أصدرت سلطة النقد الفلسطينية التقرير السنوي لعام 2015، الذي يشتمل على أربعة فصول رئيسة، تناولت على التوالي التطورات الاقتصادية المحلية والعالمية؛ وتطورات مالية الحكومة؛ وتطورات القطاع الخارجي بما في ذلك ميزان المدفوعات والتجارة الخارجية السلعية المسجلة؛ وأخيراً تطورات القطاع المالي الفلسطيني، بما فيه سلطة النقد، والمصارف العاملة في فلسطين، والمؤسسات المالية غير المصرفية.
وأشار عزام الشوا، محافظ سلطة النقد، إلى أن إصدار هذا التقرير يأتي في فترةٍ شهدت العديد من التطورات الاقتصادية والسياسية. فمحلياً تعرض الاقتصاد الفلسطيني لمزيد من الأزمات والتحديات، وخصوصاً في الربعين الأول والأخير من العام 2015، والتي أبقت هذا الاقتصاد يعمل دون طاقته الكامنة، وحالت دون تحقيقه لمستويات النمو المرتقبة.
كما شهد الوضع الإقليمي والعالمي أيضاً جملة من التطورات الاقتصادية والسياسية المتسارعة والمتلاحقة، في مقدمتها الانخفاض الكبير في أسعار النفط، وتراجع أسعار الغذاء العالمية، إضافة إلى استمرار التوتر والأزمات في أكثر من دولة عربية، حيث انعكست تداعياتها هذه العوامل جميعها على معدلات النمو الاقتصادي في كثير من هذه الدول.
وأضاف الشوا أنه بالرغم من قيام إسرائيل بوقف تحويل أموال المقاصة في الربع الأول من العام، والتطورات السياسية والأمنية في الربع الأخير من العام، إلا أنه طرأ تحسن نسبي على الاقتصاد الفلسطيني الذي نما بحوالي 3.5% مقارنة مع تراجع بحوالي 0.2% خلال العام 2014. ويعزى هذا النمو بدرجة أساسية لتحسن الأداء في قطاع غزة إلى 6.1% مقارنة مع تراجع بنحو 15.1% في عام 2014 على عكس الضفة الغربية التي تباطأ نموها الاقتصادي إلى 2.5% مقارنة مع 5.1% في العام 2014. كما تراجعت معدلات التضخم في فلسطين إلى 1.4% مقارنة مع 1.7% عام 2014، جرّاء تراجع أسعار النفط والغذاء عالمياً. في المقابل، لا تزال مستويات البطالة المرتفعة، وخصوصاً في قطاع غزة، تشكل أحد أبرز التحديات التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني. فقد انخفضت معدلات البطالة (كنسبة من إجمالي القوى العاملة) بشكل طفيف (نقطة مئوية واحدة) في فلسطين ككل إلى 25.9%، جراء تراجعها في غزة إلى 41.9% وفي الضفة إلى 17.3% (مقارنة مع 43.9% و17.7% على التوالي في العام 2014).
كذلك أظهر التقرير أنه وبالرغم من تراجع المنح والمساعدات الخارجية خلال عام 2015، إلا أن الإيرادات الحكومية المحلية (بما يشمل المقاصة) شهدت زيادة ملحوظة كانت أعلى من الزيادة في حجم الإنفاق العام، مما أدى إلى تحقيق فائض في الرصيد الكلي بنحو 342.2 مليون شيكل. وبالرغم من ذلك ارتفعت المتأخرات المترتبة على الحكومة خلال العام بحوالي 1.8% مقارنة بالعام السابق. كما ارتفع الدين العام الحكومي (مقوماً بالدولار الأمريكي) بحوالي 14.5%، ليبلغ 2,537.2 مليون دولار، أو ما يعادل 20 % من الناتج المحلي الإجمالي.
على صعيد آخر، سجل الحساب الجاري في ميزان المدفوعات للعام 2015 عجزاً مقداره 1,712.9 مليون دولار، منخفضاً بحوالي 20.3% عمّا كان عليه في العام السابق، مشكلاً نحو 13.5% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع 16.9% عام 2014.
