رام الله-غزة-الاقتصادي- ليس غريبا أن تشكو في مجالس النساء هذه أو تلك من انصراف الزوج إلى غيرها، في الوقت الذي تستمع فيه إما لنصائح التمرد على الواقع المرير، أو تتلقى مواساة مفادها أن "كل الرجال على هيك وعلى المرأة أن تصبر". وعلى الوتيرة الذكورية ذاتها استمرت الشكوى في هذا العصر من انشغال الرجل هذه المرة بالكمبيوتر والجلوس على الإنترنت بحثاً عن أخرى ترضيه دون متطلبات وتأففات ونقاشات حياتية رتيبة. غير أن المنظومة الذكورية التي تجعل الرجال لا يخافون ممارسة حرية الاختيار والسلوك على مرأى من الزوجة أو حتى في ظل التحايل المفضوح، هي ذاتها المنظومة التي تدفع بالمرأة للممارسة المماثلة ولكن أكثر خفاء.
ليست حكرا على العزاب!
تتعدد الأسباب وتتنوع الدوافع التي تُلقي بنا بين أنياب العلاقات الحميمة على الإنترنت سواء كُنا ممارسين أو مشاهدين. حتى لم نعد نستطيع الجزم بأن الكبت وتأخر فرص الزواج للجيل الشاب بسبب الوضع الاقتصادي الرديء، فقط يقفان أمام الانجذاب نحو المواقع الإباحية. فالمتزوجون والمتزوجات المتوافقون منهم أيضاً يشكون أو يمارسون أو يفضّلون أو يخافون هذه الكم من المتاح والمسموح الجنسي.
مواقع عديدة ظاهرها التعارف البريء لكنها مخصصة للمواعدة الحميمة سواء الالكترونية أو على أرض الواقع، وينطبق هذا على معظم مواقع التعارف بقصد الزواج. أ.د سيدة في مقتبل العمر تزوجت من ابن خالها الذي أحبته ولا يكبرها بكثير بعد أن اكتفت بالثانوية العامة، لكنها باتت في غضون أربع سنين تتذمر من انصراف زوجها عنها الذي تضاعف بعد أن انتقل من مرحلة أفلام الفيديو للعالم الالكتروني المفتوح، قاصداً اللذة المزيفة كما تسميها. تقول السيدة أ: "اللقاءات والمواعدات الغرامية التي يفشل في إخفائها عني مهما حاول، هي التي تأخذه للمواقع الإباحية، وتجعله مثل النار في البيت عصبي ومتوتر ويريد فقط أن يكون وحده دون أن يطلب منه أحدنا شيء". تقيم أ.د مع حماتها ومع ذلك تؤكد أنها لم تقصّر في "واجباتها الزوجية" رغم إنجابها ثلاثة من الأبناء. لكنها تشكك في أن تلك المواعدات على الإنترنت فقط، مضيفة: "مجتمعنا لن يتفهم أن أطلب الطلاق لهذه الأسباب، فمن حق الرجل كل شيء، لكن الحياة هكذا صارت مستحيلة وتسبب لي التعاسة الكاملة ولا أعرف ماذا أفعل بعد أن أصبحت أكره هذا الجهاز الجالب للخراب".
مجاراة للأزواج ..ولكن!
تعالج سيدات متزوجات أخريات لهفة الرجل المتقدة دوماً على المتع الحسية والحديث عنها ورؤية ممارستها، بطريقة مختلفة. م.ع أكبر سناً، في الثلاثينات على أكثر تقدير، خريجة جامعية، صرّحت بأنها كانت تغار جداً من اهتمام زوجها الزائد بكل جديد المواقع الإباحية، متناسياً لها بعد أن كانت العلاقة "تمام التمام" رغم الزواج التقليدي. تقول: "لم تنفع كل محاولاتي كزوجة غيورة كي يعدل عن فعله، بل كانت مراقبتي له وافتعال المشاكل يزيد المأساة". قررت بعدها م.ع بكل جرأة – كما ترى – مشاركة الزوج اهتماماته موضحة بأنها تشعر أن ما تقوم به غير محرّم شرعاً لأنه يحافظ على بيتها وزوجها، حتى وإن كان ذلك غير مقبول اجتماعياً. أضافت: "في البداية فرح كثيراً وانجذب لي وشجعني، لكني معظم الوقت أكون غير راضية تماماً رغم بعض التجديد في علاقتنا ما أزال أغار عليه من كل هذا واضطررت للتمثيل كي أكسبه". تنهي حديثها بالتفاخر أمام نجاحها الكبير لقيامها بشيء لا تجرؤ نساء أخريات عليه - كما تقول-، خاصة وأن الزوج قنن كثيراً من هذه المتابعة التي أصبحت مرة أو اثنتين شهرياً بعد أن كانت يومية.
