رام الله-حياة وسوق- هديل أبو فخيدة وهناء شماسنة
لعل أبرز ما يلفت انتباهنا عند تصنيع الحمص منزلياً صفار لونه مقارنة بالحمص المصنع في المطاعم، ما يدفعنا لنتساءل عن السبب وراء هذا الاختلاف في اللون,لاسيما ان وضع الطحينية بكميات كبيرة يضفي لونا ابيض للحمص ولكن ليس بنفس النتيجة التي يظهر فيها حمص المطاعم.
لحل هذا اللغز, توجهنا إلى الاستفسار في مطاعم محافظة رام الله والبيرة والتي تعد بالعشرات والموزعة في كل المحافظة, لمعرفة السبب وراء بياض الحمص الملفت؟و هل يضع المصنعون مادة غريبة عليه!
المواصفات تعترف
الدكتور أسامة صلاح،أمين عام المجلس الطبي الفلسطيني سابقاً و المختص بالتغذية العلاجية والصحة العامة قال, "إن مادة ثاني اكسيد التيتانيوم هي مادة كيماوية مسرطنة يتم استخدامها في مواد طلاء الجدران و في البلاستيك و المواد الصناعية ,و أي مادة كهذه تدخل الى الجسم فإنها تسبب تليف بالرئة و تتراكم على الكبد و الكلى و القلب ".
و أضاف د.صلاح أن أي مادة كيماوية تدخل إلى جسم الإنسان تلحق به العديد من الأمراض إضافة إلى الأمراض سابقة الذكر مثل الإسهال المزمن و الحساسية و الاستفراغ فبالتالي تسبب التسمم الغذائي،و تعمل على تبييض المعدة و إتلاف الأمعاء.
وفي ذات السياق، تحدث صلاح عن مسؤولية الجهات الرسمية و المختصة عن هذا الموضوع وعن قلة وعي المستهلك تجاه الأطعمة التي يتناولها خاصة أن الأمراض تتزايد باستمرار و أغلب اسبابها سوء التغذية.
يشار الى انه في عام 2006 صدر عن هيئة المواصفات والمقاييس الفلسطينية قرار يسمح باستخدام التيتانيوم بكميات محدودة فقط في الطحينية المصنوعة من بذور السمسم ،إلا أن القرار تعدل عام 2012 و أصبح يمنع استخدام هذه المادة ضمن المواصفات نهائيا.
التعليمات في انتظار الأوروبيين
ولتحديد ما اذا كانت المادة ممنوعة أم مسموحة، يقول رئيس القسم الهندسي في دائرة التعليمات الفنية المهندس اديب القيمري أن مؤسسة المواصفات والمقاييس تقوم على بندين في الحكم على منع الأغذية أو السماح بها ،البند الأول هو المواصفات وتعتمد فيه على مرجعين اساسيين،المرجع الأول هو الدستور الغذائي الذي يغطي 99% من سكان العالم و يزداد في الدول النامية، والمرجع الثاني هو الدول المحيطة مثل الأردن .
وأضاف القيمري ان المواصفات كانت تسمح بمادة ثاني اكسيد التيتانيوم بكميات محددة في البداية،و نتيجة ابحاث الدستور الغذائي التي تشير الى كمية الضرر التي تلحقها هذه المادة تم تعديل المادة لتصبح
هذه المادة ممنوعة,أما من ناحية التعليمات يقول القيمري،"نلجأ للأوروبيين لأنهم دقيقون ولهم خبرة أكثر في مجال الأغذية, و نحن نسمح بهذه المادة ضمن كميات غير محددة لأن التعليم لم يتم تحديثه حتى الآن و ننتظر المراجع الأوروبية في هذا الموضوع لنقوم بتغيير المادة,و من الممكن أن نقوم بتغيير المادة ومنع التيتانيوم كليا اذا تواصلت معنا الجهات الرسمية مثل وزارة الصحة والاقتصاد وبحثت في ضرر المادة المبيضة.
والمطاعم تنكر
تواصلنا مع 15 عاملاً في مطاعم تقدم الحمص للزبائن بمحافظة رام الله والبيرة وخاصة مع من يعدونه، ولم يصرح لنا أي من هؤلاء العمال عن استخدامه لمادة التيتانيوم ،وبعضهم رفض الحديث عن الحمص بعد سؤالنا عن سبب بياض لونه الواضح قائلاً انه "سر المهنة".