أما في القطاع المصرفي، فقد أشار التقرير إلى ارتفاع إجمالي موجودات المصارف العاملة في فلسطين نهاية العام 2015 إلى حوالي 12,599.9 مليون دولار، وبنسبة 6.6% عما كانت عليه نهاية العام السابق. كما شهدت محفظة التسهيلات الائتمانية المباشرة ارتفاعاً بحوالي 19%، لتبلغ حوالي 5,824.7 مليون دولار. وفي ذلك إشارة إلى مزيد من التفعيل لدور الوساطة المالية بين وحدات الفائض والعجز في الاقتصاد وتوفير مزيد من فرص التمويل والمساهمة في عملية التنمية الاقتصادية. كما وصلت ودائع العملاء إلى 9,654.2 مليون دولار، متزايدة بنسبة 8.1%، وبلغت حقوق ملكية الجهاز المصرفي نحو 1,463.9 مليون دولار، دون تغير يذكر عما كانت عليه نهاية العام 2014.
هذا وأشار إلى أنه وبالرغم من الظروف الصعبة التي تعيشها فلسطين، إلا أن سلطة النقد قد حققت المزيد من الإنجازات، سواءً على مستوى الإفصاح والشفافية من خلال توفير الأبحاث والتقارير المتخصصة والبيانات الإحصائية التي شملت مختلف المؤشرات الاقتصادية، أو على صعيد مساعيها للحفاظ على سلامة واستقرار الجهاز المصرفي ونظام المدفوعات الفلسطيني، وذلك من خلال إصدار العديد من التعليمات الهادفة إلى تنظيم عمل المصارف بما يتلاءم مع متطلبات الاستقرار المالي والمخاطر المحيطة. ومن أهم المنجزات في هذا الصدد، استخدام نظام الرقابة على أساس المخاطر، والتقدم في إطلاق نظام المدفوعات من خلال إطلاق مشروع المقسم الوطني. كما عملت سلطة النقد على مزيد من التدعيم للبنية التحتية للنظام المصرفي، وتعزيز ثقة الجمهور بسلامة وانضباط الجهاز المصرفي. كما قامت بتطوير أنظمة معلومات الائتمان والشمول المالي. وانعكست محصلة هذه الإجراءات إيجاباً على المؤشرات المالية للجهاز المصرفي الفلسطيني، حيث تحسنت مستويات السيولة في الجهاز المصرفي، بالتزامن مع ارتفاع الموجودات، ونمت ودائع العملاء، كما ارتفعت محفظة التسهيلات الائتمانية مع تراجع في نسبة التعثر، وزادت قدرة هذا الجهاز على مواجهة المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة.
أما بخصوص التوقعات المستقبلية لأداء الاقتصاد الفلسطيني، فتشير تنبؤات سلطة النقد إلى أنه من المتوقع أن يتباطأ معدل النمو خلال العام 2016 بشكل طفيف إلى نحو 3.3%، مقارنة مع 3.5% في العام 2015. كما ويتوقع أن يرتفع دخل الفرد الحقيقي بنسبة 0.9%، مقارنة مع نموه بنسبة 0.5% في العام 2015.
ويأتي هذا الأداء على خلفية افتراض بقاء الأوضاع السياسية والاقتصادية في فلسطين على حالها في العام 2015، من حيث جمود المسار السياسي، واستمرار القيود على حركة الأفراد والبضائع (العمالة في إسرائيل والتجارة الداخلية والخارجية)، بالإضافة إلى استمرار الحكومة الفلسطينية في انتهاج سياسة التقشف المالي، مع بقاء معدلات نمو الإيرادات والنفقات الحكومية دون تغيرات تذكر عند نفس مستوياتها في العام السابق.
ويجدر بالذكر أن التقرير السنوي لسلطة النقد يصدر سنوياً بانتظام عن دائرة الأبحاث والسياسة النقدية، ويشكل مرجعاً أساسياً للمؤسسات البحثية والمهتمين بالشأن الاقتصادي وطلبة الدراسات العليا في فلسطين، لما يحتويه من تحليل معمق قائم على معلومات وإحصاءات هامة، ودقيقة وحديثة في فصوله وملاحقه الإحصائية المفصلة.