غزة - الاقتصادي - افاق البيئة والتنمية - يبدي المزارع أبو هاني الأغا خشيته من أن تعاود السلطات الإسرائيلية مجددًا رش المنطقة الحدودية في جنوب شرق قطاع غزة بمبيدات الأعشاب، تمامًا كما فعلت ربيع العام الماضي وكبدته آنذاك خسائر مادية كبيرة.
وزارة الزراعة في غزة أبلغت المزارعين الفلسطينيين بحصر السلطات الإسرائيلية –وفق إفادة اللجنة الدولية للصليب الأحمر- عمليات الرش تكون عادةً في الفترة الواقعة بين 25 ديسمبر إلى 15 يناير، ولكن رغم ذلك، فإن شبح الخسارة يلاحق الأغا مجددًا، إذ أن آخر عملية رش للمبيدات كانت العام الماضي في نيسان، مما أتى على جزء كبير من محاصيله الزراعية، كما يقول.
ويؤكد الأغا خلاله حديثه لـ"مجلة آفاق البيئة والتنمية"، أن رفض السلطات الإسرائيلية تحديد يومٍ بعينه لإجراء عمليات الرش جعل المزارعين في حيرة من أمرهم، حتى أن بعضهم متوقفون عن فلاحة أرضهم حتى إشعار آخر...
ويضيف الأغا وهو من سكان بلدة القرارة شرقي محافظة خان يونس، إنه عاجز في هذا الموسم عن اتخاذ قرار من عدمه، بشأن معاودة استئناف النشاط الزراعي في أرضه خشية من تكبده خسائر جديدة تثقل كاهله.
ويقول: "هناك 5500 شوال من الأسمدة والبذور غير قادر على رشها وزراعتها في مساحة 300 دونم من الحدود خوفًا من المبيدات الإسرائيلية".
ويتابع: "في بلدة شرق القرارة (شرق خان يونس) وحدها هناك 2800 دونم لم يتمكن المزارعون حتى اليوم من زراعتها، والأصل أنها مزروعة حاليًا بالقمح والشعير والبازيلاء والعدس وغير ذلك".
وبنبرة صوتٍ حادة يشرح الأغا كيف قضت المبيدات الإسرائيلية في نيسان الفائت على 21 دونمًا من أرضه كانت مزروعة بالسبانخ والعدس والبازيلاء، وقد بلغت مجمل خسائره قرابة 15 ألف دولار.
ويشتكي هذا المزارع من عدم حصوله على أي تعويض من أي جهة كانت، كما يقول.
ووفق إحصاءات فلسطينية رسمية، فإن مساحة الأراضي الزراعية في المنطقة الحدودية في قطاع غزة تقدر بـ29 كيلو متر مربع، تمثل 25% من مساحة الأراضي الزراعية في القطاع، وفي غالبيتها أراضٍ مزروعة.
ويعمل في هذه الأراضي التي تمثل سلة غذاء مهمة لسكان القطاع قرابة 30 ألف مزارع يعيلون من 150-200 ألف شخص.
تجربة مريرة
المزارع أبو سامي نسمان كانت له تجربة مريرة مماثلة لتجربة المزارع الأغا حينما تفاجأ بتلف كبير لغالبية محصوله من البازيلاء على امتداد 20 دونمًا، كانت مزروعة على الحدود الشمالية لقطاع قطاع غزة.
ويشير نسمان إلى أن طواقماً من اللجنة الدولية للصليب الأحمر هي من تقوم بزراعة هذه الأراضي لكنها متوجسة من زراعتها هذا العام خوفًا من المبيدات الإسرائيلية، وبالتالي هلاكها وتكبيد المزارعين خسائر فادحة مثلما حدث العام الماضي، حيث وصل الضرر إلى مسافة كيلومتر واحد داخل حدود قطاع غزة وطال محاصيل السبانخ والبقدونس والكوسا وغيره.
