وكالات - الاقتصادي - لا يكاد يخلو نص مكتوب باللغة العربية، من كلمة "أيضاً" ومن كلمة "لا سيّما". وعلى الرغم من رواجهما الكبير، إلا أنهما كلمتان يبتعد معناهما الحالي والرائج عن معناهما الأصلي الذي تقول به كتب اللغة.
وتتصدر كلمة "أيضاً" لائحة كلمات مستخدمة تعطي معنى الزيادة ونسبة الشيء إلى شيء قبله. كالقول "وأنتَ أيضاً تعتقد كما أعتقد". لكن، ما هي "أيضاً" تلك التي نستخدمها لنعطي معنى إرجاع الشيء إلى شيء مثله، لمنح معنى الزيادة والإضافة؟
جاء في المصنّف العربي الشهير "لسان العرب" لابن منظور، أن الأيْض "آضَ يئيض أيضاً: سارَ وعادَ". ويضيف في استخدامها: "آض إلى أهله" أي رجع إليهم وعاد بين ظهرانيهم. ويستمر "لسان العرب" بتحريك الكلمة فيقول: "افعل ذلك أيضاً" فيضيف: "هو مصدر آضَ يئيض أيضاً أي رجع". ثم ينقل عن أحد النحاة قوله: "الأيضُ صيرورةُ الشيء شيئاً غيره". فتصبح لديه كالتالي: "آضَ كذا، أي صارَ".
وكي يصل إلى كلمة "أيضاً" التي نستخدمها الآن بكثرة، في التخاطب والتكاتب، يقول: "وقولهم أيضاً كأنه مأخوذ من آض يئيض أي عاد يعود". ثم يعيد استخدامها لمنح معنى آخر لها، على الرغم من صلة جزئية تربطه بالمعنى السابق، فيقول: "فإذا قلتَ أيضاً، تقول أَعِد لي ما مضى" وهو معنى غريب كلياً للكلمة. لينتهي بتفسير مختصر للغاية لكلمة أيضاً، فيقول هي "زيادة" وهو المعنى الأقرب لاستخدامها الحديث.
إلا أن كلمة "أيضاً" التي حرّكها "لسان العرب" في كل الاتجاهات، بدءاً من "أيض" و"آضَ" وانتهاءً بـ"يئيض أيضاً أي عاد"، تظل بعيدة بعض الشيء، من استخدامها الحالي الذي يقصد به إضافة شيء إلى شيء، كالقول الذي يضربه لسان العرب مثالاً: "فعلتُ كذا وكذا أيضاً".
ويؤكد "كتاب العين" للفراهيدي، أن الأيض صيرورة الشيء شيئاً غيره. ويضرب مثالاً: "آض سوادُ شَعره بياضاً" بمعنى أصبح وتحوّل أو صار. وهو معنى آخر ومختلف عن الاستخدام الحالي للكلمة.
ومن هنا أصبح معنى الصيرورة في "أيضاً" هو العتبة التي تنقل معناها إلى الزيادة وإضافة الشيء إلى شيء في الاستخدام الحديث أو الرائج، كقولنا: "وقام بزيارة بيت صديقه، أيضاً" وهي هنا تتضمن الزيادة والإضافة، بعد حملها أصلاً بعيداً لمعنى الصيرورة والتحول من شيء إلى شيء، خصوصاً أن أقدم قواميس العربية، كتاب العين، يقطع بأن الأيض هو صيرورة الشيء شيئاً غيره. ونحن نستخدمها لحصول شيء يتضمن الزيادة والإضافة!
ويتفق المعجم الطبي، مع المعجم اللغوي، في كلمة "الأيض" مع الأصل الذي قاله "لسان العرب" و"كتاب العين". فتعبير "عمليات الأيض" في الجسم، تعني التمثيل والتحوّل، ويشار إليه بمعنى "الاستقلاب". وبذلك تكون "الصيرورة" التي وردت في المرجعين السالفين، أصلاً لمعنى الأيض، الحديث، أي التحول.
لا سيّما.. كم نستخدمها بكثرة؟
كلمة أخرى تشبه "أيضاً" بالرواج والاستخدام، هي كلمة "لا سيّما". كالقول: "فأمورها، لا سيّما في العقد الأخير، راحت تتدهور بسرعة". وهي جملة مقتبسة من مقال للكاتب اللبناني حازم صاغية، في "الحياة" اللندنية. وأمثلة كثيرة لا تحصى عن رواج "لا سيما" في المدوّنات العربية وشفوياتها.
وعلى الرغم من الاستخدام الشائع جداً لكلمة "لا سيّما" إلا أنها تظل حبيسة معناها الأصلي المغرق في الغموض. فهي أكثر غموضاً من "أيضاً" بأضعاف، وأكثر اختلافاً في الانتقال ما بين معناها الأصلي، والرائج.
ورد في أقدم معاجم العربية، وهو المعروف بكتاب "العين" للفراهيدي، أن "السِّيّ" هو المكان المستوي. إلا أن "لسان العرب" يقول: "لا سيّما، كلمة يستثنى بها". ثم يفصلها عن الميم التي لحقت بآخرها فيقول: "سيٌّ ضُمّ إليها ما". لكن ما علاقة الأرض المستوية التي وضعها كتاب العين تعريفاً للسّي، بكلمة لا سيّما؟ العلاقة تتضح عندما يقول لسان العرب: "هما سيّان وهم أسواء وقد يقال هم سيٌّ كما يقال هم سواءٌ". مضيفاً: "السيّان: المِثلان" وينقل عن أحد النُّحاة أن الواحد من سيّان هو سيٌّ. والسيّ المِثلُ. والأمر سيّان يعني سواء.
ويجزم لسان العرب بأن الميم زائدة على السي التي أصبحت لا سيما. فيقول: "إن فلاناً كريمٌ ولا سيّما إن أتيته قاعداً". فيجزم بأن الميم فيها "زائدة" وليست "من الأصل".
أمّا التشابه الظاهري ما بين "السيميا" أي العلامة، ولا "سيّما" التي تأتي للاستثناء والحصر أو التخصيص، فلسان العرب وكتاب العين يقطعان بعدم صوابه، على اعتبار أن أصل "السيمياء" أو السيميا، في مكان مختلف كما يحب لسان العرب.