الاقتصادي- يعكف الغزيّون خلال تسعة اشهر – وهي الفترة الزمنية للعام الدراسي- الى اطلاق الوعود المتتالية بأنهم سيعوضون كل حرمان العام الدراسي بالتنقل بين برك السباحة المنتشرة في القطاع، غير ابهين بخطورة السباحة في تلك البرك من حيث انتقال الامراض بصورة عامة والجلدية بصورة خاصة.
وبقول الطفل احمد العجلة "9" أعوام، "اتمنى ان ينتهى العام الدراسي الآن وفي هذه اللحظة وليس في الغد، حتى اتمكن من السباحة في كل البرك المائية اضافة الى السباحة في البحر"، لافتا الى انه سجل كل وعد لوالدته بأنه اذا ما نجح سوف تترك له مساحة كبيرة لممارسة السباحة داخل البرك المائية.
ويقطن في قطاع غزة نحو مليون و"800" الف مواطن يعانون من حصار خانق منذ أكثر من 7 سنوات متتالية، ولم يبقَ من سبل الترفيه إلا البحر الذي يعانى من التلوث بحسب جهات رسمية وذات علاقة وذلك جراء مضخات الصرف الصحي، والتي تمتد على طول الساحل مع قلة الإمكانيات التكنولوجية في التعامل مع هذه المياه العادمة، والتي لا يخفى على احد خطورتها على مقدرات البحر من أعشاب ومياه واسماك بحرية، بالإضافة لتلوت الساحل الرملي.
ويشير العجلة وهو يحمل كتاب اللغة العربية ويجلس على ركام منزله في حي الشجاعية شرق القطاع – الذي تعرض للقصف من قبل الاحتلال الاسرائيلي خلال حرب 2014" انه مهما بلغت الصعوبات، واياً كانت النتائج فانه سيصر على قضاء اجازته السنوية بين البرك والبحر وستكون هذه الانطلاقة في مخيمات العاب الصيف التى تنظمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في القطاع وتضم آلالاف الطلبة وتعد البرك من ابرز سماتها وسبباً رئيسياً لتسجيل الطلبة للمشاركة في أيام الصيف.
برك صناعية ولكن..
بدوره يقول الشاب محمود حسين، 19 عاماً، من مدينة خان يونس انه يمتلك مهارة عالية في السباحة، ويحب ممارستها بشكل مستمر خلال العطلة الصيفية.
ويوضح إنه يفضل السباحة في البرك الصناعية بعيدا عن البحر وتزاحم المصطافين, غير أنه أبدى قلقه من انتشار بعض الأمراض في البرك؛ لأن مياهها لا تعالج بطرق صحية كافية.
ويستذكر انه خلال العام الماضي اصيب بفطريات في انحاء متفرقة من جسده وحينما راجع طبيباً مختصاً، قال له انها ناجمة عن عدوى او استخدام ملابس واغطية لآخرين، الا انه تبينَ انها ناجمة عن مياه البرك.
بدروها قالت السيدة نوال سعيد "45" عام انها لن تسجل ابناءها في أي من المخيمات الصيفية التي تضم بركاً للسباحة، لأنها قبل عامين واجهت صعوبات جمة مع صغيرتيها حينما اصيبتا بأمراض جلدية جراء السباحة داخل البركة.
وتشير الى انها واظبت على علاج طفلتها فترة امتدت لستة اشهر ويزيد من أجل التخلص من ذلك المرض الجلدي، والذي وصفته كـ"طبعة سوداء تنتشر في الجسد وتتنقل من منطقة لأخرى".
ودعت الأهالي الى عدم المغامرة في ترك ابنائهم ضحايا لبرك السباحة سواء في المتنزهات او في المخيمات الصيفية.
الكلمة الفصل..
فيما أكد د. احمد ابو فول استاذ البيئة في الجامعة الاسلامية على ان وجود المسابح يعدّ شيئاً اساسياً وضرورياً، وان بعض الدول تشترط عند اقامة التجمعات السكانية، إنشاء مسبح لتعليم الاطفال السباحة ومن ثم دمجهم في المنتخبات الوطنية.
ويتابع حديثه قائلا:" المعضلة ليست في اقامة المسبح، وانما في آليه تشغيله بشكل صحي وصيانته والحفاظ على نظافته (...) لإن بقاء المياه راكدة يشكل خطراً صحياً".
ويشير الى ضرورة تعقيم المياه بصورة متواصلة بهدف تجديد نسبة الاكسجين المذاب في المياه فلا تصبح راكدة، لافتا انه في حال بقائها راكدة ستتنشر فيها الاوساخ العضوية وتحلل وتسبب امراضاً تصيب الجلد، العيون والجهاز الهضمي.
واكد على ان الخطورة تكون اكثر على الاطفال من الشباب، لأنهم لا يسيطرون على ابتلاع المياه، لذا فإن المطلوب هو تعقيم هذه البرك بالكلور او الاشعة فوق البنفسجية لضمان السلامة وعدم وجود الميكروبات.
البديل خطر..
ويقول طبيب الاسرة د . بسام أبو ناصر إن غياب المتنزهات وما آل اليه حال البحر من تلوث خلق حالة من البحث عن البديل، فكان الاتجاه لإنشاء حمامات السباحة والبرك الخاصة للترفيه عن النفس، وخصوصا لفئة أطفال المدارس ورياض الأطفال وحتى الشباب.
ويؤكد د. أبو ناصر انه لم يتم مراعاة المعايير الطبية والبيئية والمخاطر التي قد تنجم عن هذه البرك التي أصبحت في كل مكان، في الفنادق والمنتجعات، حتى الصالات الخاصة بالأفراح، وأراضي المواطنين الخاصة.
