فؤاد جبر
التحكيم من أقـدم وسائل فض النزاعات وعرفه العرب قبل الإسلام كما عرفته الحضارات القديمة ( اليونانية والرومانية وغيرها) فكانوا يختارون محكّمين من ذوي الخبرة وسعـة الإدراك والرأي السديد الى جانب السمعة الحسنة والأمانة ورجاحة العـقـل والمعرفة
بأعراف وتقاليد المجتمع، فكانوا يثـقون بهم ويتوخون فيهم الحيادية والعدالة وجرأة القرار الذي كانت أطراف النزاع تـتـقبله وتـنفـذه - مهما كان حجمه وقيمته - احتراما للمحكّم والمجتمع.
وقـد تم حسم النزاعات في الزمن القديم قبل أن تظهر القوانين الوضعية والقضاء ولا يفوتنا هنا أن نذكر ونقدّر رجال الإصـلاح والقضاء العشائري في مجتمعنا المعاصر الذين قاموا ولا زالوا منذ سنين طويلة بحل قضايا مختلفة انتهت بالمصالحة ، وطبعا لا يمكن أن نفي القضاء العشائري حقـه وتعداد إيجابياته وانجازاته على مر التاريخ بهذه العجالة.
إلا أنني أردت أن أعّبر عن مدى التقدير للقضاء العشائري علما بأن عدداً ممن مارسوا القضاء العشائري عبر سنوات عديدة مضت أصبحوا اليوم محكّمين يعالجوا قضايا تجارية وانشائية وعقارية - أعضاء في جمعية المحكّمين الفلسطينيين ومؤسسات تحكيمية محلية وعربية - وهم معتمدون من وزارة العدل.
وقد شاركوا في دورات ساهمت في صقـل خبراتهم السابقة وتأهيلهم ليخدموا مجتمعهم في حل النزاعات على اختلافها ، ولا يفوتنا أن نذكر أيضا جهود بعض الغرف التجارية وملتقيات رجال الأعمال في تسوية نزاعات أعضائها التجارية ولكننا عندما نتحدث عن إتباع السبل البديلة في فض النزاعات المالية و/ أوالمصرفية و/ أو الهندسية وفق قوانين وقـواعد وإجراءات رسمية لممارسة التحكيم فالأمر يختلف اذ أن ما يمكن تجاوزه في حل النزاع عشائريا أو من خلال عضوية غرفة تجارية أو ملتقى رجال أعمال لا يسمح به قانون التحكيم.
فبالسهـو عن جزئية بسيطة من اجراءات التحكيم خلال معالجة قضية ما يؤدي ذلك الى الطعن بقرار المحكّم – أو هيئة التحكيم - حتى لو كان السهو تقنيا ، الأمر الذي يعرقل تنفيذ قرار التحكيم ويفرض اجراءات تطيل مدة معالجة القضية ...وسنتناول موضوع الإجراءات والطعن بقرار التحكيم في حلقات قادمة بحول الله .
فعندما يتضمن أي عـقد لتنفيذ مشروع ما أو استيراد منتجات معينة (بند التحكيم ) ينص على أنه في حال وقوع أي خلاف حول العقد الموقع بين اطراف الصفقة فتتم تسويته بالتحكيم.
وعندما يقع الخلاف ... يقوم الخصمان باختيار محكّم - أو هيئة تحكيم - لتسوية النزاع ويلتزما بقبول أي قرار يتم التوصل اليه في نهاية عملية التحكيم ، وفي حال تراجع أحدهما عن التزامه باتفاق التحكيم والتوجه للقضاء الرسمي بقصد كسب الوقت - لمعرفته بطول فترة التقاضي بالمحاكم جراء تراكم كميات كبيرة من القضايا لسنوات طويلة ، فإن المحكمة ترفض قبول قضيته وتحثه على الالتزام باتفاق التحكيم ، وحينها لن يكون أمامه الا التوجه للتحكيم واختيار محكّم – أو الموافقة على هيئة تحكيم - حيث يختار كل طرف محـكّم ويقوم المحكمان باختيار محكم مرجّح يتولى رئاسة الهيئة ... جدير بالذكر أن الاسلام شرع التحكيم بقوله تعالى في سورة النساء :( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما) صدق الله العظيم .
مزايا التحكيم
للتحكيم مزاياه التي تجعل منه الحل الأفضل في تسوية النزاعات وأهم هذه المزايا:
- حرية اختيار أطراف النزاع المحكّم - أو القضاة - لفض نزاعهما والتزامهم بقبول قرار التحكيم.
- توفر الخبرة و الإختـصاص لدى المحكّمين
- تحديد زمن ومكان ولغة التحكيم.
-مرونة في سير عملية التحكيم.
- توفر الخصوصية والسرية بمراحل التحكيم ، ويمنع القانون نشر أي معلومات أثناء وبعد انتهاء التحكيم .
- امكانية تحويل قرار التحكيم لمصالحة.
- حل النزاع في مدة محددة لا تتجاوز السنة - باستثناء حالات قليلة معينة يتم التمديد لعدة شهور فقط - بينما يستغرق البت في القضايا المعروضة أمام القضاء الرسمي سنوات عديدة.
- توفير في الوقت والكلفة.
- التحكيم أقـره القانون ولدى صدور قـرار التحكيم يصادق عليه قاضي المحكمة ويصار الى تنفيذه حسب القانون كأي قرار صادر عن القضاء الرسمي .