رام الله-الاقتصادي- وفاء الحج علي- يجلس علي في إحدى زوايا خان التجار في نابلس، على كرسي خشبي قديم لساعات، يحمل كتابًا ويرفع عينيه عن القراءة بين الفينة والأخرى آملاً في أنه بالمرة القادمة عندما يرفع ناظريه سيلقى زبونًا يسأله عن كتاب ما.
لكن علي اعتاد أن تهجر بسطته المليئة بالكتب العربية والإنجليزية، والمترجمة، التي لا تكاد تترك موضوعًا إلا تطرقت له، وبينما يراقب علي تجمعات الناس حول بسطة جاره الذي يبيع الأفلام، يقول: "هذا هو الحال في بلادنا، أكثر الشعوب ثقافة وعلمًا لا يقرأ!".
محاولات موسمية لتحفيز شهية الفلسطينيين على القراءة
ورغم غياب ثقافة المطالعة والقراءة في أوساط الفلسطينيين، إلا أن بعض الجهات الرسمية وغيرها لم تفقد الأمل بعد. آخر هذه المحاولات تمثلت في معرض الكتاب الدولي العاشر الذي انطلق في بداية شهر أيار من العام الجاري 2016، تحت شعار "فلسطين تقرأ"، بهدف استقطاب القراء والمثقفين والشعراء الفلسطينيين، من أجل تكريس فكرة أن الشعب الفلسطيني نابض بالإبداع.
معارض وفعاليات كثيرة تقام في الأراضي الفلسطينية لتشجيع القراءة، لكن يبدو أن تأثيرها موسمي، بل وتنتهي تداعياتها مع انتهاء الفعالية، حسب ما يرى الشاعر مراد السوداني أمين عام اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم وأمين عام الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين.
ويقول السوداني: "لقد لاقى المعرض صدى إيجابيًا من قبل المهتمين في المجال، من الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، إلا أن هذا المعرض يتيح متنفسًا مؤقتًا للفلسطينيين كي يطالعوا يتعرفوا على أحدث الكتب العالمية ودور النشر المختلفة التي تضخ إصداراتها إلى الوطن، إلا أن هذه محاولات موسمية فحسب.
أسباب ذاتية وأخرى موضوعية تحول بين الفلسطيني والكتاب
ويجزم السوداني أن الشعب الفلسطيني غير قارئ، ذلك بسبب ظروف ذاتية وأخرى موضوعية، مبينًا أن ما يضعف شهية الفلسطيني للقراءة هو افتقارنا لدار نشر وتوزيع وطنية ودور نشر متخصصة قادرة على تقديم للسوق الثقافية الكتب، أسوة بالدول الأخرى.
ويبيّن السوداني أن وجود دور نشر خاصة في فلسطين مثل دار "الشروق" ودار "الجندي"، التي تعمل بموازنات وجهد ذاتيين يجعلها غير قادرة على سّد الثغرة الموجودة في مجال القراءة والمطالعة.
ويبين السوداني أن من الأسباب التي تضعف القراءة في فلسطين، هي العقبات التي تضعها إسرائيل أمام إدخال الكتب إلى فلسطين، حيث نمنع من استيراد الكتب الحديثة التي تطبع في بقية دول العالم، إما لإجراءات الاحتلال، أو لتكلفة الضرائب التي نضطر لدفعها لإدخال هذه الكتب.
يعزو السوداني هذا الضعف في الإقبال على القراءة أيضًا إلى غياب مكتبة وطنية في فلسطين، مبينًا أن المكتبة الوطنية هي رمز سيادي لكل دولة، وعنصر رئيسي في خلق أجيال قارئة. ويؤكد أن الوضع المادي للفلسطينيين يحول دون اقتناء الكتب لأسعارها الباهظة وصعوبة الحصول على الكتابة الفلسطينية المحلية، بالإضافة إلى انشغال الفلسطينيين بالبحث عن لقمة العيش ومقارعة الاحتلال، الأمر الذي قد يضع القراءة في أسفل سلم أولويات الفلسطينيين.
القراءة في فلسطين سياق فردي
ويقول السوداني إن بعض الفلسطينيين يحاولون إحياء القراءة والمطالعة، إلا أن هذا التوجه يبقى ضمن إطار سياق فردي، مشددًّا على أن القارئ الجيد هو مبدع جيد، وأن الإبداع لا يخلق إلا بالقراءة، فهي مسودة الكتابة التي توفر العمق الثقافي، والتي تنتج ثقافة قادرة على البقاء والتأثير.
ويؤكد السوداني أن الثقافة هي القادرة على مواجهة الماكنة الإعلامية والثقافية الاحتلالية التي تسعى إلى خلق رواية نقيضة عن فلسطين وأهلها، وهي السلاح الأنسب للدفاع عن وجودنا في هذه الأرض وتمكسنا بها، كما أنها وسيلة لتطوير الشخص على الصعيد الثقافي والعلمي والمهني، الأمر الذي يخلق مجتمعًا متمكنًا اقتصاديًا وسياسيًا وثقافيًا وعلميًا.