ويشير طبيب الباطنية والصدرية د. أبو ناصر الى ان البرك والحمامات في أغلبها لا تراعي سبل السلامة الصحية، وتنشأ بشكل ارتجالي هدفه الربح بالدرجة الأولى، وبدون أدنى رقابة صحية أو بيئية.
ويؤكد ان هذه المسابح بيئة خصبة لانتقال بعض الأمراض المعدية الخاصة بالجهاز الهضمي مثل الطفيليات – الايكولا والديدان والدبوسية والبلهارسيا -، وأمراض الجهاز التنفسي العلوي -البكتيريا العنقودية والذهبية- ، بالإضافة إلى الإصابة بالتهابات ملتحمة العين الملتهبة والتهابات الجلد البكتيرية والفطريات، كما تعمل هذه البرك على انتقال عدوى التهاب الكبد الوبائي بشكل عام والنوع (أ) بشكل خاص.
ويتابع في حديثه لـ"آفاق البيئة والتنمية" انه ومع حلول فصل الصيف خاصة – وان كان الأمر أصبح في جميع الفصول- يبدأ أبناءنا الأطفال والشباب في التوجه لهذه البرك وحمامات السباحة، والمصيبة تأتي عندما يكون التوجه عبر الرحلات المدرسية والجامعية والمساجد ورياض الأطفال، فتكون الأعداد كبيرة، ويزداد خطر العدوى الجماعية.
وينوه انه يلاحظ بعد يوم أو يومين وصول الشكاوي من الاسهالات المتكررة والحكة الجلدية والتهابات العيون والرشح وارتفاع درجات الحرارة، داعياً اولياء الامور والجهات المنظمة لمثل هذه الرحلات لمنع ابنائها تماما من نزول حمام السباحة في حالة تعرضهم للإسهال، لأن هذا الأمر من شأنه الأضرار بالآخرين من الأطفال والرواد مشدداً على ضرورة ان تكون البرك وحمامات السباحة مرخّصة، وان تحصل على شهادة سجلّ صحي.
وبشدّد: "أصحاب البرك مُطالبون بوضعها في مكان بارز ليتمكن الجمهور من رؤيتها"".
روشته علاجية
وفي معرض رده على سؤال حول الشروط التي يجب توافرها في مثل هذه المسابح والتي يجب أن تكون تحت رقابة سلطة جودة المياه وقسم رقابة المياه والبيئة في البلديات والطب الوقائي في وزارة الصحة، قدم طبيب الباطنية والصدرية روشته علاجية تضمنت عدداً من البنود على النحو التالي:-
1. أن يكون المسبح منفصلاً عن أي مرفق آخر مثل المراحيض أو المطاعم أو المتنزهات،
2. أن يكون بعيداً عن مصادر التلوث المائي –المصارف أو تجمعات من مياه الأمطار- ،
3. أن يكون بعيدا عن الطرق الترابية والزراعية والمناطق الصناعية،
4. أن يكون للمسبح مدخلٌ واحد فقط خاضع للمراقبة،
5. أن تكون بركة الأطفال منفصلة عن بركة الكبار، وان لا يزيد عمقها عن50-60 سم، وتقسم حسب الأعمار،
6. وجود سياج حول المسبح بارتفاع لا يقل عن 1.3 متر،
7. وضع سلم أو درجات للصعود عند أعمق جزء للبركة،
8. أن تكون جميع الأسطح الداخلية للبركة ملساء وسهلة التنظيف، وتنظف 3 مرات أسبوعيا مع تعقيمها بالكلور والكبريت وبعض المنظفات المسموح بها صحيا،
9. وان تكون حواف البركة الخارجية خشنة وغير قابلة للانزلاق.
10. أن تخلو المنطقة المحيطة بالبركة من المناطق العشبية والرملية أو التربة الطبيعية المتحركة، والنباتات المتدلية او التي تساقط أوراق.
11. توفير أحواض لتطهير الأقدام بمساحة مترين طولا ونصف متر عرضا وبعمق 7سم، عند مدخل البركة تحتوي على مادة مطهرة موافق عليها من وزارة الصحة.
12. شفاطات للهواء في المسابح المغلقة لإدخال هواء نقي.
13. وجود تصريف للمياه الزائدة عند حواف البركة.
14. وضع مضخات هوائية داخل البرك للعمل على تحريك المياه لقتل البكتيريا اللاهوائية.
15. وضع مادة الكلور والكبريت –بنسب متعارف عليها علميا - وبإشراف خبير متخصص يوميا لتعقيمها وفي نهاية اليوم.
16. تخصيص غرفة للإسعافات الأولية على ان تكون الغرفة مجّهزة بجميع المستلزمات الطبية اللازمة للإسعاف وأجهزة الإنعاش والأوكسجين، وأن يتم تدريب عددٍ من العاملين على استخدام تلك الأجهزة والمعدات وأعمال الإسعافات الأولية.
ويختتم حديثه بالقول ان معرفة هذه السبل بين العامة والخاصة ستعمل على التقليل من المخاطر الصحية الناجمة عن عدم إتباع الإرشادات الصحية وإساءة استخدام البرك داعياً الى اختيار برك السباحة الملتزمة بتوفير الاشتراطات الصحية، وعدم ارتياد برك السباحة غير المرخصة من قبل إدارة الصحة العامة والتي هي أساساً وضعت هذه الشروط الموجودة، لضمان صحة الرواد وضمان سلامتهم.