دافع وزير العمل مأمون أبو شهلا عن قرار قانون الضمان الاجتماعي مقللاً من موضوعية المآخذ التي سجلت على هذا القانون الذي قوبل باحتجاجات واسعة من جهات حقوقية ومؤسسات المجتمع المدني ونقابات عمالية، نظراً لعدم شموله على العديد من جوانب الأمان التي يتطلع الفرد إليها.
وذهب أبو شهلا خلال لقاء انفردت الحدث بتغطيته إلى استعراض مزايا القانون والأسباب الرئيسة التي دفعت بالحكومة إلى إعداده ومن ثم إقراره من قبل الرئيس ونشره في الصحيفة الرسمية، رغم الانتقادات والمسيرات التي نظمت احتجاجاً على هذا القانون وعدم شموليته، معتبراً أن تطبيق ما هو متاح من منافع محدودة في قانون الضمان أفضل من عدم تطبيقه، سيما وأنه تبقى نحو عشرة أيام لنهاية الفترة المحددة لتعديل بنوده.
وقال أبو شهلا في سياق مقارنته بين المنافع التي يكفلها قانون الضمان والمنافع التي تقدمها هيئة التأمين والمعاشات: "سنكون أمام كارثة فلسطينية يجب أن نعترف بها، فهيئة التأمين والمعاشات ستنتهي خلال عشر سنوات إذا استمر الوضع الحالي كما أن الهيئة تغطي منفعة واحدة فقط للموظفين ولكن نحن هنا في قانون الضمان سنبدأ بتطبيق ثلاثة منافع".
ووصف أبو شهلا خلال اللقاء المذكور الذي نظمته مؤسسة بال ثنك للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية الأسبوع الماضي بحضور لفيف من ممثلي مؤسسات المجتمع المدني وكتاب قانون الضمان الاجتماعي، بسلوك حضاري كان من المفترض تطبيقه منذ فترة طويلة لما يوفره من ميزتين أساسيتين أولاهما مراعاة مصلحة العمال وأرباب العمل، وثانيهما توفير حالة من الوئام الاجتماعي التي يحتاجها المجتمع الفلسطيني، مؤكداً أن اتضاح مزايا القانون ستكتشف على أرض الواقع لدى تطبيقه الذي تأخر لسنوات طويلة بفعل الاحتلال، رغم أن الطريق الوحيد للحصول على حقوق العمال الفلسطينيين في إسرائيل هو إنشاء هيئة للضمان الاجتماعي.
تطبيق ثلاثة منافع من أصل سبعة
وأوضح أبو شهلا أنه عقب حرب عام 1967 فتح باب العمل في إسرائيل أمام العمال الفلسطينيين وأصبح هناك منافسة بين العامل الفلسطيني والإسرائيلي، لذا أقرت نقابة العمال الإسرائيليين "الهستدروت" في الرابع من تشرين أول عام 1970 أن يتم معاملة العامل الفلسطيني كالإسرائيلي في الحقوق والواجبات وأصبح هناك سبعة خصومات تخصم من العامل الفلسطيني وتودع في وزارة المالية الإسرائيلية، وحسب منظمة العمل الدولية فإن أربعة ملايين عامل فلسطيني عملوا في إسرائيل، وبموجب بعض الإحصاءات، فحقوق العمال الفلسطينيين تقدر خلال هذه السنوات بنحو 31 مليار شيكل دون الفوائد.
وبين أنه منذ عام 2004 وحتى عام 2006 اعترض البنك الدولي على وجود قانون ضمان اجتماعي دون أن يكون هناك دراسة اكتوارية وفي عام 2011 صدر قرار بتشكيل الفريق الوطني لبلورة قانون الضمان الاجتماعي من خلال خبراء دوليين إلى أن وصلنا إلى الدراسة الاكتوارية وأصبح لدينا مضمون لقانون الضمان.
ونوه إلى أن عدد العمال في الأراضي الفلسطينية يقدر بنحو 1.3 مليون عامل منهم نحو 130 ألف يعملون في إسرائيل، ومنهم من يعمل في الحكومة، لافتاً إلى هذا القانون ليس للعاملين في الحكومة، ما يعني أن نحو 300 ألف إنسان لن يستفيدوا من هذا القانون الذي يتضمن الحصول على سبعة منافع للعامل ورب العمل عند تطبيق مختلف مراحله في حين أننا سنبدأ بتطبيق ثلاثة منافع تتعلق بالعجز والشيخوخة والأمومة وإصابات العمل، وهناك أمور لا يتعرض لها القانون، ومنها التأمين الصحي والتأمين ضد البطالة حيث لا نستطيع أن نقدمهما.
