(رويترز) - يقف مراد دالغا في متجر يمتلئ بكل شيء عدا الزبائن.. ويقسم أنه لن يعطي صوته لحزب العدالة والتنمية الحاكم في الانتخابات التركية القادمة.
وسط صفوف الأجهزة التلفزيونية والثلاجات المتراصة قال دالغا (38 عاما) "لم أر سوءا كهذا طوال 20 عاما... اعتدنا أن يكون حزب العدالة والتنمية هو حزب الطبقة العاملة لكنه لم يعد هكذا. سينزف بالقطع هذه المرة."
ولأول مرة منذ وصوله للحكم عام 2002 يتجه حزب العدالة والتنمية للانتخابات وهو تحت نير الاقتصاد مع تعثر النمو وارتفاع البطالة ومستويات دين المستهلكين.
ويسلح هذا المعارضة بسلاح هجومي جديد ويبرز الصعوبات التي سيواجهها الحزب الحاكم بعد انتخابات السابع من يونيو حزيران حين يضطر لتطبيق إصلاحات كان ينبغي أن يبدأها منذ أمد من أجل خفض الدين الشخصي وديون الشركات وتعزيز المدخرات وزيادة الإنتاجية.
ويعتقد المستثمرون أن حزب العدالة والتنمية سيفوز بعدد من المقاعد يكفيه للبقاء في السلطة كحزب حاكم بمفرده واستمرار عمل فريقه الاقتصادي وإن كان استطلاع للرأي تجري متابعة نتائجه عن كثب قد تنبأ بأنه سيضطر لتشكيل ائتلاف.
لكن من شبه المؤكد ألا يحقق الحزب الأغلبية الكبيرة المطلوبة لتغيير الدستور وإعطاء مؤسسه الرئيس رجب طيب إردوغان السلطات الأوسع التي يبتغيها.
قال فيدات مزراحي عضو مجلس الإدارة المنتدب في شركة أونلو آند كومباني للاستشارات المالية إن أي أداء ضعيف للحزب في الانتخابات قد يكون بمنزلة دعوة لليقظة والحراك.
وأضاف "إذا فقد حزب العدالة والتنمية قدرا من شعبيته فإن هذا قد يدفعه للتركيز أكثر على إدارة الاقتصاد والإصلاح."
ومضى قائلا "لم نر أي إصلاحات في السنوات الأخيرة وتخلفت تركيا بالفعل عن نظرائها في الأسواق الناشئة."
* الوضع الاقتصادي
نعمت تركيا بسنوات من النمو الملفت في عهد العدالة والتنمية. ففي عام 2002 كان متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 3600 دولار وهو ما كان يضع تركيا قبل غينيا الاستوائية مباشرة. وبحلول عام 2013 زاد لثلاثة أمثاله مسجلا 11 ألف دولار لتتقدم تركيا على ماليزيا. وبعد أن تجاوز حجم الناتج السنوي 800 مليار دولار تقف تركيا الآن بارتياح في مصاف أقوى 20 اقتصادا في العالم.
لكن النمو تعثر وتراجع إلى 2.9 بالمئة العام الماضي بعد أن كان يزيد على أربعة بالمئة في 2013. ويقول بعض منتقدي السياسة التركية إن البلاد تعتمد أكثر من اللازم على قطاع الإنشاء والاستهلاك الخاص والدين وتحتاج بقوة لتعزيز مدخرات الأسر.
وقال خليل كراويلي مدير تحرير نشرة (ذا تركي أناليست) "الاقتصاد التركي أشبه بفقاعة.. فهو يعتمد على تدفق رأس المال الأجنبي وهو ما أتاح للناس الاقتراض والاستهلاك."
وتابع بقوله "معدل الادخار منخفض بشدة.. هناك اعتماد تام على تدفق رأس المال الأجنبي الذي دعم الاستهلاك ودعم هذه الطفرة الإنشائية."
ولايزال العجز في ميزان المعاملات الجارية والذي تجاوز خمسة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي مصدر قلق وكذلك ديون المستهلكين.
وخلال العشر سنوات الماضية قفزت قروض المستهلكين 11 ضعفا. ويساوي الدين المقوم بالدولار ما يقرب من 30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مما يعني انهيارا متكررا في قيمة العملة ومن ثم ارتفاعا في تكاليف الإقراض.
وأتاح ضعف الاقتصاد فرصة لحزب الشعب الجمهوري.. حزب المعارضة الرئيسي.
قال سنان أولجن رئيس مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية في اسطنبول "لم تكن المعارضة ترغب قبل هذه الانتخابات في التطرق للاقتصاد لأنه كان يعتبر نقطة تصب في صالح الحزب الحاكم. لكن الأمور تبدلت. خطفت المعارضة الأجندة الاقتصادية من حزب العدالة والتنمية."
ويريد حزب الشعب الجمهوري رفع ضريبة الدخل عن الأجور المتدنية وكذلك إنشاء لجنة إشرافية بغرض تحسين النظام المالي.
وقالت سيلين سايك نائبة رئيس حزب الشعب الجمهوري إن هبوط الليرة الحاد هذا العام والذي أرجعه المستثمرون للقلق من تأثر السياسة النقدية بالتحركات السياسية علامة من علامات إساءة تعامل الحكومة مع الاقتصاد.
وأضافت في تصريحات لرويترز "الدول التي تعمل جيدا وتتمتع بقيادة جيدة وتجري إصلاحات وتتطلع للمستقبل لا ينالها مثل هذا العقاب."
* مستقبل باباجان
السؤال الأساسي في أذهان كثير من المستثمرين الأجانب هو مصير علي باباجان نائب رئيس الوزراء البالغ من العمر 48 عاما والذي ينظر إليه منذ فترة طويلة على أنه أحد عناصر ثقة المستثمرين.
فباباجان كان مسؤول الاقتصاد خلال معظم سنوات حزب العدالة والتنمية الثلاث عشرة في الحكم. لكن لا يسمح له الآن بالسعي لإعادة انتخابه نظرا لأنه استكمل الحد الأقصى للحزب المتمثل في ثلاث مدد.
وصرح مسؤولان رفيعان في أنقرة لرويترز بأنه سيحتفظ ولو بدور استشاري لرئيس الوزراء أحمد داود أوغلو إذا شكل حزب العدالة والتنمية الحكومة القادمة.
وقال أحد المسؤولين "ما من شك إطلاقا في أن باباجان سيكون ضمن الفريق الاقتصادي. لم يتم تحديد مسماه الوظيفي في الوقت الراهن لكنه سيعمل عن كثب مع داود أوغلو إما كمستشار أساسي مسؤول عن الاقتصاد أو في موقع آخر."
ومن المتوقع أن يحتفظ أيضا وزير المالية محمد شيمشك بمنصبه.
وقال مزراحي إن إبقاء باباجان وشيمشك ضمن الفريق الاقتصادي سيطمئن المستثمرين الأجانب وسيبعث بإشارة إيجابية لأسواق الصرف ولو على الأمد القصير.