوجبات السريعة في المستشفيات".
ويعتقد مالهوترا أنَّ المديرين التنفيذيين الجسورين وحدهم بإمكانهم إنهاء ثقافة المقاهي في المستشفيات، والتي تجعل الموظفين والمرضى على حد سواء يدمنون تناول الفطائر وأكواب القهوة بالحليب.
وهناك أيضاً أولئك الذين يُفرطون في تناول الطعام لأسبابٍ عاطفية. ويقول عن ذلك: "مواساة النفس بالأكل سلوكٌ مرتبط بالتوتر، الذي هو في حد ذاته يعد أحد أسباب الإصابة بالكثير من الأمراض. لذا نحتاج للتعامل مع ذلك الأمر، سواءٌ كان ذلك من خلال اقتراح دروس التأمل، واليوغا، أو حصص تمارين البيلاتس الرياضية، أو من خلال التشجيع على المزيد من التفاعل الاجتماعي وتكوين الصداقات على أرض الواقع بعيداً عن الإنترنت".
وأخيراً، أشار مالهوترا إلى أنَّه "ليس هناك شيءٌ يسمى الوزن الصحي، وإنَّما أفراد أصحاء. وهذا هو ما ينبغي أن نسعى إليه جميعاً؛ إذ قد يعني اعتماد نمط حياة سكان بيوبي انخفاضاً في حالات الوفاة الناتجة عن أمراض القلب والأوعية الدموية، والتي تُقدر بـ20 مليون حالة وفاة حول العالم، بالإضافة إلى معالجة داء السمنة وانخفاض مستويات داء السكري من النوع الثاني. وهذا هو حلمي الأكبر".