و خلال مواجهتنا لأحد المطاعم في رام الله ,رفض (أ.ل) و هو عامل في مطعم (م.س) إجابتنا عن أي من الأسئلة و قال مرتبكاً "أنا لست مالك هذا المطعم و لن أصرح بأي كلمة وانتم هنا للتحقيق معي أم ماذا؟"
و يقول (ع.ق)و هو مالك أحد المطاعم في مدينة رام الله انه لا يعلم بهذه المادة ولا يضعها في الحمص مضيفاً أن سبب بياض لون الحمص عنده هو إضافة كميات كبيرة من الطحينية,وعند طلب عينة من الحمص الذي يقوم ببيعه للزبائن أجاب"نحن لا نبيع الحمص خارج المطعم".
ولمعرفة المصدر الذي يشتري منه أصحاب المطاعم هذه المادة، توجهنا إلى 4 محلات عطارة في مدينة رام الله،العطّار (ص.ع) قال لنا إنه يبيع هذه المادة لمحلات طلاء الجدران،وعند انشغاله بالزبائن كررنا السؤال على أحد العاملين في نفس محل العطارة فهمس لنا بصوت منخفض حتى لا يسمع العطار " نسبة كبيرة من مطاعم رام الله تشتري مادة التيتانيوم من محلنا".
الهدف ربحي
من جهته، أوضح مدير مؤسسة المواصفات والمقاييس حيدر حجة أن المؤسسة تقوم بفحص دوري تتعرف من خلاله على المطاعم التي تضع مواد مسرطنة على الاغذية و تبين انها تضع هذه المادة المبيضة على الحمص لهدف ربحي.
و قال الحجة إنه من خلال الفحوصات نتج أنه عند وضع كمية قليلة من الطحينية على الحمص و إضافة التيتانيوم حتى يصبح لون الحمص أبيض وهو اللون الذي يرغب الزبائن فيه دون علمهم بالمواد المضافة ،وهنا يوفر اصحاب المطاعم على أنفسهم كميات كبيرة من الطحينية نظراً لأن هذه المادة رخيصة جدا وسعر الكيلو منها يساوي 35 شيقل.
التيتانيوم في الحمص
تبين من العينة التي تم فحصها في مختبر بيرزيت مادة بيضاء لا تذوب في الماء،وجاء الفحص الكيميائي لعينة الحمص كالآتي:"استخدام مادة ثاني أكسيد التيتانيوم ورمزها TIO2 في العينة بنسبة 57.2 ppm مل غرام /كيلو غرام وهذا يسبب ضرر للآلاف من سكان المدينة الذين يعتبرون الحمص مادة غذائية أساسية مرافقة للوجبات الرئيسية.
40% من الحمص مسرطن
لمعرفة رأي وزارة الصحة من هذا الموضوع،توجهنا الى سهى عرار رئيسة قسم السلامة الغذائية في الوزارة التي قالت لنا إن الوزارة تقوم بفحص دوري لكافة الأطعمة الغذائية وان هنالك الكثير من المواد المضافة مسرطنة لكن بنسب معينة.
و أضافت عرار،"في التقرير السنوي لوزارة الصحة قمنا بفحص 69 عينة حمص للكشف عن وجود هذه المادة و تبين أن 27 عينة مطابقة تستخدم التيتانيوم بشكل مباشر في الحمص، بالمقابل فإن 42 عينة خالية من مادة التيتانيوم،وهذه نسبة كبيرة تدل على احتمالية الإصابة بالأمراض بشكل أكبر".
وعن الإجراءات القانونية بحق المستخدمين للتيتانيوم توضح سهى أن الوزارة ترسل ثلاث تنبيهات أولية للمطعم و ان لم يستجب فإنها تسارع الى اغلاق المطعم و اتلاف ممتلكاته،والإجراء الثالث هو التحويل الى النيابة لمحاكمته.
وترى عرار أنه يجب الاهتمام بهذا الموضوع بشكل أكبر وبالتعاون مع حماية المستهلك و وزارة الاقتصاد لإعادة فحص عينات من المطاعم مرة أخرى و عدم إهمال الموضوع.
إهمال رسمي
و في ذات السياق، تقول أمين سر جمعية حماية المستهلك رانية الخيري التي رحبت باهتمامنا بالقضية ان المسؤولية تقع على الجهات الرسمية في إهمال وضع المطاعم لمادة مسرطنة ومضرة, وتوضح ان عمل جمعية حماية المستهلك هو رقابي وليس تنفيذي .
وتضيف الخيري أن الجمعية في عام 2014 راقبت المطاعم ونبهت من استخدام التيتانيوم إلا أنه تم إهمال الموضوع من الجهات الرسمية بسبب التضارب مع مواد مسرطنة في أطعمة أخرى.
نقلا عن صحيفة "الحياة الجديدة"