رام الله- الاقتصادي- لم يعد شكل العلاقات في الهيكل التنظيمي لأي مؤسسة يستجيب للأشكال المباشرة والقمعية من الرقابة، في ظل المناداة باللامركزية وتغير مفاهيم العمل وظهور مدارس جديدة في علم إدارة الأفراد وعلم العلاقات العامة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، لنا أن نتخيل التأثير الذي أحدثه موقع واحد فقط من مواقع التواصل الاجتماعي وهو linked in لينكد إن، على المستقبل المهني والهوية المهنية لأي موظف أو عامل أو حتى باحث عن عمل، بعد أن أتاح البحث عن الوظائف بشكل مفتوح وخلق روحاً عظيمة للتواصل مع زملاء العمل أو الزملاء في ذات المجال للحصول على المعلومات والأفكار والفرص المختلفة التي تسهّل إنجاز الأعمال، وأحياناً تخلق العمل ذاته.
في دراسة بعنوان "أثر مواقع التواصل الاجتماعي في تنمية المسؤولية المجتمعية لدى فئة الشباب" يدعو د.حسني عوض لبرامج متكاملة تهدف لتوعية الجيل الشاب بالمسؤولية الاجتماعية، ويؤكد أهمية توظيف التكنولوجيا لتنمية الحس الاجتماعي لدى الشباب، وضرورة إرشادهم للاستخدام الأمثل لمواقع التواصل والشبكات لاستغلال مهاراتهم في خدمة مجتمعهم وشعبهم وقضيتهم وتطوير شخصياتهم وتبادل المعارف النافعة.
أما د.واصل غانم أستاذ التكنولوجيا بجامعة بيرزيت فيرى أن التكنولوجيا سلاح ذو حدين، يمكن توظيفها بالاتجاه الذي يخدم وينفع ويمكن أن تكون عقبة وعائقا سلبيا، لكنه أكد أن الشبكات الاجتماعية واستخدامها أثناء العمل يعيق ويعطّل – برأيه- أكثر مما يخدم ويطوّر ونوه إلى أن غالبية الشركات العالمية الكبرى تتجه لإغلاق تصفح مثل هذه المواقع أثناء الدوام الرسمي لموظفيها.
سوزان صحافية تعمل في شركة دعاية وإعلان بغزة تشكو من محدودية تفكير صاحب الشركة وتعارض أفكار مديرها الساعي للتطوير الدائم معه، خاصة فيما يتعلق بحريات الموظفين الذين وإن كان عددهم محدودا – كما تقول- إلا أنه لولاهم لن تقوم للشركة قائمة، وتضيف: "العمل الإعلاني يعتمد على العلاقات، ومندوب الإعلانات الذي كان بالأمس نكرة غير معروف يصبح بعد فترة صاحب علاقات اجتماعية واسعة بسبب عمله وزياراته الميدانية المتعددة للمؤسسات والشركات والمصانع، ويجب أن يكون حتى لعلاقاته الشخصية وصداقاته احترامها في حدود ما ينفع العمل ولا يضره". تشير سوزان إلى أهمية أن يكون هناك نسخة إعلانية الكترونية من المجلة، مؤكدة أنها أوضحت لإدارة الشركة ضرورة وجود صفحة خاصة بالشركة على الفيسبوك وأخرى للمعجبين، لتتوسع دائرة العلاقات وتعرض خدمات الشركة ونماذج عنها، مؤكدة أن هذا هو أفضل إعلان يمكن أن تقوم به مؤسسة عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي توفر المساحة الحرة للإعلان حتى عن الأفكار.
رئيس ديوان الموظفين العام موسى أبو زيد أكد لـ"االاقتصادي" أن لا ثمة قانون أصدره الديوان لحجب مثل هذه المواقع في المؤسسات الحكومية، خاصة وأن الإنترنت قد توفر بشكل كبير في الوزارات والهيئات لتكون التكنولوجيا أداة طيعة في أيدي موظفي القطاع العام لتطوير قدراتهم ومهاراتهم ولتيسير أداء العمل. يقول أبو زيد: "إننا نتوخى من كافة الموظفين الذين نثق بهم غاية الحرص والرقابة الذاتية على المصلحة العامة وعدم ضياع الوقت الرسمي فيما لا ينفع". لكنه نوه إلى أن ملاحظة تستجد أو أي مشكلة يتم معالجتها في وقتها، مشيراً إلى أهمية المعارف العامة التي يستطيع الموظف اكتسابها من تصفح المواقع الالكترونية عموماً والتواصل في المواقع الاجتماعية لزيادة فرصه في البحث العلمي والاطلاع على كل جديد في تخصصه أو حتى في التخصصات الأخرى، على أن يتم مراعاة أداء مهام عمل كل منهم في وقته.
الأستاذ عبد الكريم مزعل، متخصص أستاذ علم الاجتماع في جامعة القدس المفتوحة أوضح بعض الأبعاد المختلفة للموضوع، ففي حين مال رأيه بشكل عام لضرورة حجب مثل هذه المواقع عن كافة الموظفين الذين ليس لهم حاجة بها أثناء ساعات العمل الرسمية، والاكتفاء بإتاحتها لمن يُكلّف فقط بمتابعة أمر معين خاص بالعمل، أو يكون من مهامه التواصل والبحث الذي يخدم الإنتاج، إلا أنه استثنى من ذلك النسبة الكبيرة التي قد تفوق الـ80% - برأيه – من موظفي القطاع العام في بلدنا الذين ليس لهم عمل يقومون به أصلاً. يقول: "إن هذه البطالة المقنعة قد يكون من الأفضل لها تصفح مواقع التواصل الاجتماعي والتفاعل الالكتروني حول القضايا العامة في العالم الافتراضي، على أن تمارس النميمة في الحياة الواقعية وتختلق المشاكل مع بعضها البعض مما يزيد من هدر الطاقة العامة". كما قارن مزعل وضع الموظف العربي بنظيره الغربي الأكثر التزاماً ومعرفة لحدود صلاحياته ومهام عمله، مؤكداً على ضرورة أن نحتذي حذو النماذج الجيدة عبر الاطلاع على جديد الكتب المعرفية والمراجع والمجلات والتواصل مع الخبرات العلمية والعملية لتطوير أدائنا العام.