صلاح هنية
تعمل المنظمة العالمية لحقوق المستهلك لإضافة حق اضافي لحقوق المستهلك الاساسية وهو "حق المقاطعة" رغم أن هذا الحق مشروع وممارس في العالم أجمع، الا انه اذا وثق من الحقوق الأساسية يصبح متداولا في المؤسسات العالمية وغيرها، وهناك ممارسات في هذا الاتجاه تم العمل عليها مثل قيام حماية المستهلك في بريطانيا بالإعلان عن يوم بدون تسوق بدون انفاق اي مبلغ للحث على خفض الأسعار، هناك فعاليات ذهبت باتجاه اطفاء الكهرباء للتوفير والاحتجاج، العالم يتجه صوب تفعيل مقاطعة سلعة أو قطاع لمدة معينة تقصر او تطول لتنخفض أسعارها أو لترفع كفاءة المنتج او الخدمة او منع استخدام الاسمدة الكيماوية والمواد الحافظة.
سرد تلك المقدمة لندلل على أن فعل المقاطعة ليس ابتكارا فلسطينيا أو بدعة غير قائمة في العالم، وطريقة التعامل معها محورها الأساسي التجاوب لإيجاد حلول خلاقة بالضغط على القطاع المستهدف لإنصاف المستهلك، بالضغط لسد ثغرة قائمة هنا او هناك اظهرت سلبية اثرت على المستهلك.
ما نحن بصدده اليوم يتعلق بارتفاع أسعار اللحوم الحمراء في السوق الفلسطيني بصورة تفوقت على قدرته الشرائية ودقت ناقوس الخطر على مكونات العدالة الاجتماعية وباتت الأضواء مسلطة على الفقراء ومحدودي الدخل واتسعت الشريحة لتشمل قطاعات تعمل وتتلقى راتبا ولا تستطيع شراء اللحوم الحمراء في السوق الفلسطيني، ووجدنا أن سعر اللحوم الحمراء للخروف والسخل في السوق الإسرائيلي أقل بكثير منها في السوق الفلسطيني، وهذا ما أاذهلنا وطير ضبان مخنا كما يقولون، تخيل ان كيلو غرام لحمة الخاروف والسخل تباع بـ 90 شيقلا ما يعادل 25 دولارا اميركيا، وعندما تعالج اللحمة على حساب المستهلك تنظيف وتشفية تصل الى 105 شواقل، لأنها على حساب المستهلك بعد الوزن، وفي بعض المحافظات تباع بـ 100 شيقل، بالتالي تصل إلى 120 شيقلا للمستهلك، بينما تباع في السوق الإسرائيلي بـ 100 شيقل مشفية من العظام والدهون لحمة خاروف وسخل صافية.
وباتت جميع المحاولات لمعالجة الامر لا ترتقي لمستوى الواقع ولم تؤثر على خفض الأسعار بأي شكل من الأشكال، الأمر الذي دفع جمعية حماية المستهلك للتحرك بعدة اتجاهات لتحقيق حقوق المستهلك وفحص الأسعار من المصدر وفحص الأسعار في السوق الإسرائيلي مقارنة بمستوى الدخل وارتفاع القدرة الشرائية، ودراسة الأسعار في السوق الاردني الذي يوفر بدائل متعددة من اللحوم بأسعار تتناسب ومستوى القدرة الشرائية لمختلف الفئات الاجتماعية.
لم يسعف الاستيراد الأمر، ولم يتمكن مربو الثروة الحيوانية من توفير العرض المطلوب لخفض الأسعار، واقتربنا من عيد الاضحى المبارك وموسم الأضاحي فوجدنا أن تخزينا للخراف والسخول لدى المربين ولدى مزارع محلات بيع اللحوم استعدادا للموسم والحصول على سعر دسم يتفق عليه بين الجزارين وتجار الماشية وأسواق الحلال، وظلت الأضاحي ملاذا لمن لا يستطيع للحوم سبيلا ولكن في ضوء ارتفاع الأسعار للأضحية سيتراجع عدد المضحين رغم دعوتنا لتعظيم شعيرة الأضحية لتعزيز التكافل الاجتماعي وايجاد نماذج تعاونية للأضحية تزيد عدد المضحين عبر السعر المناسب، وعبر التوكيل للمؤتمن على تحقيق شروط الأضحية.
باختصار، لم نجد ملاذا من ضرورة تعليق الجرس وإضاءة الضوء الاحمر للإعلان بوضوح أن حق المستهلك في شراء اللحوم الحمراء بات في خطر حقيقي منذ رمضان حتى كتابة هذه السطور، ولا نرى أي إجراء على أرض الواقع يؤثر ايجابيا على خفض الأسعار او زيادة عدد الاضاحي، وباتت لحمة الخروف والسخل امنية لا يستطيع تحقيقها من أراد، ودعوكم من فورة الأعراس والمناسبات الاجتماعية لأن تلك شائعة منذ أكثر من قرن مضى وهي للمقتدرين، وندعو الله أن يوسع الرزق بين أياديهم، ولكنها ليست مؤشرا بأي شكل من الأشكال، ونتعامل معها من باب ترشيد الاستهلاك.
بلاها اللحمة حملة شعبية لمقاطعة اللحوم الحمراء حتى ينخفض سعرها وتصبح ممكنة للمستهلك وهي تاريخيا مرتفعة الا انها المرة الاولى على مدى وعينا ترتفع بهذه الوتيرة ويمارس الجزارون وتجار الماشية وأسواق الحلال إدارة الظهر للموضوع وعدم ايلائه اية اهمية تذكر، واعتبار الامر ليس بيد اي طرف من هذه الأطراف.
من خلال هذه الحملة نريد أن نرفع صوت المستهلك عاليا ونقول من حقنا أن نبتاع اللحمة، من حقنا على وزارتي الزراعة والاقتصاد الوطني ان يجدوا حلولا خلاقة لمعالجة الأمر، من حقنا ان نجد بدائل أسوة بالأسواق المجاورة.
ولا ننكر أن إحياء سنة الأضاحي والنذور والعقائق أمر بالغ الأهمية، ولكنه وحده ليس كافيا قياسا بالوضع الاقتصادي ومستوى المعيشة وعدم تحقيق الحد الأدنى للأجور.
الحلول الخلاقة ليست عند المستهلك هي لدى جهات الاختصاص الحكومية اولا وثانيا وثالثا، وما دون ذلك إضاعة للوقت في ذروة الأزمة في سوق اللحوم، ومع قرب عيد الأضحى المبارك وقد خرجنا من رمضان بأسعار خيالية للحوم استمرت لليوم وستستمر حتى عيد الأضحى.
باختصار بلاها اللحمة ...
*رئيس جمعية حماية المستهلك