وأشار إلى أن الدراسة الاكتوارية تقضي بأن يكون الدخل المتاح للهيئة 16% من أجرة العمال ومساهمة أرباب عملهم "يدفع العامل ما نسبته 7.5 % شهرياً من راتبه وصاحب العمل 8.5 %" حتى تتمكن الهيئة من تغطية المنافع الثلاثة لهذا القانون الذي يعد بمثابة اتفاقية واسعة النطاق بين طرفين، فليس لنا علاقة بذوي الاحتياجات الخاصة والمتعطلين بل بالعامل ورب عمله.
إلزام أرباب العمل بدفع الحد الأدنى للأجور
وقال أبو شهلا في سياق إجابته على أسئلة وانتقادات الحضور للقانون: "نحن ما زلنا تحت الاحتلال، ومتوسط دخل الفرد لدينا يجعلنا نكاد نكون من أفقر شعوب الأرض، لذا فوجود هذا القانون مهم جداً للكثير من الناس وخطوة مهمة لمصلحة شعبنا، وذلك بالرغم من أننا تأخرنا كثيراً في تنفيذه، ولكن أن نبدأ بتطبيق ما هو متاح من منافع في هذا القانون خير من ألا نبدأ، بالإضافة إلى أن القانون بحد ذاته قابل للتطور، وبالتالي لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار أن الحد الأدنى للأجور لا يطبق في معظم الحالات "1450 شيكلاً" ولدى تطبيق هذا القانون سيصبح التزام أرباب العمل بدفع الحد الأدنى للأجور إجبارياً، لافتاً في السياق ذاته إلى أن 70% من العاملين في فلسطين لا يتقاضون مكافأة نهاية الخدمة، ولكن بموجب هذا القانون كل الناس ستأخذ مكافئة نهاية الخدمة".
وأضاف: "إن حملة الاحتجاجات والمسيرات التي انتقدت القانون دفعت بالحكومة الشهر الماضي إلى تشكيل لجنة وزارية بعد فترة الحوارات، ما يعني أنه تبقى نحو 10 أيام ثم سنذهب إلى مجلس الوزراء لتعديل القانون من قبل من أصدره، فوجود قضايا تحتاج للتعديل لا يعيب هذا القانون الذي أعد بجهد كبير وصدر عن الرئيس، لأنه ليس لدينا مجلس تشريعي نظراً لأن ما هو قائم يسمونه إحدى الكتل البرلمانية، وبالتالي لا يوجد لدينا جهاز تشريعي".
ويذكر في هذا السياق أن الحكومة اتفقت مع عدد من الكتل البرلمانية في الخامس والعشرين من الشهر الماضي على طرح القرار بقانون الضمان الاجتماعي للنقاش المجتمعي مرة أخرى، على أن ينتهي النقاش في سقف زمني لا يتجاوز ستة أسابيع.
مخاطر محدقة بهيئة التأمين والمعاشات
واعتبر أبو شهلا أن أبرز ما يميز القانون قابليته للتطور: "فهو متدرج ويتطور وهو سلوك حضاري احتجنا له منذ سنوات، وربما الذي ساهم بتسريع الإعداد للقانون قضية العمل في إسرائيل".
وفي سياق مقارنة أبو شهلا بين المنافع التي يكفلها قانون الضمان والمنافع التي تقدمها هيئة التأمين والمعاشات قال أبو شهلا: "سنكون أمام كارثة فلسطينية يجب أن نعترف بها إذا استمر الوضع الحالي، فهيئة التأمين والمعاشات ستنتهي خلال عشر سنوات، كما أن الهيئة تغطي منفعة واحدة فقط، ولكن نحن هنا بدأنا بثلاثة منافع"، مؤكداً أن الحكومة ستضع نصوصاً واضحة لتكون الضامن لكل حالة من الحالات المستفيدة من منافع القانون.
