*الاقتصاد العالمي أمام خطر صعود النزعات القطرية على حساب التكتلات الكبرى
*بريطانيا مهددة بخسارة 500 الف وظيفة بعد الخروج من "الأوروبي"
رام الله- الاقتصادي- أكد الخبير الاقتصادي د. نصر عبد الكريم أن خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي سيترك آثارا سلبية على الاقتصاد العالمي من ناحيتين، الأول تضييق مساحة الانفتاح والحرية التجارية في السوق الاوروبية ما سيدفع شركات كبرى ومستثمرين كبار إلى مغادرة بريطانيا إلى دول أخرى أكثر انفتاحا، ومن جهة ثانية سيدفع "بريطانيا الجديدة" إلى إعادة ترسيم سياساتها التجارية والاقتصادية مع العالم.
نزوح كبير للشركات الكبرى
وتوقع د. نصر عبد الكريم في لقاء مع "الاقتصادي" أن يتسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي بنزوح كبير للشركات الكبرى وخاصة في قطاعات الطاقة والبنوك والخدمات التي ستضطر إلى البحث عن أسواق في القارة الاوروبية أكثر جاذبية وانفتاحا وتتسم بالحرية التجارية.
وأضاف" بريطانيا كانت ملاذا آمنا للاستثمارات الأجنبية ، وهي سوق مفتوحة وتشكل حلقة وصل بين اوروبا وامريكا، لكن بعد التصويت بالخروج من الاتحاد الاوروبي ستنتقل الاستثمارات إلى دولة توفر السوق المفتوحة وتؤمن حرية التنقل والتجارة، وتكون ممتدة لمئات الملايين من البشر".
وتوقع د. عبد الكريم ان تعيد "بريطانيا الجديدة" النظر في مجمل الاتفاقيات التجارية والاقتصادية التي وقعتها مع دول العالم، من أجل ممارسة ما تعتقد انه سيادتها، ما يدفعها إلى تعديل بعض الاتفاقيات أو الغاء بعضها، ما يؤدي إلى فرض قيود تجارية مع اوروبا والعالم، وهذا ما سيجلب بعض العوائق الاقتصادية .
تأثيرات محدودة ومؤقتة
وفي الوقت ذاته قلل د. عبد الكريم من التأثيرات السلبية الكبيرة التي شهدتها أسواق المال العالمية وسوق العملات هذا اليوم، قائلا إن التأثيرات السلبية الكبرى التي انعكست بشكل واضح على أسواق المال العالمية وعلى اسعار العملات مبالغ فيها وهي نفسية أكثر من كونها تعكس الواقع، لكنه توقع أن تستمر تلك التأثيرات السلبية الناجمة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي للأسبوع القادم على الاقل.
وقال د. عبد الكريم إن بريطانيا ليست قائدة قطار الاتحاد الاوروبي ولم تكن عضوة كاملة فيها، فهي لم تكن عضوا في منطقة (الشنغل) التي تضم 26 دولة أوروبية، والتي ألغت جواز السفر وضوابط الهجرة على الحدود المشتركة الداخلية بينهما، كما أنها أبقت طوال السنوات الماضية على استقلالية سياساتها النقدية، وبالتالي فإن خروجها لن يترك آثارا مدمرة على الاتحاد الاوروبي كما لو أن المانيا او فرنسا القائدتان لمشروع الاتحاد الاوروبي هما من ستخرجان.
واضاف" أسواق المال العالمية هي مرآة لتحليلات المستثمرين، وخروج بريطانيا من الاتحاد سيترك آثارا سلبية معظمها نفسية ، وستكتشف الأسواق في وقت لاحق أن معظم التقديرات غير حقيقية ومبالغ فيها، وعندها ستعود الاسواق للاستقرار تدريجيا، خاصة أن الحديث يدور عن بريطانيا غير القائدة في الاتحاد الاوروبي، كما أن الخروج سيتم بعد عامين من التصويت وليس فوريا".
