مصطفى عبد السلام - مسؤول قسم الاقتصاد في العربي الجديد
من أجمل الأمور المحببة لدى أي كاتب صحافي هي التواصل مع الجمهور والقراء وفتح قنوات اتصال معهم، ذلك لأن الكاتب عبرهم يعرف رد الفعل الحقيقي على ما يكتب، وما إذا كان ما يطرحه عليهم من آراء وأفكار له علاقة بالواقع الذي يعيشه المواطن ويعبر عنه، أم أن الكاتب يكتب من وحي الخيال وللخيال ومن برج عاجي لا علاقة له من قريب أو بعيد بحياة الناس وظروفهم المعيشية، أم أن ما يكتبه هو للحصول على رضا السلطة الحاكمة، سواء كانت سياسية أو دينية، أو يكتب لمجرد الكتابة وكفى دون أن يشغله رأي الناس.
اليوم قلت لأجرب تجربة جديدة في الكتابة، فبدلاً من أن أكتب محللاً لقرار اقتصادي أو واعظا ومقدماً النصيحة، قلت: لماذا لا تسمع هذه المرة صوت القارئ بالدرجة الأولى، حتى تتعرف إلى أفكاره واقتراحاته، خصوصاً أن المواطن ورجل الشارع هو من يده في النار كما يقولون وليس غيره، والنار هنا تتمثل في الارتفاعات القياسية والمتواصلة في الأسعار التي تحرق جيوب الجميع بلا استثناء، وتعرضهم للمضايقات المالية والنفسية والضغوطات الحياتية.
ولذا طرحت سؤالا على القراء عبر صفحتي الشخصية على فيسبوك هو: ما هي اقتراحاتكم لمواجهة ظاهرة ارتفاعات الأسعار في شهر رمضان، وبخاصة أن استهلاك الأسرة العربية يزيد بنسبة 25% خلال هذا الشهر؟ والملفت أن هذا يحدث رغم أن رمضان هو في الأصل شهر صيام وتعبّد نتناول خلاله وجبتين فقط بدلا من ثلاث.
وكان المغزى من السؤال هو تقديم حلول واقتراحات عملية وواقعية للأسر تستطيع من خلالها الخروج بأقل الخسائر المادية الممكنة من الشهر، وعدم اللجوء للاستدانة لتغطية باقي نفقات الشهر، مع الارتفاعات القياسية في أسعار سلع رمضان، وثبات الدخول والإيرادات والرواتب، فضلا عن زيادة نفقات الأسر هذه الأيام، فالموسم الدراسي لم ينته بعد، والدروس الخصوصية لا تزال مستمرة، وخصوصاً في دولة مثل مصر، حيث لم تبدأ امتحانات الثانوية العامة بعد.
وقد تلقيت عشرات الاقتراحات المتميزة والكثيرة التي أنقلها للقارئ الكريم للاستفادة منها مع قرب قدوم شهر رمضان، وسأقدم هذه الاقتراحات في صورة قواعد بعد إعادة صياغتها وإدخال بعض النصائح عليها من ناحيتي.
القاعدة الأولى:
لا تتسوق وأنت صائم، فمجرد دخولك المحال التجارية والأسواق وأنت جائع سيجعلك تشتري سلعا كثيرة لست في حاجة ملحّة لها، أو تشتري كميات تزيد عن احتياجاتك الفعلية، والأخطر أن تفسد هذه السلع ويكون مصيرها القمامة.
القاعدة الثانية:
ترشيد النفقات، وهذا البند تندرج تحته عشرات الاقتراحات مثل الامتناع عن التدخين خلال الشهر، تقليص ميزانية مكالمات التليفون المحمول والتليفون الأرضي، الشراء على قدر الحاجة، أي عدم شراء ما لا تحتاجه، المفاضلة بين أنواع السلع واستخدام البدائل، فإذا كانت هناك سلعة محلية وأخرى مستوردة، فاشترِ المحلية ما دام سعرها أقل وذات جودة، وإذا كان هناك عشرات الأنواع من الجبن فاشترِ الأرخص، لا داعي للمستوردة والأغلى، وعليك الالتزام بتعليمات الدين في الطعام والشرب، وهي تخصيص ثلث للطعام وثلث للشراب وثلت للنفس والهواء، وأعلم أن الترشيد في المأكل والملبس هو الهدف من الصيام، لذا لا تسرف.
القاعدة الثالثة:
سلاح المقاطعة، وهو من أقوى الأسلحة لمواجهة جشع التجار والمحتكرين الذي يستغلون
إقبال الأسرة على شراء احتياجات رمضان في وقت متقارب جداً ويرفعون الأسعار، وتزداد الممارسات الاحتكارية تلك في الدول التي تضعف بها الرقابة الحكومية على الأسواق.
