الاقتصادي- وكالات- الناس سعداء يعملون بطريقة مختلفة. فهُم أكثر إنتاجية، وأكثر إبداعية، ومستعدّون لمجازفات أكبر. وقد أشارت أبحاث حديثة إلى أن السعادة قد تؤثر أيضاً على طريقة عمل الشركات.
فالشركات الواقعة في أماكن تضمّ أناس أسعد تستثمر بقدر أكبر، وفقاً لورقة بحثية من تأليف تونجي تشولون من جامعة لويولا ميريلاند وكارول غراهام من معهد بروكينغز. وبالتحديد، فإن الشركات العاملة في أماكن أسعد تنفق مبالغ أكبر على الأبحاث والتطوير. والسبب في ذلك، بحسب قولهم، هو أن السعادة ترتبط بطريقة التفكير ذات المدى الأبعد، والتي تعتبر ضرورية للاستثمارات المستقبلية.
لقد أراد كل من تشولون وغراهام أن يعرفا ما إذا كان التفاؤل والميل نحو المجازفة، واللذان يقترنان بالسعادة، سيغيّران أسلوب الشركة في الاستثمار. لذلك أجريا مقارنة ما بين المعدّل الوسطي للسعادة في المدن الأمريكية، والذي يقيسه معهد غالوب، والنشاطات الاستثمارية في هذه المناطق من قبل الشركات المدرجة في البورصة. (غالوب يطلب من المشاركين في الدراسة تقويم حياتهم على مقياس من 0 إلى 10، بحيث أن (10) تعني “أفضل حياة ممكنة”).
المؤكّد تماماً هو أن استثمارات الشركات وكثافة عمليات البحث والتطوير التي تقوم بها كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً مع سعادة المنطقة التي يقع المكتب الرئيسي للشركة فيها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل السعادة مرتبطة حقاً بالاستثمار، أم أن شيئاً آخر له علاقة بالمدن السعيدة كفيل بأن يفسّر لنا السبب وراء إنفاق الشركات لأموال أكثر على الأبحاث والتطوير؟ لمعرفة الإجابة عن هذا السؤال، أجرا الباحثان تجربة عزلا فيها تأثير مختلف العوامل التي قد تجعل الشركات أميل إلى الاستثمار – مثل الحجم والقطاع والمبيعات – وكذلك المؤشرات التي تدل على أن العيش في المكان أمر مرغوب، مثل النمو في الأجور والسكّان. وقد تبيّن بأن العلاقة بين السعادة والاستثمار كانت مؤكّدة عموماً حتى بعد أخذ تلك العوامل بعين الاعتبار (وفي هذه الحالة كانت الاستثمارات في مجال الأبحاث والتطوير أكبر مقارنة مع الاستثمارات الأخرى).
وقد كان الارتباط بين السعادة والاستثمار قوياً تحديداً في حالة الشركات الأحدث عهداً، وهو أمر عزاه الباحثان إلى “أن عملية اتخاذ القرار في هذه الشركات تقوم على قواعد أقل صرامة” فضلاً عن الحضور المحتمل لـ”مدراء أصغر سنّاً وأقل خبرة والذين يزداد احتمال تأثرهم بالمعنويات والمشاعر.” كما كانت هذه العلاقة أقوى في الأماكن التي تنتشر فيها السعادة بين الناس بمساواة أكثر. إذ يبدو بأن الشركات تستثمر أكثر في الأماكن التي يشعر معظم الناس فيها بالسعادة النسبية، مقارنة مع الأماكن التي تنتشر فيها “حالة عدم المساواة في السعادة بين الناس، أو التي توجد فيها فجوات في توزّع الرفاهية بينهم.”