قرار سياسي اجتماعي
واستبعد د. عبد الكريم لـ" الاقتصادي" أن يكون أي تأثيرات ايجابية على الاقتصاد البريطاني جراء الخروج من الاتحاد الاوروبي، قائلا إن تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد له دوافع اجتماعية وسياسية أكثر من كونها اقتصادية.
وأضاف" تصويت البريطانيين له علاقة بتاريخهم ونفسياتهم ،فهم شعروا انهم فقدوا جزءا من القرار السياسي بالانضمام للاتحاد الاوروبي، فهم ينظرون لأنفسهم بانهم اسياد اوروبا، فكيف تتحكم بمصيرهم دول كانت في وقت ما هامشية اوروبيا؟".
ويعتقد د. الكريم أن البريطانيين صوتوا لصالح الخروج من الاتحاد الاوربي انطلاقا من أمرين، الأول هو ضد سياسة الهجرة من الجنوب للشمال، والثاني هو ضد تحمل أعباء الأزمة اليونانية، إذ بدأ البريطانيون يتساءلون حول مدى الثمن الذي يجب أن يدفعوه مقابل حل أزمة لمواطني دولة أخرى.
صعود القطرية على حساب التكتلات الكبرى
وحذر د. نصر عبد الكريم ان يكون خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي هو بداية لانكفاء التكتلات الكبرى التي تعاظمت بعد عام 1994 في ظل عولة اقتصادية فتحت الأسواق العالمية وعززت من حرية التجارة والتنقل، لصالح صعود النزعات القطرية.
وقال "من قاد توجه الخروج من الاتحاد الاوروبي هم المحافظون، وهناك مخاوف من تصاعد القومية الشوفانية في اوروبا، ونظرة البريطانيين اليوم هي ضد الهجرة من الجنوب للشمال، وهم قرروا أن يكونوا ضد الانفتاح والتعاطي مع الآخرين، وبالتالي قد يضطروا للقبول بعلاقات تجارية واقتصادية يخسرون فيها".
الذهب المستفيد الأكبر
وعلى غرار ما حدث من تغيرات دراماتيكية على أسواق العملات العالمية اليوم، توقع د. عبد الكريم أن يكون الذهب هو المستفيد الاول في المرحلة المقبلة باعتباره آخر الملاذات الآمنة.
وأضاف" الذهب هو الملاذ الآمن، وغالبا ما تكون العلاقة بينه وبين الدولار عكسية، فكلما ارتفع الدولار هبط الذهب والعكس صحيح، لكن هذه المرة سيشهد الذهب صعودا لافتا، كما أن الدولار سيكون مستفيدا بدرجة ثانية، فيما ستهبط أسعار النفط والجنيه الاسترليني، واليورو، وكافة العملات الأوروبية الأخرى بالإضافة إلى استمرار هبوط اسواق المال العالمية".
ولفت إلى أن الحديث عن نزوح استثمارات إلى خارج بريطانيا ما يعني ضمنا أن هذه الاستثمارات ستصفي ما لديها من الجنيه الاسترليني وتنقل اموالها بعملات صعبة ، ما يعني أن الجنيه سيكون أمام تحديات حقيقية، وهذا ما سيجعل البنك المركزي البريطاني أمام مهمة ضخ مئات مليارات الدولارات في السوق البريطانية لإحداث نوع من التوازن".
تأثير بـ"العدوى"
وحول مدى امكانية تأثر اقتصاديات المنطقة بما حصل في بريطانيا، قال د. عبد الكريم "لا يوجد تأثيرات مباشرة لما حصل في بريطانيا على اقتصاديات المنطقة، لكن يمكن ان يكون هناك تأثيرات بالعدوى، فمن المعروف أن الاقتصاد العالمي اليوم متشابك، ويمكن ان تنتقل حمى الاسواق بالعدوى من دولة لأخرى".