حياة في عالم افتراضي
لكن، هل بالفعل تجدد هذه المشاهد والأجواء العلاقات الزوجية وتؤجج مشاعرها، أم أنها تلقي بها إلى التهلكة؟ ح. أ 37 عاما، لم تكمل الثانوية العامة، زوجها يكبرها بعشر سنوات، لكنه أيضاً من هواة المشاهد الالكترونية الساخنة، ما اضطرها – كما تقول- لتعلم استخدام الكمبيوتر والإنترنت لمراقبته. بدأت المسألة بالمراقبة كما تقول، لكنها اشترت لابتوب خاص بها وأصبح كلا الزوجين يعيش في عالمه الافتراضي بعيداً عن الآخر. وعند سؤالنا لها حول أهمية مشاركة شريك الحياة اهتماماته للتقارب قالت: "لا أستطيع أن أتقبل أن يجمعني وزوجي مثل هذه السخافة والقذارة، أنا أستخدم الإنترنت للترفيه والتعارف بصديقات من أنحاء أخرى من العالم، بعد أن صرت كأنني أعيش وحدي لا أحد يستمع لي". وتؤكد أن اللقاءات الزوجية في ظل هذه الأجواء ستجعل من اللقاءات بعيداً عنها مستحيلة كما تنصح المنتديات الطبية التي تتابعها.
العلاقات غير السوية مجتمعياً – رغم الاختلاف الكبير اليوم بين تعريف ما هو سوي وما هو غير سوي، سبب قوي للجوء مختلفي الطباع والحاجات الجنسية للشاشة السحرية التي تصلهم بأشباههم في هذا العالم. ويظل غير المرتبطين الأكثر زيارة لهذه المواقع الإباحية في مجتمعنا، بحكم احتياجهم الأكبر ثم مساحة الوقت الأوسع بعيداً عن المسؤوليات العائلية.
الحاجة أم أحمد التي باتت تخاف على ابنها البكر من الانخراط في هذه الدوامة والعزوف عن الزواج، تؤكد أن عدم حصول ابنها على عمل يجعله ينام الليل ويصحو في النهار شأن الناس، ثم ارتفاع تكاليف الزواج وكثرة تفاصيله التافهة في هذا العصر، كانا وراء الحالة المرضية التي تحزنها أيما حزن. أحمد وصل لسن السادسة والثلاثين وقد فسخ خطبته قبل ثماني سنوات بسبب الوضع الاقتصادي. يسكن وأمه وأخوته الستة الذين يصغرونه بيت المخيم الضيق على آماله ووالدته وحتى أحلام والده الراحل. تقول أم أحمد: "ألم يدعو الرسول المسلمين أن يتزوجوا ممن يرضون دينه وخلقه ولو بشق تمرة؟ لماذا الناس تتمسك بظاهر الدين ولا تطبق معانيه؟". تتألم الحاجة أم أحمد من نوم ابنها طيلة النهار، وإغلاقه باب إحدى الغرف الثلاث التي يحتكرها وحده في الليل، فهي تشعر به وتعلم ماذا يفعل أمام شاشة الكمبيوتر طوال الليل، وتدعو على من كان السبب – من وجهة نظرها!.
