يبالغ الكثير من الأشخاص في الاهتمام بالمظهر الخارجي من أزياء ومقتنيات ثمينة وتصرفات تعطي انطباعاً بثراء صاحبها، كنوع من التفاخر بالمظاهر المادية وحب الظهور، اعتقاداً منهم أن المستوى الاجتماعي المترف هو أساس الحكم على الآخرين واحترامهم.
وقد يكون التفاخر وحب الظهور مطلباً محبباً لدى الكثيرين، ولكن إذا تعدى هذا حدود المعقول بهدف جرح شعور الآخرين، فقد يتحول إلى حالة مرضية تستدعي الوقوف لإعادة النظر في سلوكيات وتصرفات الشخص.
ووجد العديد من الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة فعالة للترويج لبعض الأفعال والأعمال التي يتباهي ويتفاخر بها امام المواطنين وخاصة أصدقاءه .
المواطنة العشرينية أمل أبو بريكة خريجة إحدى الجامعات الفلسطينية، أوضحت أن أجمل شيء في الحياة هي البساطة وأن التباهي بالأمور المادية غير محبب بالنسبة لها، معتبرة إياه مرضاً نفسياً وتكلفاً أكثر من اللازم يعطي انطباعاً بالنقص لدى الشخص المتباهي .
وتقول أبو بريكة "أكره هذه الفئة من الناس الذي يتباهون ويتفاخرون بما لديهم، واشعر أن من يفعل ذلك لديه نقص في كافة جوانب حياته"، مضيفة أن واجبنا تجاه الأشخاص الفقراء الذين لا يملكون هذه الأشياء, أن نشعر بهم ولا نعصر قلوبهم ألما ولا نشعرهم بأننا أعلى منهم, وننزل لمستواهم في بعض الأمور حتى لا يشعروا بالحرمان.
مرض نفسي
ولم يختلف حال الفتاة أحلام الفالح ( 23 عاما ) من سكان منطقة النصر غرب مدينة غزة كثيرا عن سابقتها, لكونها كثيرا ما ترى بعض صديقاتها في العمل يتفاخرن ويتباهين أمامها بما لديهن, خاصة اللواتي يملكن سيارات فاخرة وكثيراً ما يقمن بعد الدوام الوظيفي بتناول طعام الغداء في أفخم المطاعم.
واعتبرت الفالح من تقوم بفعل هذه الأمور بشكل مستمر تعانى من نقص كبير في حياتها وتعاني من مشاكل نفسية, مشيرة إلى أنه ليس عيباً أن يتحدث المرء بما انعم الله عليه من نعم، ولكن بشرط أن لا يصل لمستوى التفاخر والتباهي، وأن يراعي الشخص ظروف الآخرين ممن ليس لديهم هذه النعم لكي لا يشعرهم بالحرمان.
أما الشاب محمد نويجع (25 عاما)، والذي كان يتعمد الظهور أمام أصدقائه بمظهر المترف اجتماعياً ويتباهى بما يملك من سيارة وأموال كثيرة وغيرها من مظاهر الترف الاجتماعي، حيث كان أسبوعياً يقوم بدعوة أصدقائه في أحد المطاعم الكبرى في غزة لتناول وجبات الغذاء والعشاء، والسهر في المقاهي وتحمل تكاليف السهرة كاملة، وهو ما كان يكلفه الكثير من الأموال دون مراعاة أصدقائه لما ينفق عليهم أسبوعياً أو مشاركته في هذه التكاليف.
وذكر نويجع، أنه كان على خطأ وعمل على تغيير أسلوب حياته بعد مواجهته للكثير من المشاكل المادية، لافتاً إلى أن بعض أصدقائه الذين كان يتفاخر أمامهم قد تركوه، والبعض الآخر تشمت به بعد أن فقد الكثير من الأموال وأصبح لا يقوى على دعوتهم مرة أخرى.
ظاهرة اجتماعية
الأخصائي الاجتماعي أحمد حمد، أكد أن تفاخر وتباهي الأشخاص أمام بعضهم البعض، أصبح ظاهرة منتشرة بشكل لافت في مجتمعاتنا العربية, لدرجة أنه تعدى تصوير وتوثيق الأمور التي تحدث فيما بينهم ونشرها على موقع التواصل الاجتماعي " فيس بوك " .
وأوضح حمد "أن الإفراط في التفاخر والتباهي أمام الآخرين قد يسبب العديد من المشاكل الاجتماعية، تصل لأمر المعايرة فيما بينهم, كذلك تؤدي للحسد والفتن من قبل الآخرين غير القادرين على فعل هذه الأمور, وهو ما يؤدي إلى تخريب العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
وأشار إلى أن التفاخر والتباهي والإفراط فيه منهي عنه دينيا أيضا, لأن بعض الأشخاص لا يملكون هذه الأشياء التي يتفاخر بها الشخص, مؤكداً أن ذلك ينم على ضعف الإيمان والثقة بالله تعالى.
وقال: "إن الشخص الذي يكثر من الحديث عن أفعاله وما يقوم به، يكون ضعيف الشخصية وفاقداً لشيء معين فيحاول أن يعوضه بما يقوم به من تباهٍ وتفاخر, أو يكون هاربا من بعض الالتزامات والأولويات ويحاول أن يبرز نفسه, كذلك من الممكن أن يكون قد فعل هذا الشيء تبريراً لما يعاني منه من انطواء".
وذكر أنه يوجد الكثير من الأشخاص الذين يقومون بتناول وجبات لا تعجبهم في بعض المطاعم فقط ليتفاخروا أنهم قد ذهبوا لذلك المطعم لأنه بحلة جديدة واسمه لافت للانتباه, كذلك مستعدون لشراء ولبس أغلى الملابس فقط ليتباهوا بأنها ماركة عالمية, داعيا إلى ضرورة عدم الإفراط في التباهي وأن يكون الإنسان بسيطاً على طبيعته .
نقلا عن الاستقلال