نابلس – الاقتصادي- محمد علوان –على جانبي الطريق أثناء السير في منطقة النَصَّارية أشجار وثمار مختلف الوانها، ليس من السهل ان تتحرك هناك من دون مركبة، دونمات من الخيار والباذنجان، وأشكال متعددة من الفواكه التي لم يعتد ان يراها الفلسطيني، أراضي من المنجا والجوافة الوردية، تزيد جمال تلك المنطقة وترى في خضارها استثمارا ناجحا، لم يأت بيوم وليلة.
وتقع منطقة النصارية بين محافظة نابلس من جهة ومن الأغوار الشمالية من الجهة الأخرى، فتعتبر منطقة شفا غَورية، حولها مجموعة من المزارعين إلى منجم للخضار والفواكه، وبدورها الأرض حولتهم من مزارعين يثابرون من اجل الاكتفاء الأسري إلى مستثمرين.
واستمد المزارعون المياه من راس نبع وادي الباذان، حيث تتجمع المياه في الوادي بعد خروجها من تسع مخارج قبل تجمعها في مجرى الواد، فيصب مياهه بعد ان يجري في المنتجعات السياحية في وادي النصارية بفعل المزارعين الذين حفروا آبارا ارتوازية وتمكنوا من سحب المياه إلى أراضي الواد.
رحلةُ شق الآبار التي بدأت في العام 2000 بدت سخيفة للعيديد من المزارعين، إلا ان ما قم به القائمين على حفر هذه الآبار اعتمدوا على دراسة جيولوجية، فحفر البئر الواحد عملية مكلفة جداـ حيث يصل عمق البئر الواحد الى 80 متر في عمق الأرض، كما تمتد الأنابيب التي تضخ المحركات المياه من خلالها إلى الأراضي إلى 2كيلو.
بداية المشروع
" الرحلة الصعبة كانت في استصدار المياه واستخدامها من راس النبع لمسافة تبعد حوالي 7-8 كيلو، وكان الخوف من وجود تضارب بين استفادة المنتجعات من هذه المياه وبين الاستفادة منها بالزراعة"، يقول رئيس مجلس محلي الباذان محمد صلاحات.
ويضيف :"الزراعة بالبداية لم يكن لها جدوى ولم تتعدى ان تكون مصدرا بسيطا للدخل، ولم يكن هنالك استثمار بالزراعة، تجربة حفر الآبار كانت غنية، وبها الكثير من المخاطرة ولكن بعد ان رأى الناس جدواها تغيرت وجهة النظر للمزارعين، فنظروا لها بعين الاحترام والتقدير".
وعلى الرغم من ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، ترى أنواعا مختلفة من الخضراوات وكأنك في أكثر المناطق خصوبة، وهذا ما عمل عليه المزارعون أصحاب فكرة حفر الآبار، الذين عملوا على توصيل المياه بسحبها من خلال المحركات، الامر الذي رفع تكلفة الإنتاج، حتى تَوَصَلوا إلى فكرة حفر الآبار واستغلال مياه الباذان.
وعلى بعد مسافة ٢ كيلو متر ترى حجرة اسمنتية، أسفلها بئر بعمق 80 متر تحت الأرض، يخرج منها عدد من الأنابيب، المتصلة بأحد المحركات، تصل اليها المياه من ينابيع وادي الباذان وتضخ مياه بمعدل 80-75 كوب بالساعة نحو الحقول الزراعية.
رحلة صعبة شاقة
وعلى الرغم من ان المركبات التي يسر بها القائمين على هذه المشاريع هي من "آخر موديل" إلا ان ركابها هم مزارعين شقوا طريقهم بصعوبة وشقاء، آمنوا بالزراعة وحصدوا نتائج أكثر مما توقعوا بسبب هذه الآبار.
"نحن من بَحَش هذه الأراضي ونحن شققنا هذه الطريق، كلُ هذا الخضار لم يكن موجودا في السابق، واعتمد المزارعون على المحاصيل الموسمية، كالقمح والشعير ولم تكن الزراعة آمنة بسبب تقلبات الطقس، الآبار التي حفرناها تسقي من 8000-7000 دونم، وتنتج لو تحدثنا عن صنف واحد فقط كالخيار 16000 طن سنويا، الامر الذي يوفر ما لا يقل عن 20000 فرصة عمل في مثل هذا الموسم"، يقول المستثمر نبيل جودة.
ويضيف:" لم تخلو الرحلة من التدخل القاسي من المحتل الاسرائيلي الذي رفض أن تتطور هذه المنطقة، فَمَنع حفر الابار، واشترط الحصول على تصاريح لحفرها، وعَمَد هدم هذه الآبار، ولا تقل تكلفة إعادة إعمار هذا البئر عن 10000دولار أمريكي".
زراعة المنتجات الاستوائية
وعند التنقل من أرض لأخرى ترى بيارات كما اعتدنا رؤيتها في الأفلام، فبيارات البرتقال والليمون كانت مختلفة، إلا ان المبهر كان صور أشجار المنجا والجوافا الوردية، فبعد ان نجح جمال صلاحات بتحويل هذه الأراضي القاحلة إلى أخرى خصبة أجرى دراسة حول إمكانية زراعة المانجا فيها، الامر الذي نجح وبدا بإعطاء منتج فلسطيني بامتياز من الأًصناف المختلفة منها.
ويقول صلاحات:" صحيح أن البداية كانت صعبة جدا، إلا أن الاستثمار بدأ في التوسع ،المانجا الآن بحاجة إلى بعض الوقت حتى تعطي نتائج اقتصادية جيدة، إلا اننا نعتقد أننا نسير باتجاه مشروع زراعي ناجح، وتشكل الآبار التي حفرناها ركيزة أساسية في نجاح هذا المحصول ونجاح غيره في هذه المنطقة".
مناشدة ولا صعوبات
وعلى الرغم من كثرة الصعوبات التي يواجهها المزارع الفلسطيني بسبب المحتل الإسرائيلي والمعيقات التي يضعها امامه خاصة بالتسويق، إلا أن صلاحيات والمستثمرين الآخرين لم يذكروها كثيرا، بل توجهوا بمناشدة إلى المواطن الفلسطيني بأن يستغني عن البضائع الإسرائيلية واستخدام خضار وفواكه سهل سميط، التي يؤكد على جودتها مقارنة بالبضائع الإسرائيلية التي تنافس المنتج الفلسطيني.