رام الله –الاقتصادي- تشكو والدة الطفل سائد محمود من قضائه وقتا طويلا أمام جهاز الحاسوب المحمول، أو في استخدام الهاتف الخليوي الخاص بها أو بوالده، لدرجة انه فقد الرغبة في الحديث مع زوار عائلته، أو مع اقرانه الأطفال وهو يفضل البقاء وحيدا إلى جانب جهاز الحاسوب الخاص به عوضا عن اللعب مع زملائه.
وتضيف والدة الطفل أنها تخشى على مستقبل طفلها، خصوصا أنه لا يبادر بشكل دائم للعب مع زملائه ويفضل البقاء بالبيت بشكل عام، كما يبدو عصبيا في حال طلبت منه ترك الحاسوب والحديث إلى أعمامه وأقاربه.
وتقول إن طفلها سائد لا يبدو كالأطفال الذين عهدتهم في السابق، والذين كانوا يخرجون للعب سويا في مختلف أنحاء الحي، وكانوا يقضون وقتا طويلا في اللعب مع زملائهم وجها لوجه.
إلى جانبها، تجلس والدة الطفل نعيم حسن، من بلدة عناتا قرب القدس، تقول إن أطفالها ونتيجة لعدم توفر الكمبيوتر يقضون كثيرا من وقتهم مع أطفال العائلة الآخرين ولا يفضلون استخدام اجهزة الحاسوب، ويفضلون اللعب في الخارج كبقية الأطفال.
ويحاول الطبيب المختص بالأمراض النفسية والعصبية للأطفال توفيق سليمان، تحليل ما يجري بالتأكيد على أن الألعاب الالكترونية هي سلاح ذو حدين، قد تطور قدرات الطفل الذهنية وقد تسهم في تقليلها وزيادة عصبيته بشكل كبير.
ويقول سليمان: إن إقبال الطفل على الألعاب الكترونية يأتي من أن الطفل بتكوينه البيولوجي يحب الحياة الاجتماعية واللعب، ويحتاج إلى شريك يلعب معه، لكنه بالمقابل بحاجة إلى شريك لا يملي عليه رغبته وهذا متوفر في الألعاب الالكترونية على الحاسوب أو الهاتف المحمول أو غيرها من وسائل التكنولوجيا، كما أن الطفل يجد كل ما هو جديد ويحصل على معلومات بشكل سريع باستخدام الحاسوب وهذا يلبي رغباته الكثيرة وأبرزها شعوره بالتواصل الاجتماعي".
ويضيف سليمان: قد يجنح الطفل لألعاب الديجيتال بشكل مفرط لإهمال أهله له وعدم التواصل معه بشكل كاف، وهذه الألعاب قد تبعد الطفل عن الحياة الاجتماعية ويصبح منعزلا عن أقرانه ويصبح اندفاعيا وعصبيا في طبيعة حياته، لأنه يملي إرادته ورغبته على الحاسوب مثلا ولا يستطيع فعل ذلك مع زملائه، وتشير الدراسات إلى أن الأطفال الدائمين على الديجتال عصبيون ويعانون من اندفاع غير محسوب، وهذا يقلل قدراتهم الذهنية بنسبة 20%، ويؤدي إلى النسيان بشكل عام، وتصعب على الطفل القراءة التقليدية".
وقال: انصح الأهالي مشاركة أطفالهم بالألعاب، وتنويع طبيعة الألعاب لزيادة ذكاء الطفل فمشاركتهم في ألعاب عدة ومنعهم من قضاء أوقات طويلة مع الألعاب الالكترونية يسهم في تطورهم بشكل صحيح، كما انه يتوجب تشجيع الأطفال على القراءة والحديث بعيدا عن هذه الألعاب فالتنوع العام يثري ثقافة الطفل.
في ذات السياق، ترى الأخصائية الاجتماعية عروب جملة من مركز تنمية موارد المجتمع التابع لبلدية نابلس، أن هناك تأثيرا كبيرا للألعاب الالكترونية على أطفالنا ونفسيتهم وحتى وإن كانوا يمارسون هذه الألعاب وهم بجانبنا، فتأثيرها لا نستطيع أن نسيطر عليه، ودخول العاب التكنولوجيا إلى المجتمع جعلنا منقسمين إلى قسمين، فمثلا من يدخل الأحياء الشعبية والفقيرة يرى أطفالا يمارسون كرة القدم وغيرها، وعند الخروج من هذه الأماكن نلاحظ بأنها اختفت تماماً ففي المدن أصبحنا نراها بشكل أقل لدرجة أنها تكاد تختفي.
لكنها تستدرك قائلة:"من ناحية ثانية، لا نستطيع أن نكبح جماح هذه الألعاب الالكترونية، فالجميع يلعبها ويدمن عليها كما أن لها بعض الفوائد مثل أن كثيرا منها يعمل على تنمية الذكاء لدى الأطفال، إلا أنها تعمل في الوقت نفسه على دثر الألعاب الشعبية وتؤثر على التركيبة الثقافية لديهم، فأغلب الأطفال أصبح يميل للألعاب العالمية التي تقتل المشاعر، فأصبحت العلاقات الاجتماعية المباشرة قليلة، كما روح التواصل الاجتماعي أصبحت أضعف فهذه الألعاب تقتل إمكانية تشكيل ذاكرة جميلة بين الأطفال عندما يكبرون.
وحول دور الأهالي في ضبط إدمان أطفالهم على الألعاب الالكترونية، ترى الأخصائية الاجتماعية عروب جملة، أن عليهم أن يخلقوا توازنا بين التكنولوجيا والألعاب التقليدية، بحيث يتم تخصيص وقت لهم للعب على الأجهزة الالكترونية واللعب في الخارج، بحيث يجب إخراجهم من المنزل للساحات العامة والأماكن المخصصة للعب حتى يعتادون على ذلك ويصبح ذلك جزءاً من برنامجهم، وبهذا نبقي الألعاب التقليدية حية.
من جانبه، قال د. حسني عوض الاستاذ المشارك في الإرشاد النفسي والتربوي عضو هيئة التدريس في جامعة القدس المفتوحة، إنه يوجد فرق كبير بين النوعين من الألعاب، رغم أن النوعين يؤثران على الطفل، ولكن من ناحية افتراضية فالألعاب الممارسة من قبل الطفل تؤثر على النمو الاجتماعي للطفل على اعتبار انها حاجة من حاجات الطفل الأساسي، وجلوس الطفل ساعات يسبب السمنة الزائدة للأطفال، فالألعاب الشعبية تزيد حركة الطفل وممارسته للرياضة والحياة الطبيعية.
وأوضح عوض أنه ينصح أهالي الطفل التأكد من مضامين وطبيعة الألعاب والاهتمام بنوعية وبرامج هذه الألعاب ليكونوا على دراية بمضامينها الثقافية، وتحديد المدة الزمنية لجلوس الطفل على الألعاب الكترونية، ويفضل ألا تزيد هذه المدة الزمنية عن ساعتين، لعمل توازن مع حاجات الطفل الأخرى التي تحتاج وقتا لينمو بشكل طبيعي.