إثر انتعاش السوق الصينية مجدداً بعد ركود طويل نسبياً، تنفست صناعة السيارات الألمانية الصعداء أخيراً، وعادت إلى تحقيق مبيعات جيدة فيها. وفي الوقت ذاته ظهر أفق واعد بخروج شركة “فولكسفاغن” الألمانية من النفق المظلم الذي دخلت إليه في أسواق العالم قبل سنة تقريباً، عقب فضيحة العوادم الناتجة من التلاعب بكمية صرف ثاني أوكسيد الكربون، في ملايين سيارات محركات الديزل التي كشفت عنها السلطات الأميركية.
وبعدما قدّر خبراء ومراقبون في البداية أن يصل حجم العقوبات المالية الأميركية على الشركة إلى ما بين 60 و80 بليون دولار، كان ذلك سيؤدي إلى إفلاس الشركة لا محالة. لكن السلطات الأميركية توصلت مع ممثلي “فولكسفاغن” قبل شهر تقريباً إلى اتفاق على دفع نحو 15 بليون دولار، يُخصص القسم الأكبر منه لإعادة شراء نحو عشرة ملايين سيارة من مشتريها، ودفع عقوبات مالية بيئية لسلطات 44 ولاية أميركية. يُذكر أن الشركة احتاطت منذ البداية للأمر ووضعت من فائضها المالي مبلغ 16.2 بليون يورو في حساب خاص لهذه الغاية. وتُعتبر الولايات المتحدة البلد الوحيد في العالم الذي يملك قوانين صارمة في مسائل التعويض على المواطنين، وتلويت الهواء والبيئة.
في المقابل لن تترتب على الشركة تبعات مالية مماثلة في دول أخرى، ولا حتى في ألمانيا المعروفة بحرصها على حماية البيئة، باستثناء كلفة تغيير “سوفت وير” الخاص بالعوادم المتلاعب فيها. وكشفت هذه الفضيحة أمرين، الأول يتمثل بتهاون سلطات الرقابة الألمانية والأوروبية في مسائل التدقيق والفحوص التقنية، خصوصاً أن قرارات العمل على خفض ثاني أوكسيد الكربون أمر محسوم وله أولوية قصوى في برلين وبروكسيل. والثاني والأخطر، هو كشف الفحوص التي أجريت على الأثر على عوادم مختلف شركات تصنيع السيارات الألمانية والأوروبية والعالمية، أن 33 نوعاً منها يخضع لتلاعب تقني مماثل. ويعني هذا أن “فولكسفاغن” لم تكن الوحيدة التي خدعت السلطات الرسمية وزبائنها معاً في الدول المختلفة.
وإن كانت شركة “فولكسفاغن” قادرة على التنفس براحة مالية أكبر الآن، إلا أن متاعبها الداخلية لم تنتهِ بعد، إذ لا تزال السلطات القضائية الألمانية تحقق لتحديد المسؤولين الكبار فيها عن الخداع والتلاعب في هذه المسألة، لإحالتهم على المحاكمة. ومع ذلك يمكن الشركة تنفس الصعداء لأن مبيعاتها في السوق الصينية التي تُعتبر أكبر سوق سيارات في العالم، عادت إلى الارتفاع كما في السابق، بعد فترة الركود الاقتصادي التي بدت وكأنها ستستمر طويلاً.
يذكر أن فضيحة العوادم وتبعاتها لم تؤثر سلباً في صدقية الشركة الدولية التي كشفت أواسط الشهر الجاري، أنها باعت خلال الأشهر السبعة الأولى من هذه السنة مع الماركات الأخرى التي تملكها نحو 5.90 مليون سيارة جديدة في دول العالم، بزيادة 1.3 في المئة على الفترة الزمنية ذاتها من العام الماضي. وكما في كل سنة حلت ماركة “فولكسفاغن” في المرتبة الأولى بين الشركات الأخرى لجهة مبيعاتها في الصين، إذ ارتفع الطلب كذلك على شراء أسهمها في البورصة. وبدورها حققت الشركات الألمانية الأخرى مثل “دايملر بنز” و”بي ام دبليو” و”آودي” مبيعات جيدة هناك.
وعلى صعيد السيارات المسيّرة كهربائياً، أذعنت الحكومة الألمانية أخيراً لمطلب شركات السيارات بتقديم مساهمة مالية تشجيعية لمَن يشتري سيارات بيئية. وكانت برلين حددت رسمياً قبل سنوات رؤية مستقبلية، تتمثل بمشاهدة مليون سيارة كهربائية في شوارع البلاد حتى عام 2020. ورصدت الحكومة بدءاً من مطلع تموز (يوليو) الماضي 1.2 بليون يورو لهذا الغرض، على أن تدفع أربعة آلاف يورو لشاري السيارة الكهربائية العاملة على البطارية بنسبة مئة في المئة، وثلاثة آلاف يورو لشاري سيارة هجينة عاملة على محرك وبطارية، على أن تتحمّل الشركة المنتجة نصف المساهمة.
لكن تبين أن ردود فعل الألمان كانت ولا تزال باردة جداً وغير مشجعة، أذ تقدّم حتى 14 آب (أغسطس) الحالي نحو 1800 شارٍ فقط للفئتين، ما يؤكد عدم اقتناع المستهلك الألماني بها بعد. ويرى ألمان كثر أن السيارة الكهربائية لن تصبح جاذبة لهم، إذا لم يتمكن التقنيون من صنع بطارية تمكّنها من قطع 500 كيلومتر قبل تعبئتها مجدداً، وليس فقط من 150 إلى 200 كيلومتر كما هو الأمر الآن.
عن "الحياة اللندنية"