وكالات
يحضر القائمون على البنوك المركزية أنفسهم لأكبر تحد في تاريخهم الوظيفي يفرضه رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي معدلات أسعار الفائدة.ولا يزال توقيت هذه الخطوة الحاسمة غير محدد خاصة وأن كل البيانات الاقتصادية التي صدرت حول أداء الاقتصاد الأمريكي منذ بداية العام الحالي لا تمنح الاحتياطي الفيدرالي القدر الكافي من الزخم كما كان عليه الوضع نهاية عام 2014، وإن كانت رئيسته جانيت يلين تؤكد أن رفع الفائدة سيتم قبل نهاية العام.
يعتقد خبراء الاقتصاد أنه عندما تتخذ يلين قرارها الموعود فإن ردة الفعل التلقائية هي هروب الاستثمارات من أمريكا اللاتينية وآسيا نحو الولايات المتحدة. وهذا يعتبر امتحاناً صعباً لصناع القرار في البنوك المركزية في تلك المناطق ولاستراتيجيات الوقاية التي اعتمدوها في ظل عصر الفائدة الصفرية.
وأول خطوط دفاع المصارف المركزية هي رفع أسعار الفائدة التي يلجأ إيها القائمون عليها لإغراء المستثمرين بعدم ترحيل أموالهم إلى الولايات المتحدة.
وتختلف درجة تجاوب الأسواق الناشئة حيال الخطوة المذكورة. فمعظم الدول المستهلكة للنفط ومنها الهند، خفضت مؤخراً أسعار الفائدة نظراً لما تسبب به تراجع سعر النفط من تأثير في التضخم، بينما تضطر دولة مثل البرازيل لرفع تكاليف القروض نتيجة لارتفاع معدلات التضخم.
وسوف تختلف شدة الضغوط باتجاه رفع أسعار الفائدة من بلد لآخر استنادا إلى السرعة التي يتحرك بها الاحتياطي الفيدرالي ومقدار الرفع وتوقيته ونمطه.
وفي الوقت الذي تشكل زيادات اسعار الفائدة محور تحرك المسئولين في البنوك المركزية حيال أسواق الأسهم عند هروب الرساميل، فقد أكثرت البنوك المركزية من تجريب هذه الأداة ولكن بدرجة انضباط أدنى.
وشملت إجراءاتهم تكديس كميات كبيرة من الاحتياطي النقدي بالقطع الأجنبي إضافة إلى فرض قيود على تداولات البنوك بالعملات الأجنبية حيث يرى بعض الخبراء أنها نوع من سياسة الأمر الواقع للتحكم في حركة الأموال.
ومنذ الأزمة الآسيوية عام 1997 كدست البنوك المركزية في الأسواق الناشئة درعاً واقية من الاحتياطيات النقدية بلغت قيمته الإجمالية حسب تقرير صندوق النقد الدولي 7.74 تريليون دولار،وتقف جاهزة لنشر تلك الدرع تماماً مثلما فعلت في أوج الأزمة المالية العالمية.
لكن الخبراء يرون أن استخدام القطع الأجنبي لشراء االعملات المحلية إبان موجات البيع العاتية لا يحد من الفوضى. فالمستثمرون يدركون أن لدى البنك المركزي مبالغ ضخمة يضحي بها ويستمرون في البيع واضعين مسؤولي البنوك المركزية تحت مزيد من الضغوط.
ومع ذلك لا يزال حكام البنوك المركزية في الدول الناشئة يعتقدون أن التدخل في أسواق الصرف يمكن أن يقلص حجم المشكلة.كما يعتقد هؤلاء أن إبداء الحزم في ضبط الأسواق لا بد أن يردع المضاربين.
لكن الخطوة الأكثر ترجيحاً هي أن يلجؤوا إلى تشديد القيود على حركة الأموال ما يحد من قدرة المستثمرين الأجانب على سحب أموالهم خلال مدة الأزمة.ومثل هذه الإجراءات تواجه بالامتعاض من قبل المنظمات الدولية ذات العلاقة،رغم أن البنك الدولي بات أكثر تفهما وانفتاحا عليها منذ عام 2012.
وسجلت دول مثل المكسيك وتشيلي موقفاً متميزاً في الحد من استخدام مثل هذه الأدوات.ويقول تشارلز كولينز كبير الخبراء في معهد التمويل الدولي:«لا أرى تحولاً يذكر نتج عن القيود التي تفرضها البنوك المركزية لضبط حركة الرساميل.»
وعلى أي حال إذا ما فاجأ الاحتياطي الفيدرالي العالم بقرار رفع الفائدة بمعدلات تفوق حدود التوقعات فلا بد أن تتغير معايير قياس التكلفة التي تترتب على الخطوة. ويقول كولينز إن نسبة التوتر لا بد أن تزداد ولا يستبعد أن تقدم تركيا مثلا،على رفع أسعار الفائدة بعد كم الضغوط الهائل الذي تعرضت له،في حين تبدي بنوك مركزية في دول أخرى بعض الحذر معتمدة معايير أكثر شمولية من مجرد رفع الفائدة.
وتجري منظمات دولية مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مفاوضات مكثفة حول الخطوة المناسبة في ظل خلافاتها الدائمة حول عدد من القضايا الأخرى. ويبقى مكمن الخطر في أن تتصرف كل دولة بمفردها بمعزل عن المنظمات الدولية يفسد على الأخيرة كل ترتيباتها.