القاعدة الرابعة:
التعاون في عملية الشراء، وهنا تتعاون الأسر في عملية الشراء بشكل جماعي، فقد تحصل على خصم أكبر من المحال التجارية، مثلا اتفق مع ساكني البناية التي تقطنها، واشترِ الطماطم بسعر الجملة من الأسواق الكبرى لا أسواق التجزئة، ثم يتم تقسيم ما اشتريته على المشتركين بالميزان، وهكذا باقي الخضروات والفاكهة، وبهذا يتم توفير نفقات كثيرة.
القاعدة الخامسة:
اجعل رمضان شهراً للتوفير والاستفادة المالية، ضعوا أسوأ الظروف وهي انتهاء ما لديك من أموال قبل نهاية الشهر وتعاملوا على أساسها....التوفير لا بد منه في هذه الحالة حتى لا تتعرض لحرج خلال شهر رمضان.... اشترِ السلع الضرورية فقط، عليك بالإقلال من الكماليات مثل الياميش والبندق والفواكة مرتفعة السعر وولائم المجاملات وملابس العيد الغالية، وعدم تقليد الآخرين في سلوكياتهم وأحوالهم المعيشية، وعدم الاستجابة للضغوط التي تدفعك نحو تقليد أسر أخرى قد تكون في ظروف مالية أفضل، فلكل شخص ظروفه وليختر الحياة التي تناسب دخله.
القاعدة السادسة:
اكسر ثقافة العادات والتقاليد واعتبر شهر رمضان شهرًا عاديًا لا إسراف فيه؛ وليس شهرًا غذائيًا استهلاكيا؛ بالإضافة إلى الاهتمام أكثر بالعبادات مثل صلة الأرحام؛ ما استطعت؛ والإصلاح بين الجيران؛ وتقديم عمل ومساعدة الخير ما كان في الإمكان؛ ومن الممكن أن نكوِّن حملة باسم "اكسر عادة.. وابدأ عِبادة".
القاعدة السابعة:
عدم اللجوء لتخزين السلع في مثل هذا الشهر، لأن الأسعار مرتفعة أصلاً، اشتر على قدر حاجتك حتى لا يحدث ضغط إضافي على السلع، وبالتالي تواصل الارتفاع، قسِّم شهر رمضان لأربعة أسابيع، اشترِ احتياجات كل أسبوع على حدة، ولا تشترِ احتياجات الشهر مرة واحدة.
القاعدة الثامنة:
استفد صحيا من الشهر، وحوّل مشكلة الغلاء إلى ميزة يمكن من خلالها إنقاص وزنك بشكل غير مسبوق، وبالتالي استعادة لياقتك البدنية وتحقيق ما تحلم به من توديع السمنة، وهو تحدٍّ للنفس، هنا يجب التعامل مع شهر رمضان على أنه شهر الصيام والعبادة، وليس شهرا للأكل والشرب وتناول كل أنواع الحلويات.
اقتراحات طريفة
طبعا جاءتني اقتراحات لا تخلو من طرافة، منها مثلا تقديم بعض القراء نصيحة للبنك المركزي والبنوك برفع سعر الفائدة على الودائع 4% مرة واحدة، وبالتالي يحصل المودعون وأصحاب المدخرات على عوائد إضافية على أموالهم المدخرة تمكنهم من تغطية نفقات الشهر، ومن بين الاقتراحات أيضا "لا تعزم ولا تتعزم ولا تخرج تفطر مع أحد"، أو أن كل واحد يأخذ أسرته وعائلته ويذهب لموائد الرحمن التي تقدم الأطعمة المجانية، هنا لن يكلفك الأمر شيئا حيث ستوفر مدخراتك المحدودة.
ومن بين الاقتراحات أن يأخذ كل رب أسرة عائلته ومعه فطوره ويتجه لميدان التحرير، هناك يكون إفطار مليوني في ميدان الثورة، ونكرر ذلك في جميع ميادين وشوارع مصر طوال شهر رمضان الكريم، ونتفرغ فقط للصوم والصلاة لمدة 30 يوما حتى يفرّج الله عنا الكربة ويخرج المعتقلون بالسلامة.
أخيرا لا تنسَ من حولك في هذا الشهر الكريم، وتحديدا المحتاجين من الفقراء واليتامى والأرامل وأسر المعتقلين السياسيين.
هذه قواعد قد تساعدك على أن تعيش شهر رمضان بلا ضغوط مادية وبلا ديون إضافية.
وكل عام وأنتم بخير.