رام الله- الاقتصادي-وفاء الحج علي- في نهاية كل نهار، يضع الفلسطيني رأسه على مخدته ويغفو، فيتراءى له في المنام أمرين، أحدهما فرصة عمل "مدّرة" للدخل، والآخر حصوله على تأشيرة للعمل في إحدى الدول الغربية. وفي صبيحة اليوم التالي، يفيق الفلسطيني على الواقع الذي نام على آمل بتغييره، والذي يملي عليه إما الخضوع لاستغلال أرباب العمل مقابل قوت يوم شحيح، أو القبول بمسمى: "عاطل عن العمل"، حتى أمست البطالة والفقر صفتنين لا تفارق مجتمعنا الفلسطيني.
يفيد التقرير الذي صدر مؤخرًا عن جهاز الإحصاء الفلسطيني، حول الأوضاع الفلسطينية بشكل عام، بأن نسبة البطالة في فلسطين بلغت خلال العام (2014) 26.9%، (17.7% في الضفة الغربية، و43.9% في قطاع غزة).
من هنا تأتي أهمية المشاريع الصغيرة، التي تعنى بالتوظيف الذاتي وتوفير فرص عمل ذاتية، وبالتالي التغلب على البطالة.
تحديد قدرات صاحب المشروع أولى الخطوات
فكيف يمكن البدء بمشروع صغير ذاتي؟ وما العوامل التي تدعّم احتمالية نجاحه؟ يقول مدير عام المؤسسة الفلسطينية للإقراض والتنمية "فاتن" أنور الجيوسي إن انطلاق المشروع يجب أن يمرّ بعدد من المراحل:
بوصلة نحو الريادية والنجاح
ويبيّن الجيوسي أن لكل شخص قدراته ومهاراته الذاتية، التي تستوجب الاهتمام والتطوير والاطلاع عليها، كونها تمثل البوصلة التي يعتمد عليها الريادي في مشواره المهني، وستوصله إلى النجاح، ويقول: "إن إدراك الشخص لحجم قدراته ونوعها، سيمكّنه من توظيفها لتطوير نفسه (توظيف ذاتي) وامتلاك مشروعه الخاص، بدلاً من أي يبيع مهاراته وخدماته لشخص أو جهة ما، مقابل مبلغ ماليّ، فالريادة والعمل لحساب جهة ما، لا تتساويان أبدًا، والكفة تُرجّح لصالح المشروع الشخصي إذا ما تكلّمنا عن الإيجابيات".
ويتابع الجيوسي: "أنصح كل رياديّ يدرس احتمالية بدء مشروعه الخاص، بالاطلاع على تجارب الآخرين، حتى وإن كانت هذه في بلد أجنبي، وأن يضيف على هذه الفكرة، ويطوّرها ويحسّن جدواها ويكيّفها بالسوق، فمن الضرورة أن يتحلى الريادي بالوعي والاهتمام الكافيين عند انطلاقه في مشروعه".
الفكرة وليدة البيئة والشجاعة شرط أساس
ويبيّن الجيوسي أن استنباط فكرة أي مشروع تكون غالبًا مستوحاة من الواقع المحيطة بالريادّي وطبيعته الذاتية، مشدّدًا على ضرورة أن يمتاز بالشجاعة، وروح المغامرة، والالتزام، والانضباط، والمسؤولية، والتفاني، وتكريس الذات، التي ستؤدي بالتأكيد إلى تراكم الجدوى والخبرة اللتين ستنعكسان على أداء المشروع وثماره.
العملية تبدأ بالتفكير الداخلي
"بعد التفكير الوجداني الذي يكمن في عقل المبادر، يبدأ التفكير بجدوى المشروع ونوع السلعة أو الخدمة التي سيتعامل معها الريادّي، والنفقات اللازمة، والفترة التي يحتاجها المشروع للوصول إلى نقطة التعادل (مرحلة تساوي الخسائر بالأرباح للوصول إلى مرحلة تحقيق عائد أو ربح)"، يقول الجيوسي، مضيفًا أن بعد التفكير الداخلي بكيفية إطلاق الفكرة، يتوجب على الريادّي وضع خطة توقعات، تغطي فترة زمنية معينة، يدرس خلالها الشخص التمويل اللازم، وكيفية الحصول عليه، والجهات التي يمكن الاستفادة منها للحصول على التمويل، واللوجستيات اللازمة للانطلاق.
ويبيّن أن هذه المرحلة ليست سهلة، بل تتطلب كثيرًا من الجهد والتركيز للتغلب على الصعوبات التي قد تحول وتحقيق الهدف، وأهمها محدودية الاقتصاد الفلسطيني وضيقه، وانعدام الاستقرار وغياب اليقين بالمستقبل.
مبادرة بالفكرة والحضور
بعد دراسة المشروع، تبدأ مرحلة ترتيب اللوجستيات، مثل الحصول على مكان للمشروع، والبضاعة أو الخدمة التي ينوي الريادي التعامل معها، وفي هذه الفترة بالذات، يشدّد الجيوسي على ضرورة "تواجد صاحب المشروع على رأس العمل بشكل يومي، وأن يكون على دراية تامة بتفاصيل السوق، مثل الوقت المناسب لرفع التكلفة، الأمر الذي سيضمن له مكانًا جيدًا في السوق، وفرصة للمنافسة والظهور"، مبينًا أن على الريادي أن يكون مبادرًا بالفكرة والحضور والمتابعة للعمل".
هذه الأمور تضمن تميّز المشروع وبصمته، الذي سيشكل جسرًا للانتقال نحو مرحلة النمّو والتوسّع بتروٍّ وعقلانية.
هل تجهض البيئة مشاريعنا؟
وعند سؤالنا، عمّا إذا كان الجو العام الفلسطيني محبطًا للأحلام والمشاريع الذاتية، يجيب الجيّوسي: "بعد تجربتي والنجاح الذي حقّقناه في "فاتن"، أستطيع أن أقول أنه يمكن استغلال البيئة المحيطة، حتى وإن كانت صعبة، لتحقيق نجاح غير مسبوق، كما يمكن استخدام البيئة المحيطة كحجة نحملّها وزر فشلنا، واعتقد أن المزج بين الدراسة الصحيحة للمشروع مع الكثير من الجَلَد، والعطاء، والولاء، والنزاهة، والتفاني، هو مفتاح أساسي لتحقيق النجاح".