صحيح أن هذا الأمر لا يثبت بأن السعادة تدفع الشركات إلى الاستثمار بقدر أكبر أو إلى اتخاذ نظرة أبعد مدى، إلا أن المؤلفان يعتقدان بأنه يشير إلى تلك الاحتمالية ولو تلميحاً على الأقل. ليس من الصعب التخيّل بأن الثقافة المحلية والمعنويات تساعد في تحديد طريقة تفكير المدراء التنفيذيين بالمستقبل. فكل ما عليكم فعله هو أن تسألوا أي شخص عاش لفترة في وادي السيلكون في كاليفورنيا. تقول غراهام: “يبدو من المنطقي جداً بالتأكيد بأن الناس السعداء سيكونون أكثر تطلعاً إلى المستقبل وإبداعية، وأكثر ميلاً نحو الأبحاث والتطوير مقارنة مع المعدّل الوسطي.”
إذا كان ذلك صحيحاً، فإنه سيعزّز النظرية الملفتة الموجودة أصلاً من قبل، والتي تقول بأن السعادة تحدّد الطريقة التي نعمل بها. ولكن صحيح أن التركيز على السعادة في مكان العمل متعلّق بمعظمه بمدى تفاعل العمّال الموجودين على الخطوط الأمامية، إلا أن الارتباط القائم بين السعادة والاستثمار هو إشارة إلى أن الرضى الأوسع نطاقاً هو أمر مهم أيضاً. وفي وقت ابتليت الشركات فيه بالتفكير القصير الأجل وتجلس على أكوام من الأموال النقدية، قد تكون السعادة هي الجزء المفقود من الصورة.
حتى لو لم يكن الارتباط بين السعادة المحلية والاستثمار مؤكداً حتماً، إلى أن العمل الذي قام به كل من تشولون وغراهام هو مثال لطيف على الطريقة التي يمكن أن تؤثر فيها الجغرافيا على شكل الشركات. وهما ليس أول من قال بأن المكان يؤثّر على طريقة تفكير الشركات بالمستقبل.
ففي مقال منشور في هارفارد بزنس ريفيو عام 2007، عرض منصور جافيدان نتائج بحثه الذي قارن فيه بين “التوجّه المستقبلي” للمجتمع ومستوى نجاحه الاقتصادي. وقد سأل هو وزملاؤه آلاف المدراء في أنحاء العالم عن مدى اتفاقهم مع العبارة التالية: “الناس الذين يعيشون من أجل الحاضر أكثر من الناس الذين يعيشون من أجل المستقبل.” وقد كان هناك ارتباط سلبي بين الموافقة على هذه العبارة وبين التنافسية. فكلّما كانت إفادة المدراء في بلد معيّن عن أن الناس فيه يعيشون من أجل الحاضر أكبر، كلّما كان الأداء الاقتصادي لذلك المجتمع أسوأ.
ليس من السهل التخيّل كيف تعزّز النظرة القصيرة الأجل للشركات وعدم السعادة بعضهما البعض. لكن الأماكن الأقل تفاؤلاً، والأقل تركيزاً على المستقبل، والأقل سعادة قد تعيق الاستثمارات. وغياب الاستثمارات، بدوره، يعطي الناس أسباباً أقل للشعور بالتفاؤل تجاه المستقبل.
لكن البشرى تظل بأنه على الرغم من أن العمل الذي قام به جافيدان توصّل إلى أن المجتمعات تتفاوت في مدى تركيزها على المستقبل، إلا أن معظم الثقافات اتفقت على أن الناس “يتعيّن عليهم” الاهتمام بشكل أكبر بالمستقبل على المدى البعيد. وقد كتب جافيدان قائلاً: “بسبب تلك القيم المشتركة، من الممكن تشجيع الناس وإلهامهم للكي يصبحوا أكثر تركيزاً على المستقبل.” أمّا حالياً، وعندما يتعلّق الأمر بمقاومة التفكير القصير الأجل، فإن الشركات الموجود في أماكن أكثر سعادة وأكثر تركيزاً على المستقبل لها قصب السبق في هذا المجال.