عبد الرحمن الفار
خلال عقود من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دمر خلاله الاحتلال الوحشي المناحي الحياتية للفلسطينيين، و لم يكن الاقتصاد بمنأى عن آلة البطش الصهيونية حيث اقتلعت أشجار الزيتون ذات الجذور المعمرة و طمست معالم صناعات لطالما كانت فلسطين مهدها، فخلال حروبها و اجتياحاتها دُمرت المصانع و قصفت الورشات الحرفية و جرفت الأراضي الزراعية و هجرت العقول، و بين حينٍ و آخر تستخدم اسرائيل ذات السياسة لتبقى باسطة أجنحتها فوق الاقتصاد الفلسطيني فلا يخرج عن تبعيتها.
بعد انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000 بدأ الاقتصاديون في فلسطين بتدوال مصطلح "الاقتصاد المقاوم" و لعلها المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا المصطلح، ذات المصطلح استخدم في إيران إبان فترة العقوبات التي فرضت عليها نتيجة برنامجها النووي.
و على الرغم من تداول هذا المصطلح – الاقتصاد المقاوم – في الإعلام الفلسطيني و قليلاً ما كان يستخدم في الأوراق و الدراسات الأكاديمية إلا أن ملامح و سمات هذا الاقتصاد لم تحدد بعد، كما و لم يعرف بشكلٍ دقيق، علاوةً على أن إجراءات رسمية لم تتخذ من قبل الحكومات الفلسطينية المتعاقبة خلال سنوات الانتفاضة الثانية لترسيم حدود هذا الاقتصاد و جعله واقعاً ملموساً.
في مخيلة الاقتصاديين و تفكيرهم ما أن تطرح مصطلح الاقتصاد المقاوم إلا و يتسلل إلى أذهانهم إقتصاد مرن قادر على تحمل الصدمات و التقلبات السياسية، و حتى الآن تبقى الأفكار في مهدها وليدة غير قادرة على النمو أو الحركة.
لعلنا بتنا في أمس الحاجة إلى ترسيخ القواعد لاقتصاد قادر على تخفيف الأعباء الحياتية عن المواطن الفلسطيني في ظروف سياسية و معيشية مختلفة، ما يعظم من حاجتنا إلى هذه القواعد هي السياسة الاسرائيلية المنتهجة ضد مؤسسات السلطة و البنى التحتية و معالم الصمود المدني.
خاضت إسرائيل مؤخراً ثلاث حروب على قطاع غزة، في كل مرة تقتلع فيها أشجار الزيتون و الحمضيات التي لطالما اشتهرت سواحل القطاع بإنتاجها، فمنذ العام 2000 لم يستطع مزارعو قطاع غزة من إنتاج الحمضيات و الزيتون نتيجة إقتلاع أشجارها في كل حرب أو اجتياح.
لازال المزارع الفلسطيني في كل اجتياح يتكبد مزيد من الخسائر المادية التي تنهك عافيته و تستنزف مدخراته حتى أصبح مرحباً به تحت خط الفقر، حيث قُدرت خسائر القطاع الزراعي بقرابة نصف مليار دولار الناجمة عن حرب 2014 ، بينما تكبد القطاع الصناعي خسائر قُدرت بـ 900 مليون دولار بشكل مباشر و غير مباشر، و نتج عن ذلك ارتفاع نسبة البطالة إلى 55% .
هذه الأرقام مرشحة لتصدر عناوين الصحافة عقب كل اجتياح جديد ما لم تكن هناك استراتيجية وطنية عليا تضمن أكبر مرونة للاقتصاد الفلسطيني لجعله قادراً على التكييف مع المتغيرات السياسية ، أو بمعنى آخر نحن بحاجة إلى سياسات لتكييف الاقتصاد و تقليص خسائره للحد الأدنى نتيجة الصدمات.
عبد الرحمن الفار
محاضر بقسم الاقتصاد - جامعة الأزهر