وينوه إلى أن السلطات الإسرائيلية اعتادت في الماضي على رش المنطقة الحدودية بجرار زراعي "تراكتور" منخفض، أما اليوم استعاضت عنه بالطائرات وهو ما يمكّن الرياح من سحب المبيدات إلى المناطق الزراعية الفلسطينية.
ويتابع: "نحن الآن في أجواء الشتاء، والرياح ليس لها اتجاه معين. فمثلًا في أحد الأيام التي قامت إسرائيل بالرش فيها، كان اتجاه الرياح شرقيًا مما أثر بشكل كبير على المحاصيل الفلسطينية".
ويتهم نسمان السلطات الإسرائيلية بتعمد التعمق في عمليات الرش، بحيث تصل إلى حقول المزارعين الفلسطينيين.
وكانت القوات الإسرائيلية تمنع كافة المزارعين على طول الحدود الشرقية والشمالية للقطاع من الوصول إلى أراضيهم الزراعية أو فلاحتها لعدة سنوات قبل الحرب الأخيرة في عام 2014م على مسافة تتراوح من 500-1000 متر حسب المعايير الأمنية التي تحددها تلك القوات، وفق وزارة الزراعة بغزة.
قضية متجددة
بدوره، قال رئيس قسم المكافحة المتكاملة في وزارة الزراعة بغزة المهندس أدهم البسيوني، إنه في كل عام تقدم السلطات الإسرائيلية على رش المناطق الحدودية الشرقية للقطاع من غير أي إشعار للفلسطينيين، وبالتالي يتكبد المزارعون خسائر فادحة مثل العام الماضي، مشيرًا إلى تأثر وتضرر حوالى 4 آلاف دونم بفعل ذلك.
وذكر أن وزارة الزراعة تقدمت بطلب رسمي من اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإبلاغهم بموعد إقدام السلطات الإسرائيلية على الرش، غير أن السلطات اكتفت بالقول بأن عملية الرش ستكون ما بين 25 ديسمبر إلى 15 يناير.
ووصف الفترة الواقعة بين التاريخين (20 يومًا) بأنها "طويلة وصعبة على المزارعين، فمهما اتخذوا من تدابير واحتياط فإن الضرر سيلحق بهم لا محالة".
وينبه البسيوني إلى أن عدم معرفة وزارة الزراعة طبيعة المواد المستخدمة في عمليات الرش يحدُّ من قدرة الطواقم الفلسطينية على اتخاذ التدابير الوقائية، فيما اكتفت الوزارة بإبلاغ جميع المزارعين في المناطق الحدودية، وخاصةً من لديه محصول ناضج يمكن أن يقطفه قبل عملية الرش، أما من لم يزرع فيمكنه أن يؤخر الزرع إلى أيام لاحقة".
وذكر أن عمليات الرش تستهدف كامل الشريط الحدودي لقطاع غزة من بيت حانون شمالا إلى رفح جنوبًا، ولم يُحدد في الوقت نفسه حصيلة رسمية بحجم الأضرار لهذا العام، لكنه أكد أنها ليست بحجم أضرار العام الماضي.
وعرّف مواد مبيدات الأعشاب بأنها مبيدات تقضي على المجموع الخضري للنبات، وكذلك تمنع إنبات البذور من داخل التربة.
وطالب المؤسسات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان بمساندة المزارعين واتخاذ الإجراءات الفاعلة لتقليل الخسائر أو تفاديها، والضغط على السلطات الإسرائيلية لوقف هذه الممارسات التي تضر بالبيئة والزراعة الفلسطينية.
وذكر الدكتور ياسر النحال أن المزروعات الحدودية تتأثر بشكل مباشر وبالغ من مبيدات الأعشاب كونها مخصصة للقضاء على معظم الأشتال النباتية المختلفة, لكنه قلّل من تأثيرها على المدى البعيد على الأراضي الزراعية، لأن التربة تحتوي على كائنات بكتيرية مختلفة تنظف التربة من الملوثات المختلفة.
وقال: "منذ اليوم، يمكن للمزارعين اعتبار الفترة الواقعة بين 25 ديسمبر و15 يناير فترة موسم زراعي ميت لتفادي أية أضرار".