وكالات
يحاول الاحتياطي الفدرالي توجيه مسار الاقتصاد الأميركي في عام 2015 متخذاً كل أسباب الحيطة والحذر من أجل عدم الوقوع في أخطاء اقترفها السلف عام 1937 خشية أن يضيّع فرصة قوية لتطبيع السياسة النقدية بعد سبع سنوات من سياسة نقدية غير طبيعية بشكل متعمّد.
وفي تحليل تحت عنوان “لماذا يحتاج الاحتياطي الفدرالي إلى دفن شبح 1937″ قال العضو المنتدب وكبير محللي الاستثمار في ستيت ستريت غلوبال للاستشارات: “يؤكد العديد من صانعي السياسات ومراقبي الأسواق بأن مخاطر رفع الفدرالي لمعدلات الفائدة توشك أن تكون شبيهة بكابوس عام 1937 حينما رفع الفوائد قبل الأوان الأمر الذي فاقم حالة الكساد الكبير التي كانت سائدة وقتها.”
ويضيف آرون قائلاً: “يفترض معظم المستثمرين بأن الإجماع الحالي على استمرار انخفاض معدّلات الفائدة لفترة أطول يعني صعوداً للسندات والأسهم.”
وتلتئم لجنة السوق المفتوحة للاحتياطي الفدرالي هذا الأسبوع في اجتماع كان مفترضاً منه قبل بضعة أشهر فقط أن يقرّ أول رفع للفائدة منذ تسع سنواتK بيد أن النمو الاقتصادي الأبطأ من المتوقع، قد خفّف من الحاجة الملحّة لهذا التشديد المتوقع في السياسة النقدية.
وحتى الآن لا يتوقع المتداولون في بورصة شيكاغو للسلع رفع الفائدة قبل ديسمبر/كانون الأول المقبل.
صحيح أن آرون لا يعتقد أن الاحتياطي الفدرالي يجب أن يتحركّ الآن، غير أنه يعتقد بأن مخاطر الانتظار لفترة أطول من الزمن تفوق مخاطر التشديد قبل الأوان.
وبحسب رأيه فإن المخاطر في هذه البيئة تتزايد ولا تتجه للانكماش، فكلما طال انتهاج الفدرالي لهذا الطريق، كلما تطلب الأمر تشديداً أقوى من الاحتياطي الفدرالي، وجعل التعديل على أسعار الأصول أقسى عندما يحصل التشديد في نهاية المطاف.
ويتلخّص أكبر مخاوف الفدرالي من تكرار تجربة عام 1937، فهو يخشى بأن تؤدّي رغبته في تجنب الفقاعات وتطبيع معدلات الفائدة، إلى حصول هذا الأمر قبل الأوان، وإلى إغراق الاقتصاد في الركود من جديد، لاسيما وأن الاحتياطي الفدرالي قد خفض من معدلات الفائدة قصيرة المدى لتصل إلى الصفر في ظل الأزمة المالية والكساد العظيم، وهو يحافظ عليها منذ العام 2008.
وعلى الرغم من انتهاء الأزمة المالية رسمياً عام 2009، إلا أن الاحتياطي الفدرالي لم يغير سياسته. فعلاوة على معدلات الفائدة التي وصلت إلى الصفر، قام الاحتياطي الفدرالي بتعزيز ميزانيته العمومية لتصل إلى 4.5 تريليون دولار أمريكي في برنامج سيولة تمثّل أثره في رفع سوق الأسهم بنسبة 220%.
ويصرّ آرون على أن مقارنة 1937 مع العام 2015 هي مقارنة غير واردة. ففي ذلك الوقت، كانت أسعار المستهلكين تتراجع بينما كانت البطالة في تصاعد، في حين أن الأمور تسير في الاتجاه المعاكس حالياً. وبحسب رأيه فإن المقارنة الأجدى هي مع العام 1999، حيث استمر الفدرالي في المحافظة على معدلات فائدة منخفضة خلال فترة انفجار ما عرف وقتها بانفجار فقاعة الانترنت.
وفي مذكرة تعبّر عن الجوانب الأكثر إشراقاً من وول ستريت، قال مايكل هارتنت كبير الاستراتيجيين في بنك ميريل لينش الأمريكي : “إن تخطي الاحتياطي الفدرالي لمستوى الصفر عام 2015 سيبرهن على أن مجريات الأمور ستكون أقل تراجيدية من تلك التي كانت سائدة عام 1937، فالمستثمرون اليوم معتادون على فدرالي متساهل وليس على فدرالي متشدد، وينظرون إلى التضخم على أنه تحت السيطرة، مما يعزّز مصداقية الاحتياطي الفدرالي؛ كما أن ثقة المستثمرين في التعافي الاقتصادي تتعزّز من خلال دورة جيدة من ارتفاع نشاط قطاع المساكن، والإقراض المصرفي، ونشاط المؤسسات الصغيرة.”
وفي الحقيقة، ستواجه الشركات التي كانت تعتمد على القروض الرخيصة لتحافظ على انخفاض تكاليف الاقتراض ولترفع من إيراداتها، مستقبلاً صعباً، إذ ينصح هارتنت العملاء بمراقبة أسهم البنك، فإذا حققوا مكاسب في بيئة تتسم بارتفاع معدّلات الفائدة، فهذا يعني أن سياسة الاحتياطي الفدرالي ناجعة، وإن لم يكن الوضع كذلك فعليهم توخي الحذر.
وقد شهدت الأحوال الاقتصادية تغيراً كبيراً منذ أن بدأت سياسة تخفيض أسعار الفائدة إلى مستوى الصفر، فقد ارتفعت القيمة الصافية للمساكن من 62.5 تريليون دولار أمريكي عام 2010 إلى 84.9 تريليون دولار أمريكي عام 2015 .
أما البطالة، وعلى الرغم من تدهور نسبة المشاركة في القوى العاملة، فقد شهدت انخفاضاً من 10% إلى 5.5% . كما انخفض معدل عجز المستهلكين عن سداد القروض ليصل إلى أقل من 1% بعدما كان 5.5% في مايو/أيار عام 2009 تبعاً لما ذكرته S&P Capital IQ التي تعتقد بأن الطريق متاحٌ أمام الاحتياطي الفدرالي لرفع معدلات الفائدة في عام 2015.
وعلى الرغم من غياب الآمال في تحقيق الاقتصاد الأمريكي لمكاسب بنسبة 3% في هذا العام، تبقى الأوضاع بعيدة جداً عن تلك التي تسببت بصياغة السياسات التي كانت تهدف إلى معالجة تبعات الأزمة.
يقول آرون: “لا شك بأن معدّلات الفائدة القريبة من الصفر قد ساعدت على إنهاء الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، لكن الاقتصاد الأمريكي لم يعد يواجه الأحوال الطارئة أو المصائب التي كانت سائدة عام 1937، فلماذا لا يزال الأمر يتطلب سياسة نقدية طارئة؟”