طوباس-القدس الاقتصادي- تعمل الأربعينية نجاح صبحي بني عودة من بلدة طمون بمحافظة طوباس بكل جدّ واجتهاد في مشاريع مختلفة، لتعيل أسرتها المكونة من تسعة أفراد، وتثبت وجودها كامرأة ناجحة بين أقرانها في المجتمع.
بدأت نجاح أولى مشاريعها منذ تسعة أعوام بعد أن أغلقت جميع السبل في وجه زوجها الذي كان يعمل في الداخل الفلسطيني، حيث بدأت مشروعها الخاص بقرض حصلت عليه من المؤسسة الفلسطينية للإقراض والتنمية "فاتن".
تقول نجاح التي استطاعت تدبير أمورها والتنسيق بين العمل بمشروعها الخاص وأسرتها: "بدأت بقرض صغير (1500دولار) من مؤسسة فاتن لإنشاء مشروع زراعي يتمثل في تربية خمسة رؤوس من الأغنام".
وتضيف وهي ترتب غرفة بمنزلها وقد عرضت فيها الكثير من الأعمال اليدوية التقليدية والتي صنعتها بيدها : "بعد سنة واحدة استطعت تسديد القرض الأول لأحصل على قرض آخر لزيادة مشروعي وتوسعته، وبالفعل استطعت أن أنجح في تربية المواشي ليصبح لدي 30 رأسا من الغنم ، وأصبحت الأسرة تعتاش من هذا المشروع".
وتتابع نجاح "بعد أعوام أخرى رأيت انني أستطيع ان أقوم بمشروع آخر وهو الأشغال اليدوية التقليدية من الغزل والتطريز وعمل أطباق القش وتنسيق الزهور وغيرها، ففكرت بفتح مشروع آخر بجانب مشروع تربية المواشي لأستطيع إلحاق أولادي بالجامعة".
وتشير إلى أنها بالفعل بدأت بهذا المشروع بأعمال محدودة وأدوات بسيطة لكنها وسعت هذا المشروع ليصبح مصدراً مدراً للدخل لها ولأسرتها إضافة الى عدد من المتدربات لديها.
وتكمل نجاح حديثها عن مشوار نجاحها قائلة: "كل خطوة كنت أقوم بها كانت تحتاج الى مبلغ من المال لأستطيع البدء فيها، وفي كل مرة كنت أتوجه الى "فاتن" لتقدم لي الدعم والإسناد في كل خطوة أقوم بها".
وبذلك استطاعت المؤسسة الفلسطينية للاقراض والتنمية (فاتن) من رسم الابتسامة على وجه عائلة السيدة نجاح وتحقيق حلمها في إنشاء مشروعها الخاص بها من الأعمال اليدوية.
وحول مسيرتها تقول نجاح: "بدأت بدورة في الأردن تعلمت خلالها كيفية صناعة بعض الأعمال اليدوية التراثية، مثل الشغل بالصوف وكيفية الاستفادة منه وتطويره ليصبح أدوات تراثية جميلة يستفاد منها في الملابس والتزيين وغيرها".
وتضيف نجاح وهي تكمل صناعة طبق من القش أمام عدد من المتدربات لديها: "بعد الدورة أصبحت أمارس ما تعلمته في منزلي، وأروج لعملي وأقوم بتسويقه وذلك بعد أن ساعدتني (فاتن) بإعطائي عده قروض من أجل النهوض بمشروعي وإنجاحه".
وتعيد نجاح بأعمالها اليدوية البسيطة الصنع، المنتوجات التراثية القديمة التي ورثتها عن الآباء والأجداد، لترسخها في أذهان الأبناء وتضعها نصب أعينهم لتحافظ عليها من الإندثار.
وتجيد نجاح عمل الكثير من الصناعات اليدوية التقليدية مثل التطريز والنول وتنسيق الزهور وعمل الصابون النابلسي بالأعشاب، والاستفادة من الأكياس البلاستيكية المستعملة التي تعيد استخدامها لصنع الحقائب والزهور والعديد من الأشكال، كما تصنع كرات الصوف وتحيكها لعمل الفساتين والملابس للأطفال وغيرها من الأشكال والهدايا، وتشكيل الخرز، وصنع صواني القش والسلال من ورق الموز والنخيل الذي تجلبه من مدينة أريحا.
وتؤكد نجاح أن المرأة الفلسطينية قادرة على العطاء والتطوير وإعالة الأسرة إن وجدت من يأخذ بيدها ويدعمها، إضافة إلى تمتعها بالإصرار لإثبات ذاتها وايجاد قيمة لها داخل مجتمعها، علماً أن "نجاح" تشغل منصب رئيسة جمعية القدس للتعاون الخيرية في طوباس، كما انها عضو فاعل في المجلس البلدي هناك.