تشكيلة مجلس إدارة الهيئة
وبين أن إدارة الهيئة ومجلس إدارتها سيتم اختيارهما بتنسيب من مجلس الوزراء، وبقرار من الرئيس، وسيضم المجلس أربعة ممثلين عن أربع وزارات سيكونون على الأغلب وكلاء وزارات وأربعة ممثلين عن أرباب العمل وأربعة ممثلين عن العمال وخبير مالي واداري أما رئيس مجلس إدارة الهيئة، فإما أن يكون وزيراً أو من مؤسسات القطاع الخاص، "وعلى الأغلب سيكون إما وزير العمل أو المالية أو الاقتصاد أو الشؤون الاجتماعية أو التخطيط".
وقال: "سيبدأ هؤلاء عملهم بإنشاء الهيئة واستدراج عرضين أولهما ما يعرف بعرض الحافظ الأمين، وهو عبارة عن مؤسسة مصرفية لها فروع في الوطن ودورها تحصيل الاشتراكات، وعرض مدير الاستثمار وهي مناقصة أخرى تعني اختيار مؤسسة مصرفية لها امتدادات خارجية وذات قدرة على تحقيق الاستثمار الأمثل للمال ضمن طرق آمنة وكوابح تكفل تحقيق أكبر عائد وبأقل خطورة".
وكشف أبو شهلا عن فحوى لقاءات أجراها مؤخراً مع العديد من أرباب العمل الذين أكدوا له أن الغالبية العظمى من العمال لا يتقاضون الحد الأدنى من الأجور، كما أن غالبية أرباب العمل لا يقدمون لعمالهم بدل نهاية الخدمة، وغالباً ما يتم تخصيص بدل ترك العامل لعمله، منوهاً في هذا السياق إلى أن نحو 95% من المؤسسات والمنشآت تقوم بتشغيل أقل من 20 عاملاً وأن معظم هذه المنشآت عائلية.
ولفت أبو شهلا إلى أنه تم إعداد الدراسة الاكتوارية، وبناء عليها تم احتساب النسب التي وصلت إلى نقطة التعادل 16% وطلبنا من منظمة العمل الدولية أن تقوم بهذه الدراسة التي يستحسن أن يعاد النظر فيها بمعدل مرة كل ثلاث سنوات، فهي دراسة أتت لتتنبأ بالمردود الاقتصادي والحالات المستهدفة من القانون وهذا من خلال مختصين.
تطبيق القانون يحتاج عشرين شهراً
وأكد أن تطبيق القانون لن يتم قبل 10 أشهر إلى 20 شهراً، فهو ليس فورياً، فإنشاء هيئة ثم تنسيب أعضائها وتشكيل مجلس إدارة واختيار الموظفين، والمكان والنظام المعمول به واحتمال الاستعانة بخبراء من الخارج يتطلب وقتاً.
ويذكر أن الدراسة الاكتواريّة تعتمد على مبدأ تخمين المخاطر، وذلك عبر استخدام الطرق الحسابيّة والإحصائيّة في تقدير حجم المخاطر في مجال الصناعات الماليّة والتأمين، ومن أشهر التطبيقات على هذه الدراسة (جداول الحياة والوفاة) حيث يقوم "الاكتواريّون" بتوفير التقديرات التي تتطلب الخبرة في مجال أنظمة الأمن المالي وآليّاتها وقياس النتائج التي تطرأ في حال وقوع تلك المخاطر، للعمل على الحد من آثارها السلبية وتقليل نسبة الخسائر الماليّة الناجمة عن تلك الأحداث أو المخاطر، والعمل على دراسة إمكانيّة عدم وقوعها إن أمكن.
ولاقى قرار قانون الضمان الاجتماعي الذي تم إقراره من قبل الرئيس ونشر مؤخراً في الصحيفة الرسمية احتجاجات واسعة من قبل جهات عدة حقوقية ومؤسسات المجتمع مدني ونقابات عمالية وسجلت مآخذ على القانون نظراً لعدم شموليته على العديد من الجوانب التي توفر الأمان للفرد في حالات الشيخوخة والعجز والوفاة وإصابات العمل والأمومة والتأمين الصحي والتأمين على البطالة في حال تسريح الموظف من عمله، حيث يغطي القانون المقر جزءاً من الأمور المذكورة.
المصدر : الحدث