رغبات البنات لا يمكن التعبير عنها
آية وعبير صديقتان في المرحلة الثانوية رفضتا التصريح – صراحة- بتجربتيهما الشخصية، لكنهما أكدتا أن الفتيات شأنهن شأن الفتيان في هذا الأمر. تقول عبير: "البنت تملك مشاعر ورغبات واحتياجات مثل الشاب، لكنها لا تستطيع التعبير عنها مثله، وهي أكثر صدقاً منه في العلاقات العاطفية، سواء كانت وسيلة الاتصال الإنترنت أو الهاتف أو غيره". تضيف آية: "عندما تكذب الفتاة بشأن معلوماتها الشخصية فذلك لأنها تخاف على نفسها وأهلها، لكن الشاب عندما يكذب فيكون ذلك من باب الخداع". تؤكدان أيضاً أن لجوء الفتيات للعلاقات الحميمة عبر الإنترنت يكون بهدف عاطفي، أما لدى الشباب فهو لهدف مادي جسدي.
المجتمع المغلق يعزز "الانفتاح الافتراضي"
ترى الأخصائية الاجتماعية سمر حشوة أن المجتمع الفلسطيني ما زال منغلقاً رغم كل الظواهر المشيرة لغير ذلك، وما زالت المحرمات الدينية والاجتماعية تقف حاجزاً أمام اكتشاف الشاب أو الفتاة للآخر، ما يجعل هذه المواقع بما توفره متنفساً للتعرّف وخوض التجارب والاطلاع على ما هو غير متوفر أو متاح لدينا. أما الآثار الاجتماعية المترتبة على زيادة هذه الظاهرة فتكمن– برأيها- بالمزيد من الانحرافات السلوكية وتضاعف حالات المضايقات والملاحقات والتحرش بالفتيات والأطفال، كما تؤدي إلى تفاقم الاستغلال الجنسي سواء مارسه مستخدم هذه المواقع، أو مورس عليه.
آثار مدمرة
الإنترنت تطور تكنولوجي يصعب السيطرة عليه كما يرى الطبيب النفسي د.سامي عويضة، فهو متطلب أساسي في كل بيت. لهذا يؤكد مدى أهمية التعامل مع ظاهرة إدمان استخدامه بشكل عام، لأنها أولى خطوات الانفراد الطويل بالنفس الأمارة بالسوء. يقول: "الوالدان هما المسؤولان عن رسم الحدود السلوكية للأبناء، وعليهما ألا يكونا متراخيين من ناحية الوقت، كما يجب الحذر على الأطفال والمراهقين من هذه الظاهرة فهما الفئة الأخطر من الشباب الذين لديهم بعض المعلومات والمعرفة ويصعب تضليلهم". ويُرجع عويضة اللجوء لمثل هذه المواقع إلى الكبت والفراغ العاطفي والنفسي وحتى الاقتصادي عامة، ثم تشجيع الأقران بنوع من الفضول دون وازع أخلاقي أو ديني، مؤكداً أن من أخطر التبعات النفسية لهذه الظاهرة: العزل والانفصال الاجتماعي، ثم الاكتئاب الحاد بسبب الخضوع لفنتازيا التخيلات والعادة السرية بأخطارها الصحية التي تكبح من إنتاج الفرد الثقافي والعلمي.
القانون يجرّم الفاحشة عبر الإنترنت
قانونياً يرى المحامي أحمد المصري أن مصادر التشريع الرئيسية في وطننا الدين الإسلامي الذي يرفض ويحرم شرعاً مثل هذه الأفعال، وعليه تستطيع الجهات القضائية محاسبة كل "مذنب" من وجهة نظر التشريع. يقول: "هناك مادة قانونية رقم 74 لتجريم إساءة استخدام التكنولجيا صدرت عام 1936 تُجرم هذه الأفعال الشائنة وتعتبرها جريمة من نوع جنحة، أما قانون النشر فيسمح أيضاً لوزارة الاتصالات أن تخضع المستخدم لمراقبة أخلاقية، إيماناً بأن المنشورات يجب ألا تمس أمن المجتمع والسكينة العامة". وبهذا يوضح المصري أن متابعة المواقع الإباحية هو أذىً يشجع على ارتكاب الفاحشة. لكنه ينوه – رغم أحقية القضاء من وجهة نظره- إلا أن عدم التطبيق يرتبط بشؤون أخرى، خاصة في غزة التي سيُحدث فيها أي قرار معاقبة من هذا النوع صدى إعلامي غير مرغوب به في هذا الوقت.