رام الله - الاقتصادي - (آفاق البيئة والتنمية) - كعقابٍ جماعي على العملية التي نفذها الشهيد المقدسي فادي القنبر في الثامن من شهر يناير/كانون ثاني المنصرم، باشرت حكومة الاحتلال الإسرائيلي سلسلة من الإجراءات العقابية التي طالت البشر والشجر والحجر.
ومن ضمن الإجراءات العقابية التي نُفذت، قامت آليات الاحتلال بجرف مساحة نحو 300 دونم من أراضي عرب السواحرة الواقعة في المناطق المصنفة (ج) حسب اتفاقات أوسلو، واقتلاع العشرات من شجيرات "الرغن والقطف وكاتسيا" وهي شجيرات زرعت ضمن مشروع إقامة محمية طبيعية على أراضي البلدة.
يقول يونس جعفر رئيس بلدية السواحرة: "افتتحنا المحمية في شهر أكتوبر من العام الماضي، وزرعنا هذه الشجيرات كغذاء مساند للمواشي، نحاول تعزيز وجود المواطنين في هذه الأراضي لكن الاحتلال يريد للمنطقة أن تبقى فارغة من السكان ليُحكم سيطرته عليها".
هذه الخطوات التصعيدية من الاحتلال، ربما تكون بإتجاه وضع اليد على المنطقة، لتضاف لاحقا إلى سلسلة مشاريعه التهويدية في مدينة القدس المحتلة، والتي على رأسها مخطط القدس 2020 التهويدي.
المخطط 2020
وفقا لخليل التفكجي مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، فإن المخطط 2020، هو أحد مخططات الاحتلال الخاص بمدينة القدس، الهدف منه تحديد عدد السكان العرب وزيادة عدد السكان اليهود، ومن ضمن الخطوات الرامية لتحقيق هذا المشروع توفير وحدات سكنية بأعداد كبيرة تفوق الحاجة الحقيقية لليهود، بحيث أُعطيت لهم 6500 دونم لتطوير الأحياء وبناء 59 ألف وحدة سكنية، بينما خصصت للأحياء العربية ما مساحته 2500 دونم.
يقول موظف في "بلدية القدس" لمجلة آفاق البيئة والتنمية رفض ذكر اسمه، إن مساحات كبيرة من المناطق المصنفة خضراء في القدس تم تحويلها إلى أراضٍ يمكن البناء عليها، لكن المصدر ذاته رفض التصريح عن مساحة هذه الأراضي، لكنه أشار إلى أن الأراضي الخضراء نوعان، الأول عام ويُمنع البناء فيه بشكل مطلق والثاني خاص ويمكن البناء فيه بعد تقديم المخططات التفصيلية ومشروع تنظيم توافق عليه البلدية ووزارة الداخلية ومن يمثلها وتحديدا المحكمة اللوائية.
تجريف وتخريب الاحتلال للأراضي الفلسطينية في برية القدس
وبحسب المصدر ذاته، فإن شروط البناء في المناطق الخضراء الخاصة لا تشمل الأراضي ذات الملكية العربية، وتدعي البلدية أنه يسمح لليهود بذلك فقط بما يحقق المصلحة العامة، بمعنى استخدام الأراضي بهدف بناء مرافق عامة عليها.
ولصالح المخطط ذاته، صادرت حكومة الاحتلال 450 دونما من الأراضي الواقعة جنوب قرية العيساوية بالقدس، لتطرح لاحقا المخططات الرامية لتحويل الأراضي المصادرة إلى حدائق توراتية، ما استدعى أهالي القرية إلى تقديم الاعتراضات للمحكمة، التي ردت بقرار يقضي بتنفيذ المشروع ودراسة حاجات القرية أولاً، ولا يزال القرار مجمدًا وتُدرس أوراقه في أروقة المحاكم الإسرائيلية.
ويرى درويش درويش مختار قرية العيساوية، أن القرار في حال تمت المصادقة عليه واستئناف تنفيذه، فإنه سيخنق القرية التي تعاني أصلاً من الاكتظاظ السكاني، خاصة وأن الجهة الجنوبية هي المنفذ الوحيد للتوسع العمراني لأهالي القرية، حيث يوجد في جهتها الشمالية مكبٌ للنفايات على مساحة 500 دونم، وفي الشرق حاجز مخيم شعفاط العسكري ومعسكرٌ لحرس الحدود الإسرائيلي.
ولم يكتفِ الاحتلال بعمليات المصادرة هذه، حيث جرفت آلياته 12 دونما مزروعة بمختلف أنواع الفاكهة، كما هدمت في ذات المنطقة بركسًا للمواشي وجرفت كل ما كان موجودا في هذه المساحة، إلى جانب جرفها لثماني دونمات في منطقة "خلة العجوز" الواقعة بين قريتي العيساوية والطور، كانت قد زُرعت بالأشجار المثمرة، ولا زالت ملفات هذه الأراضي تراوح مكانها في المحاكم الإسرائيلية.
نبذة تاريخية
تبلغ مساحة القدس الشرقية التي ضمت إلى إسرائيل بعد حرب عام 1967، 72 كيلو مترا مربعا، وهي مخططة للتطوير العربي الفلسطيني ومع ذلك فإن 36.4% من هذه المناطق المخططة ما زالت تعتبر مناطق خضراء أو محميات يمنع التطوير الفلسطيني فيها.
وبحسب التفكجي فإن 13% فقط من مساحة القدس مخصصة للوجود الفلسطيني حالياً، أما المناطق الخضراء والمفتوحة فتستخدم كآلية لضبط التطوير الحضري لكنها في الحقيقة لا تخدم المقدسيين في الغالب، ويمكن أن يتم تحويلها لاحقا الى مستوطنات إسرائيلية كما هو الحال في شعفاط حيث بنيت على جزء من أراضي القرية مستوطنة "راموت شلومو".
وترجع قصة "رامات شلومو" بحسب التفكجي إلى العام 1973 حيث تم الإعلان عن المخطط الذي تمت المصادقة عليه عام 1991، وهدفه تحويل جزء من المخطط (ب 3000) الذي أعد عام 1985، والذي أعتبر هذه المنطقة خضراء مفتوحة ولكن تم لاحقا تحويلها إلى منطقة سكن لليهود حسب مخطط العام 1973.
أما جبل أبو غنيم، فيشير رئيس دائرة الخرائط إلى أن أراضيه أعتبرت مناطق خضراء وفق المخطط عام 1968، واستكملت في العام الذي يليه عمليات التحريج فيها كمنطقة محمية حرجية. وفي العام 1990 تم الإعلان عن استملاكها تحت حجة المصلحة العامة بموجب قرار صادر عن وزير المالية، وتمت المصادقة على المخطط التفصيلي رقم 5053 عام 1996، وحُولت بموجبه المنطقة الحرجية إلى منطقة سكن وتطوير، وأقيمت 6500 وحدة سكنية على مساحة المخطط البالغة 2058 دونما، مع العلم أن مساحة الاستملاك كانت حوالي 1850 دونما وبهذا تم القضاء على الأراضي الخضراء.