وتوضح نجاح أنها قد حصلت على عشرة قروض وبالتدريج من مؤسسة "فاتن" بمبالغ مختلفة وعلى فترات متفاوتة وكان آخرها هذا العام بقيمة 10000 دولار، حيث افتتحت مشروعا زراعياً آخر يتمثل في إنشاء خمسة بيوت بلاستيكية لزراعة الخضراوات.
وتقوم نجاح بتدريب الفتيات من داخل بلدتها وخارجها على الأعمال اليدوية، حيث تقدم العديد من الدورات التدريبية الخاصة بهذا المجال، وتشعر بفخر كبير بما انجزته وحققته من إعالة اسرتها وتدريس اولادها وتوفير الحياة الكريمة لهم، لتصبح عضوا فاعلا في المجتمع.
ونجاح سريعة التعلم ولديها هواية صنع الأشغال اليدوية، كما تمتلك صبراً وإرادة لا تحدهما حدود. بدأت بقرض صغير وعندما رأت " فاتن" التزامها بسداد مبلغ القرض وآمنت بنجاح مشروعها قامت باعطائها عدة قروض أخرى.
وحول تسويق المنتج، تقول نجاح التي شاركت في عدة معارض محلية إن هذه المنتوجات تلقى اقبالا كبيرا من قبل الأجانب، وخاصة اشغال النول والتطريز والخرز، كما تلقى إقبالا محليا جيدا، لكنها تطمح بأن يكون هناك وعي أكثر من قبل المجتمع المحلي بأهمية التراث الفلسطيني والمحافظة عليه.
وتقول نجاح أن البداية كانت صعبة لكن "فاتن" كانت كالعصا السحرية أخذت بيدها وساعدتها ايضا في التسويق وتعريف الناس بها واطلاعهم على أعمالها.
وتطمح نجاح مستقبلا في توسيع مشاريعها أكثر، وزيادة التسويق والمشاركة في معارض دولية لعرض التراث الفلسطيني في الخارج، وإنشاء مقر خاص لهذه الأشغال، إضافة إلى الاستثمار في المزيد من البيوت البلاستيكية.
وتضيف أن هذه الأعمال من شأنها احياء التراث التقليدي الفلسطيني في ظل التكنولوجيا المتسارعة التي نعيشها الآن والتي بدأت بإبعادنا عن كل ما هو تراثي وقديم.
ووجهت نجاح نصيحة إلى الشباب والشابات وكل من يملك فكرة رائدة ومشروعا إنتاجياً ولم يجد من يأخذ بيده بالتوجه إلى مؤسسة "فاتن" التي لم تتركها منذ بداية مشروعها حتى الآن.
من جانبها، تقول مديرة مكتب "فاتن" فرع طوباس السيدة بشرى بني عودة: "ان "فاتن" مؤسسة وطنية فلسطينية بإمتياز غير هادفة للربح، تأسست في عام 1999، تهدف لتشجيع الفئات المجتمعية الأقل حظاً على اختلاف الجنس والعمر للنهوض بنفسها وتطوير مشاريعها وايجاد مصدر دخل لها وترجمة احلامها ومشاريعها الى واقع.
وتشير بني عودة إلى أن "فاتن" قبل تقديمها القروض لأصحاب المشاريع تقوم بعمل دراسة جدوى وتحليل مالي حول مدى نجاعة المشروع واستمراريته وإمكانية تسديد القرض على دفعات مريحة.
وتنوه بني عودة إلى أن فرع "فاتن" في محافظة طوباس والأغوار الشمالية والذي تم افتتاحه مؤخرا قد اعطى ما يقارب الـ 650 قرضا لغاية الآن، أغلبها للمشاريع الزراعية والإنتاجية.
وتفاخر بني عودة بالإنجاز الذي حققته المقترضة "نجاح" مشيرة إلى أنها استطاعت تجسيد قصة نجاح يحتذى بها لمقدرتها على إثبات نفسها وتحقيق ذاتها كونها فرداً فاعلاً في مجتمعها، حيث إنها امرأة مكافحة وملتزمة وقد تعاملت وما زالت مع فاتن منذ حوالي تسع سنوات.
ووجهت بني عودة دعوة الى كافة الرياديين والمبدعين الذين يمتلكون أفكارا لمشاريع طموحة ولم يجدوا من يمولهم التوجه الى مؤسسة فاتن التي تستحوذ على نسبة 50% من الحصة السوقية للإقراض الصغير بفلسطين والتي تنتشر عبر 22 فرعا ومكتبا في مختلف أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة، من أجل تقديم يد العون لهم للنهوض بمشاريعهم وتحسين أحوالهم المعيشية وتطوير مصدر دخلهم، أو مساعدتهم في فتح مشاريع جديدة تقوم من خلال قروض مختلفة وبمبالغ متفاوتة حسب نوع المشروع ورغبة المقترض.